عدل المجلس الوطني الانتقالي المادة 30 من الإعلان الدستوري، والمتعلقة باختصاص المؤتمر الوطني العام اختيار هيئة تأسيسية تضع دستوراً للبلاد بعد اعتماده من المؤتمر نفسه، وعرضه للاستفتاء العام على الشعب، وذلك قبل الانتخابات التي جرت في يوليو تموز 2012 مباشرة، تحت ضغط الحركة المطالبة بالفيدرالية التي ظهرت في شرق ليبيا.

ونص التعديل على أن يتم اختيار أعضاء الهيئة بالانتخاب المباشر من الشعب، وأن تتكون من ستين عضواً موزعين بالتساوي على أقاليم ليبيا الثلاث (طرابلس وفزان وبرقة).

عدل المجلس الوطني الانتقالي المادة 30 من الإعلان الدستوري، والمتعلقة باختصاص المؤتمر الوطني العام اختيار هيئة تأسيسية تضع دستوراً للبلاد بعد اعتماده من المؤتمر نفسه، وعرضه للاستفتاء العام على الشعب، وذلك قبل الانتخابات التي جرت في يوليو تموز 2012 مباشرة، تحت ضغط الحركة المطالبة بالفيدرالية التي ظهرت في شرق ليبيا.

ونص التعديل على أن يتم اختيار أعضاء الهيئة بالانتخاب المباشر من الشعب، وأن تتكون من ستين عضواً موزعين بالتساوي على أقاليم ليبيا الثلاث (طرابلس وفزان وبرقة).

قد تبدو الصورة مثالية وبراقة عند مطالعتها فقط من خلال نصوص الإعلان الدستوري أو التعديلات اللاحقة، دونما الأخذ في الاعتبار طبيعة التركيبة السياسية والمجتمعية الحالية في ليبيا، والظروف التي سيتم وضع الدستور فيها.

تعيين أم انتخاب

وأول التحديات التي تواجه المؤتمر الوطني العام في مرحلة الإعداد للدستور، هو ما يعتبره البعض توريط المجلس الانتقالي للمؤتمر الوطني في قضية انتخاب ستين عضواً للتوافق على دستور للبلاد.

وتظهر مشكلة الانتخاب أولاً؛ في كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية داخل الأقاليم الثلاثة، فمثلاً الشرق الليبي المطالب بالمساواة في لجنة وضع الدستور سيواجه نزاعاً حاداً بين مدينة بنغازي كبرى مدنه وباقي المدن الأخرى، والتي لن ترضى إلا بمساواة عدد أعضاء ممثليها مع عدد أعضاء ممثلي بنغازي.

وثانياً؛ في كيفية التوافق على معايير اختيار العشرين عضواً من كل إقليم، وهل سيقوم كل إقليم بوضع المعايير الخاصة به أم سيخضع لروزنامة عامة صادرة عن المؤتمر الوطني؟ خاصة وأن وضع معايير خاصة لانتخاب الستين لم تتضح معالمها في الأفق بعد.

بعض المراقبين اقترح أن تقوم كل كتلة تمثل الأقاليم الثلاثة داخل المؤتمر الوطني باختيار لجنة الستين، تجنباً لطريق الانتخاب الطويل والمعقد حسب وجهة نظرهم. إلا أن هذا الخيار يتطلب تعديلاً للإعلان الدستوري من قبل المؤتمر وهذا سيفتح الباب أم أسئلة أخرى ومخاطر كبرى. 

فهل سلطة المؤتمر الوطني العامة تأسيسية لها الحق في تعديل الإعلان الدستوري، أم أنها سلطة تشريعية عادية وُجدت أساساً بالإعلان الدستوري؟ لم تحسم الكتل السياسية الجدل بشأن هذا السؤال.

فمثلاً كتلة العدالة والبناء لا تميل إلى فكرة أحقية المؤتمر الوطني في تعديل الإعلان الدستوري تخوفاً من أن لا يتم الاتفاق على خارطة طريق جديدة. 

بينما يميل تحالف القوى الوطني إلى قدرة المؤتمر الوطني على تعديل الإعلان الدستوري باعتباره سلطة تأسيسية منتخبة من الشعب مباشرة.

