لم يغب السؤال الاقتصادي عن عقل المواطن المصري منذا ثورة يناير التي طالبت بالعيش والعدالة الاجتماعية، لكن التحول الكبير نحو الديمقراطية كانت كلفته هزات عنيفة وضعت البلاد على مشارف الإفلاس، أو أقله المديونية.

الإعلانات الدستورية التي أصدرها الرئيس محمد مرسي خلال ديسمبر الماضي جائت لتسخّن المشهد السياسي والاقتصادي في آن واحد، وأعقبها نزيف خسائر مستمر لاحتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، ما جعل البعض يقول إن مصر أصبحت على حافة أزمة اقتصادية لم تشهدها منذ عقود.

لم يغب السؤال الاقتصادي عن عقل المواطن المصري منذا ثورة يناير التي طالبت بالعيش والعدالة الاجتماعية، لكن التحول الكبير نحو الديمقراطية كانت كلفته هزات عنيفة وضعت البلاد على مشارف الإفلاس، أو أقله المديونية.

الإعلانات الدستورية التي أصدرها الرئيس محمد مرسي خلال ديسمبر الماضي جائت لتسخّن المشهد السياسي والاقتصادي في آن واحد، وأعقبها نزيف خسائر مستمر لاحتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، ما جعل البعض يقول إن مصر أصبحت على حافة أزمة اقتصادية لم تشهدها منذ عقود.

ثم ظهر مشروع “الصكوك الإسلامية” المقدم من وزارة المالية وحزبي الحرية والعدالة والنور السلفي باعتباره طوق نجاة للاقتصاد المصري إلى جانب قرض صندوق النقد الدولي. في الوقت الذي حذر عدد كبير من خبراء الاقتصاد من خطورة هذا المشروع علي الامن القومي والاقتصادي المصري. وبين مؤيد ومعارض يبقى المواطن المصري هو الخاسر الأول من فاتورة الانهيار.

الاقتصاد متعثر لكن شبح الافلاس بعيد

الدكتور سمير رضوان وزير المالية الاسبق قال إن الحديث عن إفلاس مصر كلام غير صحيح اطلاقاً فمصر على مدار تاريخها لم تتعرض للافلاس سوى مرة واحدة في عهد الخديوي اسماعيل في القرن التاسع عشر. وأوضح رضوان أن “المقصود بالافلاس هو عدم قدرة الدولة علي سداد ديونها الخارجية، وبالفعل احتياطي البنك المركزي متراجع إلي 15 مليار دولار، ولكن لدى مصر القدرة علي سداد فاتورة الدين من خلال قسطتين فى العام أحدهما فى شهر يناير، والثانى فى يونيو، ومصر لم تتأخر عن خدمة الدين من قبل، ولكن الخطر الحقيقي يكمن في استمرار نزيف خسائر احتياطي النقد لدي البنك المركزي”، حسب ما قال.

واتفق الدكتور شريف دلاور استاذ الاقتصاد بجامعة السادات مع كلام وزير المالية الاسبق، حول استبعاد تعرض مصر للافلاس قائلاً “هذة معلومات مغلوطة وكاذبة وغير علمية علي الإطلاق لأن الافلاس يعني عدم قدرة الدولة عن سداد ديونها الخارجية، وهذا مستبعد للغاية في مصر، لأن ديوننا الخارجية طويلة الأمد ومقسمة على أقساط طويلة الأمد، لذلك فالرئيس مرسي أوضح هذة النقطة خلال خطابة أمام مجلس الشوري  لينفي هذة الشاعات ويطمأن رجل الشارع العادي.

أما بالنسبة لما أثير حول عدم قدرة الدولة علي دفع المرتبات والأجور فاستبعد دلاور صحة هذه الأخبار، قائلا “إذا افترضنا أن الدولة غير قادرة على ذلك فستقوم بطبع ورق بنكنوت جديد لمعالجة هذة الازمة أما أن يأتي الإفلاس بسبب عجز الدولة عن تدبير الاجور فهذا كلام غير منطقي”.

