انقسام حاد يسود الشارع الليبي بين مؤيد ومعارض لدعوات الخروج في 15 فبراير/شباط للتظاهر الذي حمل شعارات كثيرة، تختلف حسب الجهة الداعية له، من تصحيح مسار المؤتمر الوطني العام، إلى فرض بعض المطالب على السلطات وصولاً إلى حد “الإطاحة” بالمؤتمر والحكومة.

هذه “الانتفاضة” كما يسميها البعض، أثارت جدلاً واسعاً في الشارع رغم تأكيد غالبية الأطياف التي تدعو لها أنهم سيحافظون على طابع سلمي لهذا الحراك.

ثورة بيضاء

انقسام حاد يسود الشارع الليبي بين مؤيد ومعارض لدعوات الخروج في 15 فبراير/شباط للتظاهر الذي حمل شعارات كثيرة، تختلف حسب الجهة الداعية له، من تصحيح مسار المؤتمر الوطني العام، إلى فرض بعض المطالب على السلطات وصولاً إلى حد “الإطاحة” بالمؤتمر والحكومة.

هذه “الانتفاضة” كما يسميها البعض، أثارت جدلاً واسعاً في الشارع رغم تأكيد غالبية الأطياف التي تدعو لها أنهم سيحافظون على طابع سلمي لهذا الحراك.

ثورة بيضاء

تنوعت خلفيات الداعين إلى التظاهر بين منتمين إلى تيارات سياسية وشخصيات مستقلة وبعض العسكريين. ويعتبر عصام الجهاني وهو أحد هؤلاء أن التظاهر يوم 15 فبراير يأتي التزاماً باتفاق تمّ في السابق بين المجلس المحلي بنغازي وبعض منظمات المجتمع المدني وبين المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والحكومة المؤقتة. وحُدد هذه التاريخ كآخر فرصة أمام السلطات لتنفيذ مطالب المحتجين في بنغازي، وإلا فإنهم سيخرجون في حراك سلمي كبير أسموه “الثورة البيضاء”.

وأضاف الجهاني أن خروجهم “سيكون سلمياً حتى آخر لحظة”، راجياً من الوطني والحكومة أن يتحملا المسؤولية الملقاة على عاتقهما بتحقيق مطالب من انتخبهما.

وحذر الجهاني في ذات السياق من “قيام  بعض الأحزاب بحشد مناصريها في ساحة الحرية ببنغازي لفرض مطالبها وأجنداتها وتفريغ الانتفاضة من محتواها” بحسب قوله.

وأوضح أن مطالب المتظاهرين تتمثل في “فتح باب الحوار واعتماد دستور 1951 مع إجراء بعض التعديلات عليه، وإعادة المؤسسات التي نُقلت من بنغازي إلى طرابلس، واعتماد نظام الحكم المحلي للمدن، إضافة إلى تفعيل مؤسستي الجيش والشرطة”.

إنهاء المركزية

ومن جهة أخرى قال ممثل تكتل “بنغازي عاصمة اقتصادية” قيس البكشيشي “سنشارك في مظاهرة 15 فبراير في ساحة الحرية بشكل سلمي، لتحقيق مطالبنا التي اتفق عليها الجميع في الاجتماع الذي عقد بجمعية الدعوة الإسلامية مؤخراً”.

وأوضح البكشيشي أن مطالبهم تتلخص في “تطبيق شرع الله، وتفعيل المادة 188 (من دستور 1951) التي نصت على أن طرابلس وبنغازي عاصمتان للدولة الليبية، مع إنهاء فوري للمركزية، وتفعيل الشرطة والجيش، والاهتمام بأسر الشهداء والمفقودين والجرحى”.

نار لا تنطفئ

أما الأستاذ بجامعة بنغازي محمد الوليد فكان له رأي مخالف لأن التظاهر في رأيه “يجب أن يكون مشروطاً بـمعرفة الجهات المنظمة له وخطة تنظيمها، أما أن يكون الداعي جهات مجهولة أو أشخاصاً لا نعرفهم فسوف نمتنع عن الخروج وراء مجهولين”.

كذلك اشترط الوليد أن “تكون الأهداف واضحة وواقعية وليست تعجيزية أو تؤدي إلى ضرر أكبر كالانقضاض على الشرعية، كما يجب تأمين المسيرات حتى لا يتسرب إليها المجرمون أو من كانوا باللجان الثورية وعناصر الأمن الداخلي، كي لا يحدث التدمير والقتل، فهؤلاء يريدونها نارا لا تنطفئ” .

مفتي الديار

وكان مفتي الديار الليبية الشيخ الصادق الغرياني قد دعا عبر فيديو تم نشره بمواقع التواصل الاجتماعي مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا إلى ضبط الحراك المزمع تنظيمه يوم 15 فبراير “لقطع الطريق أمام أي محاولات أو نوايا تخريبية”على حد قوله.

وليس بعيداً عن رأي المفتي ما ورد في بيان عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي الصلابي، الذي طالب فيه منظمي تظاهرة 15 فبراير بضمان عدم سفك دماء الليبيين، محمّلاً إياهم مسؤولية الإخلال بسلمية المظاهرة، وداعيا المؤتمر الوطني العام  إلى ضرورة العمل مع الحكومة المؤقتة لتقديم الحلول للملفات الأساسية، كالأمن وتفعيل القضاء والمصالحة الوطنية.

