داخل حجرة صغيرة في قسم الأطفال بمركز طرابلس الطبي، يقضي طه ابن الثالثة، سنوات طفولته الأولى عليلاً مجهول النسب، بعد أن أنكرت والدته النيجيرية صلتها به فور وصولها المستشفى تحت حراسة رجال الأمن،  قادمةً من سجن “الجديّدة” بطرابلس.

الطفل طه الذي دخل قسم الأطفال مريضاً منذ قرابة ثلاث سنوات، أثبتت التحاليل الطبية أنه يحمل فيروس فقدان المناعة الطبيعية “الايدز”، الأمر الذي أجبر إدارة المستشفى، على إبقائه داخل القسم، ذلك أن دور رعاية الأيتام ممنوعة بحسب القانون من إيواء المصابين بأمراض معدية.

داخل حجرة صغيرة في قسم الأطفال بمركز طرابلس الطبي، يقضي طه ابن الثالثة، سنوات طفولته الأولى عليلاً مجهول النسب، بعد أن أنكرت والدته النيجيرية صلتها به فور وصولها المستشفى تحت حراسة رجال الأمن،  قادمةً من سجن “الجديّدة” بطرابلس.

الطفل طه الذي دخل قسم الأطفال مريضاً منذ قرابة ثلاث سنوات، أثبتت التحاليل الطبية أنه يحمل فيروس فقدان المناعة الطبيعية “الايدز”، الأمر الذي أجبر إدارة المستشفى، على إبقائه داخل القسم، ذلك أن دور رعاية الأيتام ممنوعة بحسب القانون من إيواء المصابين بأمراض معدية.

مريض ومنبوذ

حالة طه ليست هي الأولى بحسب رواية الأخصائية الاجتماعية مْنَاني محمد، مسؤولة قسم الأطفال بالمستشفى، والتي أكدت على وجود حالات أخرى مشابهة لأطفال مجهولين، يعيشون بأمراضهم داخل وخارج دور الرعاية، مشيرة إلى أن أحد العاملين بالمستشفى يتكفل برعاية أحدهم في منزله.

رفض قبول هؤلاء الأطفال في دور رعاية الأيتام وعدم وجود آباء يعترفون بهم، يمنع تقييدهم بسجلات الأحوال المدنية، بحسب مناني، وبالتالي يستحيل عليهم استصدار أية أوراق ثبوتية.

وتروي مناني لـ”مراسلون” قصة وصول طه إلى المستشفى فتقول “بمجرد وصوله مريضاً وإنكار أمه النيجيرية علاقتها به، وعجزنا الحصول على  أية معلومات منها لإصابتها بخلل عقلي، أو هكذا يبدو، اضطرت إدارة المستشفى لإيواءه داخل قسم الأطفال”.

ستة في الجلاء

“الإيواء المؤقت” الذي قد يطول  للأطفال مجهولي النسب، المصابين بفيروسات الايدز، والتهاب الكبد الوبائي من الفئة “c”، لايقتصرعلى مركز طرابلس الطبي دون غيره، فكما هو مقيّد بسجلات مستشفى الجلاء للأطفال بطرابلس، ثمة ستة أطفال مرضى يعيشون بين جدرانه، تواجههم عقبات التسجيل، وحق الإيواء داخل دور رعاية الطفل. 

صلاح الوافي الأخصائي المشرف بقسم الأطفال في مستشفى الجلاء للأطفال والولادة، يشير إلى أن هذه الحالات، يتكرر دخولها إلى المستشفى من وقت لآخر، لإجراء الفحوصات الطبية، قبل تسليمهم لدور رعاية الطفل. 

وحسبما هو متعارف عليه طبياً بحسب صلاح، فإن “بعض الأمراض، تحتاج إلى زمن طويل، يصل إلى ستة أشهر، حتى تظهر النتائج، ومن بينها تحاليل مرض الإيدز للأطفال حديثي الولادة”.

وفي خلال تلك الفترة، لا يمكن القيام بتسجيل الطفل، أو نقله إلى دار الرعاية، لعدم  استكمال إجراءات التأكد من خلوه من الأمراض، كما يوضِّح صلاح.