ثورة جياع؟

أما الدكتور هشام ابراهيم استاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة القاهرة يري أن الاقتصادي المصري يواجه حالة تعثر وليس افلاس وخاصة مع خفض التصنيف الائتماني لمصر الذي جعل الاقتصاد المصري في منطقة بها مخاطر عدة، والخطوة التالية هي الاقتراب من حافة الافلاس ولكن ذلك لن يحدث خاصة في ضوء مساعدات المنطقة للدول عالية المخاطر، ولكن وضعنا الحالي ينتج عنة ارتفاع تكلفة الاقتصاد بمعنى أن الاقتراض من الخارج ستكون تكلفته عالية، إلى جانب التأمين علي السلع والخدمات سيزيد للمخاطر التي تمر بها مصر حالياً.

في حين اختلف الدكتور حمدي الجمل رئيس تحرير الاهرام الاقتصادي والخبير الاقتصادي مع الآراء السابقة قائلاً “الوضع في مصر تحول من فكرة الافلاس إلى الغوص في بحر الافلاس منذ فترة طويلة وبدأنا الدخول في إرهاصات ثورة جياع، وأصبحنا نري حالات اقتحام محلات تجارية ومكاتب بريد و فروع محال تجارية رئيسية للاستحواذ علي اموال تلك الشركات، وتلك هي الخطوة الاولي لثورة الجياع.”

وأضاف الدكتور الجمل أننا إذا نظرنا إلى الدين المحلي الإجمالي سنجد أنه ارتفع من 900 مليار جنيه إلي 1.3 تريلون جنيه، حيث فشلت حكومة الاخوان المسلمين في إدارة الملف الاقتصادي لعدم وضوح رؤية شاملة لمعالجة الازمة الحالية، مما أدى إلي تفاقم الأزمة الاقتصادية، إلى جانب ارتفاع العجز الرهيب في الموازنة العامة إلى 202 مليار جنيه وفق اخر تقديرات وهو مرشح ايضاً للزيادة، في ظل تراجع السياحة وتوقف عدد كبير من المصانع عن العمل و خفض التصنيف الائتماني لمصر إلي (B-) والذي من شأنة رفع تكلفة الاقتراض بشكل كبير، حسب ما قال الدكتور الجمل.

الصكوك الاسلامية تشبه صكوك محي الدين  

وكحل عاجل للأزمة الاقتصادية المستعصية، أقر مجلس الوزراء مشروع الصكوك الذي كان يعرف باسم الصكوك الإسلامية، وهي سندات غير محددة الفائدة تهدف إلى جذب البنوك الإسلامية لضخ أموال في شرايين الاقتصاد المصري. وحول هذا المشروع قال الدكتور هشام ابراهيم إن هذا المشروع لن يختلف عن مشروع صكوك محمود محي الدين وزير الاستثمار في عهد مبارك، مضيفا “الاخوان لهم تصريحات كثيرة حول جدوى هذا المشروع وما سوف يجلبة لمصر من مليارات ولكنها تصريحات غير دقيقية ومنطقية، فاٌلية الصكوك ممكن الاستفادة منها في حال وجود اقتصاد منتعش فقط، أما ان اقوم بخلق اُلية جديدة دون وجود منتج فهذا كلام غير علمي، فأنا اري أن الأزمة الراهنة لن ييسرها او يحلها مشروع الصكوك الأسلامية”.

مشروع الصكوك الاسلامية لم يحظ بقبول من الدكتور حمدي الجمل أيضا، والذي أكد على تشابه الصكوك الإسلامية مع مشروع الصكوك الشعبية الذي طرحه  محمود محي الدين- وزير الاستثمار الاسبق-  ولكن بصبغة إسلامية. موضحاً أن الصكوك الإسلامية  أكثر خطورة وتفتح الباب لرهن وبيع ممتلكات مصر، فحكومة نظيف كانت أكثر رحمة ورأفة من حكومة الاخوان التي تمتاز بالفشل الذريع في إدارة الملف الاقتصادي، حسب قوله. مضيفا ” أنا اعتقد أن هذا المشروع لن يمر مرور الكرام وسيرفضة الشعب كما رفض مشروع الصكوك الشعبية.”