ضرب الاستقرار

في ذات السياق عبّر وزير الداخلية عاشور شوايل فى تصريح له  لصفحة “أجواء البلاد” المحلية عن خشيته من خروج مظاهرات 15 فبراير المرتقبة عن مسارها السلمي، أو”أن تتحول لعملية تضر بأمن ليبيا”، ودعا جميع الليبيين أن يكونوا يداً واحدة مهما تباينت آراؤهم السياسية.

إلا أن شوايل أكد على “حق كل مواطن في التعبير عن رأيه السياسي وطرح وجهة نظره والمطالبة بحقوقه بما لايضر بأمن واستقرار ليبيا”.

وأوضح شوايل أن هناك من يستغل مثل هذه المناسبات لـ “ضرب الاستقرار داخل الوطن”، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية أعدت خطة للتعامل مع المظاهرات المرتقبة، يتطلب تنفيذها “عدم وقوع أي تقاعس من قبل رجال الشرطة والأمن”.

ودعا الوزير المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني وشيوخ القبائل، إلى حث ومساعدة رجال الشرطة على الالتزام بهذه الخطة حتى لا تضطر الوزارة إلى اتخاذ ما وصفها “إجراءات قاسية” بحق من يتقاعس عن تنفيذها.

الإخوان المسلمون

جماعة الإخوان المسلمين الليبية عبرت عن تأييدها هي الأخرى لحق التظاهر السلمي، مؤكدة أنه “حق مشروع للمواطنين الليبيين، شريطة ألا تدعو هذه المظاهرات إلى العنف أو تحرض عليه، أو أن تستهدف تدمير أو تخريب الممتلكات العامة والخاصة، أو تصفية خصوم سياسيين”.

وأوضح مجلس شورى الجماعة فى بيان له أن “قيمة الأمن والسلام الاجتماعى قيمة عظيمة تجسدت خلال الثورة الليبية، وهى خط أحمر لا يُسمح بمساسه لأغراض سياسية أوشخصية”.

إلا أن البيان تضمن أيضاً إشارة لأن “محاولة الانقلاب على شرعية المؤتمر الوطني الذي تم انتخابه ديمقراطياً من  قبل الشعب الليبي، هي في الواقع انقلاب على إرادة الشعب الذي اختاره، رغم الاختلاف في تقييم أداء هذا المؤتمر”.

فرصة للتشويه

بينما حذر تحالف القوى الوطنية في بيان له من أن تكون “الذكرى الثانية للثورة فرصة لأعداء الثورة لتشويه سلمية التظاهر والاعتصام، والعمل على إحداث أعمال شغب أوفوضى تُخرج هذه المظاهرات عن أهدافها الحقيقية”.

وبرأي عضو المؤتمر الوطني محمد خليل الزروق فإنه لا خوف من مظاهرات لأن “أصحاب المطالب المشروعة لا يخشون من الإفصاح عن هوياتهم، أو الجهر بقوة مطالبهم، وحساسية شعبنا المرهفة للمخاطر المحدقة بالوطن -بعد الله- هي حصن الوطن المنيع”.

وكانت قبيلة البراغثة قد أصدرت بياناً حول الحراك المرتقب، دعت فيه المتظاهرين إلى “ضرورة اتباع الوسائل السلمية والحضارية، والابتعاد عن كافة أشكال العنف والتخريب والعبث بمؤسسات الدولة”، كما رفضت قبيلة المشاشية في بيان لها كل الأساليب الفوضوية واستخدام القوة وسفك دماء أبناء ليبيا لتحقيق مطالب أومآرب شخصية أو قبلية أو جهوية.

وطالب بيان القبيلة “بضرورة التعجيل بقيام الدولة وبناء مؤسساتها وتفعيل كامل للقضاء والعدالة مع ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الليبيين”.

وكذلك قبائل الزنتان أعلنت أيضاً – في بيان لها – أنها “ضد أي تغيير بالقوة، وتعارض أي عمل يضر بمصلحة البلاد، لأن التغيير لا يأتي إلا من خلال الشرعية التي جاءت بها ثورة 17 فبراير والمتمثلة في المؤتمر الوطني العام المنتخب”، إلا أن قبائل الزنتان لم يخفوا “استيائهم الشديد من الأداء الضعيف للمؤتمر، وإخفاقه فى إنجاز مهامه التي انتُخب من أجلها”.

وكانت منظمات ومؤسسات المجتمع المدني بالمنطقة الشرقية فى بنغازي قد اجتمعت بحضور حكماء المدينة ومشائخها وعدد من قادة الثوار، لتوحيد مطالب الشارع والعمل على تفويت الفرصة على المخربين والمتربصين لتشويه الحراك الذي يراد له أن يكون سلمياً.

ويبقى القلق والترقب هو الشعور الأقوى لدى المواطن الليبي البسيط الذي يخشى من تكرار سيناريوهات تؤثر سلباً على ظروف معيشته اليومية، وإن كان يتمسك بالأمل أن يحدث ما يدفع بالبلاد إلى الأمام خطوات على طريق بناء الدولة والاستقرار.