ويحدث أحياناً أن يتكفل أحد العاملين بالمستشفيات العامة برعاية أحد هؤلاء الأطفال في بيته، كما هو حال الطفلة “هبة” البالغة من العمر عشرة سنوات، والتي تعيش في بيت إحدى ممرضات مستشفى “الجلاء” في طرابلس، بحسب صلاح، ولكن دون أن تحصل على أوراق ثبوتية تمكِّنها من دخول المدرسة.

ويؤكد صلاح الوافي أن عدد الحالات المشابهة التي تصل إلى المستشفى تصل إلى حالتين أو ثلاث أسبوعياً، منهم من يثبت خلوه من الأمراض فتستلمه دور الرعاية، ومنهم من يكون مصاباً فيبقى في المستشفى إلى أن يتكفل أحد بتربيته، أو تتدخل إحدى مؤسسات حقوق الإنسان لحل مشكلته.

قسيس نيجيري

بعد ثلاث سنوات قضاها داخل مستشفى مركز طرابلس الطبي، يعيش طه اليوم، مرحلة مفصلية من سنوات عمره القصير. 

فبعد تدخُّل مؤسسة ليبيا حقوق الإنسان، ونجاحها في إثبات نسب طه لأب نيجيري، طالبت السلطات الليبية، سفارة نيجيريا في طرابلس بضرورة استلام الطفل وترحيله لبلده الأصلي .

وفي هذا الشأن يؤكد نبيل السوكني، المتحدث باسم مؤسسة ليبيا لحقوق الإنسان، على ضرورة عدم  تسليم طه للسفارة النيجيرية، ذلك أن الشخص الذي سيتولى رعاية الطفل هو “قسيس يعمل في سفارة نيجيريا بطرابلس، مع علمه المسبق بأن طه من أبوين مسلمين، وفي هذا الإطار تخشى مؤسسة ليبيا أن يتم إجبار الطفل على تغيير دينه” بحسب تعبيره.

منع اختلاط

ويشيرالسوكني في سياق حديثه لـ”مراسلون”، إلى أن حالة طه ليست الوحيدة، ويقول مستغرباً “في دور رعاية الأطفال، يعيش عدد من المصابين بفيروس الإيدز داخل مبنى خاص، وكتدبير وقائي، يتم منع اختلاطهم ببقية الأطفال”.

ويعتقد السوكني أن هكذا وضع مثالي لهذه الحالات، وأنه لا مبرر لرفض إيوائهم في دور الرعاية، ما يعني حمايتهم من الحياة داخل المستشفيات دون تسجيل ولا دراسة ولا أي حقوق.

وأكد أنهم كمؤسسة حقوقية، طالبوا بضرورة تدخل جهات الاختصاص، لتنظيم دورات تثقيفية للعاملين في دور الرعاية، توضح طرق وظروف انتقال المرض، والتوعية بأن  الاختلاط، الذي لا يتعدى الدارسة واللعب، لايمنع من اجتماع الأطفال الأصحاء والمرضى في دار رعاية واحدة.

قبول أو رفض؟

وحول شرعية إيواء الأطفال المرضى داخل دور الرعاية من عدمها، تؤكِّد ليلى نويجي مديرة دار رعاية الطفل بمنطقة أبي هريدة بطرابلس، أن قبولها استضافتهم يُعد “خرقا صارخاً لقانون الدار”.

مشيرة إلى أنها سبق وتعرّضت للمساءلة القانونية بسبب قبولها إيواء طفل مصاب حديث الولادة، تم إحضاره إلى الدار، صُحبة أفراد من رجال الأمن.

واشتكت ليلى من أنها دائما ما تجد نفسها أمام خياري الالتزام بقوانين ولوائح الإيواء التي تحظر عليها قبول هذه الفئة من الأطفال، أو الامتثال لأوامر الجهات الأمنية التي عادة ما ترسل الأطفال مجهولي النسب إلى دور رعاية الأيتام دون شهادات صحية، وتفرض ضرورة استلامهم.

وفي انتظار صدور قرار من وزارة الشؤون الاجتماعية يضع حلاً إنسانياً لهؤلاء الأطفال، ويمنحهم حق الإيواء داخل دور الرعاية وبالتالي التسجيل والدراسة، تقضي هبة سنوات طفولتها، التي تكاد تنتهي، وهي تحلم بدخول المدرسة. فيما يظل طه ينتظر خبر الحصول على عائلة مسلمة تتكفل برعايته، بعد ترحيله إلى نيجيريا، وفق الوعد الذي قدمته للسلطات الليبية سفارة بلاده في طرابلس.