أما الدكتور سمير رضوان فيرى خطورة المشروع في آٌلية إصدار الصكوك مقابل حق على أصل عيني مثل قناة السويس أو هية السكك الحديدية، أو أي مرفق حيوي اخر. فالصكوك سيتم إصدرها مقابل هذه الاصول وإذا لم تتمكن الدولة بالوفاء بمستحقات أصحاب الصكوك يكون بإمكانهم الحجز على الأصول التي تم بمقتضاها الصكوك، متسائلاً “ماذا سوف يحدث إذا اصدرنا صكوك بضمان قناة السويس وقام مستثمرون اسرائيليون بشراء هذة الصكوك؟ من الممكن إصدار صكوك على شركات معينية دون المساس أو الاقتراب بالمشروعات السيادية والحيوية للدولة، فهي خطوط حمراء لذلك فأنا أرفض مشروع الصكوك الاسلامية”.

“قرض الصندوق سيحل جزءا بسيطا من الأزمة”

موضوع آخر يثير الكثير من اللغط في المشهد الاقتصادي المصري، وهو المفاوضات الجارية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض تصل قيمته إلى 4،3 مليار دولار. الدكتور شريف دلاور يرى أن مصر لن تحصل علي القرض إلا بعد انتخاب مجلس النواب الجديد، وسيستمر الصندوق في مفاوضات مع الحكومة المصرية حتي انتخاب المجلس، وذلك لضرورة موافقة الشعب والمعارضة ايضاً علي برنامج الصندوق. موضحاً أن القرض سيحل جزءا من الأزمة الاقتصادية الحالية، كما أنه سيفتح الباب أمام المساعدات الاقتصادية الدولية التي تقدر بحوالي 14.5 مليار دولار من مؤسسات دولية مثل بنك الاستثمار الأوروبي و البنك الدولي وغيره من المؤسسات.

واتفق معه الدكتور سمير رضوان في أن حصول مصر علي القرض سيتم بعد انتخاب مجلس النوب وتقديم رأيه حول هذا القرض، لأن الصندوق له شرطان أساسيان هما أن يتم تنفيذ البرنامج الذي تم الاتفاق علية لتخفيض عجز الموازنة وميزان المدفوعات، وأن يلقى هذا البرنامج قبولاً مجتمعياً، ولكن هذا  البرنامج سيؤثر على طبقات محدودة الدخل لذلك سيدخل النظام في الخطوات النهائية للقرض عقب اتخبار مجلس النواب حتى لا يخسر شعبيته، وفقا لما قاله الدكتور رضوان.

الدكتور هشام ابراهيم يري أن فائدة القرض تتمثل في اعتباره شهداة جدارة وثقة في الاقتصاد المصري، وإشارة إلى قيام مؤسسات دولية وعالمية بإعادة تقييمها وثقتها مرة أخرى في الاقتصاد المصري، مما يقلل تكلفة الاقتراض والمخاطر المحيطة بالاقتصاد المصري، ولكن القرض سيحل جزءا فقط من الأزمة، حسب ما قال.

في المحصلة رأى الدكتور حمدي الجمل أن أزمة الاقتصاد المصري ليست أزمة مالية إنما أزمة انتاجية مع سوء ادارة للملف، قائلاً “أعتقد أن الصندوق لن يوافق علي منح القرض وفقاً لآخر تصريح له حول ضرورة توافق شعبي  وحزبي حول القرض، ويأتي ذلك في وقت تزداد فيه مخاوف الشعب من اتجاه الحكومة نحو فرض حزمة ضرائب جديدة ورفع الدعم”.