في حين يرى قانونيون أن مسألة الانتخاب أو التعيين غير ذات أهمية، خاصة وأن الدستور سيُعرض على الشعب للاستفتاء عليه، فهذا الفريق يرى، إما أن تضع الدستور جمعية تأسيسية منتخبة لهذا الغرض وتقره مباشرة دون عرضه للاستفتاء، أو تضعه لجنة سواءً أكانت معينة أو منتخبة، ومن ثم يُعرض على الشعب لإقراره أو رفضه.

الشريعة الإسلامية

رغم إصدار المجلس الانتقالي السابق قانوناً يمنع الاستفتاء على مرجعية الشريعة الإسلامية تحت ضغط الجماعات الراديكالية والمعتدلة، إلا أن مسألة الشريعة تثير هي الأخرى عديد الأسئلة التي لم تجب عنها لا النخب ولا الكتل السياسية بشكل توافقي.

فمثلاً هل ستكون الشريعة المصدر الأساسي للتشريع كما يطالب المعتدلون، أم الوحيد كما يريد الراديكاليون؟ قد يبدو أن أغلب النقاشات الدائرة لفظية لا عملية، إلا أن ما سبق وأن أثاره محمود جبريل زعيم تحالف القوى الوطنية من الاقتصار على النصوص قطعية الدلالة فقط، يثير شكوكا لدى الكثيرين، كون النصوص الظنية الدلالة هي الأكثر في الشريعة الإسلامية، وكونها هي التي تعطي الشريعة زخمها وقدرتها على التعاطي مع قضايا معاصرة .

وبذا يعتقد الإسلاميون المعتدلون أن ثمة محاولة لإعاقة سلطان الشريعة على مجمل القوانين العامة في الدولة من قبل العلمانيين بليبيا.

بسيطة أم مركبة

رغم خفوت صوت الحركة الفيدرالية بشرق ليبيا بعد مظاهرات حاشدة وبيانات أصدرتها كبريات القبائل بالشرق الليبي لرفض النظام الفيدرالي كرد على التهميش المزعوم من قبل الغرب الليبي، إلا أن الصوت الفيدرالي يظل حاضرا على الخارطة الجديدة للدستور الليبي، خاصة بعد الحرب الأخيرة على بني وليد ومطالبة قبائل ورفلة بالانضمام إلى فيدرالية الشرق بإعادة ترسيم الحدود بين الولايات الثلاث.

لذا قد يكون من المفيد الدخول في صفقة سياسية مع زعماء الفيدرالية بضمان تمثيلهم بلجنة الستين لتجنب تحشيدهم لقطاعات واسعة قد تغير من رأيها وتتبنى الفيدرالية كنظام سياسي بعد فشل أغلب مدن الغرب الليبي في الوصول لحالة الهدوء الأمني. مما قد يعزز من احتمال نجاح هذه الفرضية.

برلماني أو رئاسي

من الصعوبات التي ستواجه الليبيين في وضع دستورهم القادم، الاتفاق على تبني نظام سياسي جديد للدولة، إذ تحذر بعض الكتل السياسية كالعدالة والبناء من خطورة النظام الرئاسي على المرحلة القادمة في عدم اتفاق الشعب على الرئيس القادم، وذلك باعتبار هشاشة الدولة وانتشار السلاح.

بينما يميل تحالف القوى الوطنية إلى تبني النظام الرئاسي، خاصة بعد فوز تحالف القوى الوطنية بأكبر عدد من مقاعد القوائم بالمؤتمر الوطني بسبب تصدر صور محمود جبريل في الدعاية الانتخابية للتحالف.

إلا أن رفض مدينة كمصراتة لمحمود جبريل بسبب انتماءه لقبيلة ورفله، وكذلك رفض الإسلاميين المعتدلين والمتشددين لجبريل بسبب علمانيته، قد يرفع من معدلات الانفلات الأمني.

بينما يقول آخرون أنه قد يتم تلميع شخصية أخرى كولي عهد ليبيا السابق وتصديره للمشهد السياسي مما قد يقلب موازين المعادلة على رأس محمود جبريل.

الحقوق والحريات العامة

لن تمر مسألة حقوق الاقليات العرقية واللغوية والمرأة هكذا بدون جدل كبير وواسع بين ممثلي هذه الأقليات وباقي الليبيين، فالأمازيغ يطالبون بالنص على لغتهم ضمن الدستور واعتبارها لغة رسمية بجوار اللغة العربية.

بينما لا توافق النخب و الشارع على ذلك، بل على اعتبار الأمازيغية لغة ثقافية من حق الأمازيغ التحدث بها وإنشاء المنابر الإعلامية الخاصة بها أو تعلمها في مدارس خاصة بعيداً عن مؤسسات الدولة.

أيضا قد يثور جدل بين الإسلاميين والعلمانيين من جهة وداخل التيار الإسلامي نفسه حول حقوق المرأة ومنها توليها للمناصب العامة كمنصب رئيس الدولة أو توليها للقضاء.

فبينما يرى الإخوان المسلمون أن لا غضاضة شرعاً بأن تتولى المرأة المناصب العامة والقضاء، يرى السلفيون والجهاديون بعدم جواز ذلك في الإسلام، وإن كان الجهاديون غير ممثلين بالمؤتمر الوطني ولا يعترفون بشرعيته، إلا أن السلفيين لهم حضور داخل المؤتمر الوطني، وهذا ما قد يفتح الباب واسعا أم صراع جديد، إسلامي، إسلامي.

المصالحة الوطنية 

ليبيا بحاجة إلى التصالح مع نفسها قبل أن تفكر في وضع دستور ينظم شؤون الدولة والحريات العامة، والمصالحة لا تأتي إلا مع خصم رأى في ثورة السابع عشر من فبراير عدوا له، إما بسبب الدعاية السوداء التي مارسها النظام السابق، أو بسبب مصالح مادية.

وهذه المصالحة لا تقوم أساسا على العقوبة بل بالعفو عن كثيرين ممن لم تتلوث أيديهم خاصة بدماء الليبيين، وهذا بدوره يحتاج إلى إعادة هيكلة القضاء وبث روح التسامح بين الليبيين وتوجيه الخصومات إلى الدولة باعتبار نظام القذافي كان ممثلا للدولة الليبية، وأن لا نسمح للأفراد بتوجيه الخصومات لبعضهم البعض.

توصيات

  • الاستعانة بالخبرة الإنسانية وبتجارب الدول في الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، وذلك كنتيجة أساسية للنقص المركب لدينا ثقافيا وأكاديميا على وضع دستور ينظم شؤون الدولة وطبيعة نظامها والحريات العامة، وعلينا أن نطلب ذلك من الدول والمنظمات الدولية المتخصصة، حتى لا يُقال بأن ثمة تدخلا خارجيا في شؤون ليبيا الداخلية.
  • الارتقاء بخطاب النخبة السياسي والذي يُعد الأسوأ والأضعف من بين الخطابات الثورية العربية، والتي يجب أن تجري فيما بينها حواراً معمقاً للخروج بتوافق يحلحل الأزمات ولا يزيد من تعقيدها، والبعد قدر الإمكان عن مواطن الخلاف السياسي لعد جاهزية الأرضية المناسبة لإدارة هذه الخلافات داخل أروقة المؤتمر أو خارجه، فالعالم ينظر إليها وكذا الشارع.
  • الإسراع ببناء مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية الدستورية، باعتبار أن مجرد وضع دستور بدون وجود مؤسسات تطبقه وتحميه، سيجعل من هذا الدستور مجرد نصوص لا قيمة لها.
  • تدشين وعي وثقافة جديدة عبر وسائل التغذية الروحية والفكرية، يتبناها الشعب كطريق جديد للديمقراطية وإدارة الصراعات والنزاعات بطرق وأساليب سليمة، تضمن حماية الدستور عن طريق الشعب نفسه، فدساتير العالم المتقدم لا تمنع الانقلابات العسكرية، لكن هذه الدساتير محمية بوعي شعبي مقدس لا يمكن المساس به.