رئيس “تحالف القوى الوطنية”، صاحب أكبر عدد مقاعد في المؤتمر الوطني العام الليبي، محمود جبريل، يروي لـ “مراسلون” في حوار خاص مراحل وأسس تشكل التحالف الذي يضم قوى ليبرالية، ويتحدث عن رأيه في محاكمة المستشار مصطفى عبد الجليل، وعلاقته بالراحل عبد الفتاح يونس وقضية اغتياله.

يؤخذ على التحالف أن معالم تكوينه غير واضحة وأنه مبني على شخص. تقولون إنه تجمع لقوى وأحزاب وطنية ولكن لا نسمع بحزب معروف من تلك القوى، ولا نرى شخصاً غير شخص الدكتور محمود جبريل، لماذا؟

رئيس “تحالف القوى الوطنية”، صاحب أكبر عدد مقاعد في المؤتمر الوطني العام الليبي، محمود جبريل، يروي لـ “مراسلون” في حوار خاص مراحل وأسس تشكل التحالف الذي يضم قوى ليبرالية، ويتحدث عن رأيه في محاكمة المستشار مصطفى عبد الجليل، وعلاقته بالراحل عبد الفتاح يونس وقضية اغتياله.

يؤخذ على التحالف أن معالم تكوينه غير واضحة وأنه مبني على شخص. تقولون إنه تجمع لقوى وأحزاب وطنية ولكن لا نسمع بحزب معروف من تلك القوى، ولا نرى شخصاً غير شخص الدكتور محمود جبريل، لماذا؟

التحالف فكرة جديدة في المنطقة العربية، والقصد منها أن تكون رؤية مختلفة لوضع ثورات الربيع العربي مابعد انتهاء مرحلة النضال المسلح. قراءتنا هي أن ليبيا بعد انتهاء حكم معمر القذافي كانت مجتمعاً بدون دولة، لأن القذافي كان يختصر كل شيء في ذاته، وهمش الجيش منذ فترة طويلة، وكان يعادي فكرة المؤسسة بطبيعته، فلم تكن هناك مؤسسات في الدولة.

هذا المجتمع كان في أمس الحاجة إلى الوحدة الوطنية، التي كانت هدفاً أولاً للتحالف، أهدافنا كانت الوحدة الوطنية وحماية التراب الوطني التي تعني السيادة الوطنية، ثم عندما نصل إلى مرحلة وضع الدستور الذي يساوي حقوق المواطنة بين الليبيين جميعاً يمكن بدء المنافسة السياسية. 

هذا الطرح لاقى قبولاً في مختلف المدن الليبية، أي اهتمامنا بوحدة الوطن وإعادة بناء الدولة وبدء برنامج تنموي حقيقي، وأنه لا إقصاء بعد اليوم ويكفي الليبيين ما عانوه في السابق، فتجمع الناس حول هذه الفكرة.

كثير من الأحزاب التي انضمت للتحالف انضمت إما إيماناً بهذا الطرح، أو اعتقاداً منها بأن صغر حجمها لايسمح لها بأن تنافس أحزاباً كحزب العدالة والبناء أو حزب الجبهة الوطنية التي لها تاريخ طويل تنظيمياً.

منهم من ساهم حتى في صياغة ميثاق التحالف، وبعض آخر لم يساهم في صياغة هذا الميثاق وانضم اعتقاداً منه أن التحالف سيكون الجسر الذي يوصله إلى الحكومة وإلى المؤتمر الوطني، وعندما لم يُقبل مرشحوه في انتخابات 7 يوليو انشق عن التحالف، وعندما فاز التحالف في انتخابات 7 يوليو عاد مرة أخرى إلى التحالف، وكتب رسائل اعتذار عن الانشقاق اعتقاداً منه بأنْ سيكون له نصيبٌ في الحكومة. 

للأسف فكرة الممارسة السياسية الناضجة بعيدة كل البعد عن المشهد، أدعي أن التحالف – وهذا بشهادة أغلب المواطنين الذين صوتوا له -، هو الكيان السياسي الوحيد الذي طرح برنامجاً متكاملاً يتكلم عن التعليم والصحة والشباب والإسكان والبطالة، ويتكلم عن الاقتصاد كيف يُفعل مرة أخرى، ويتكلم عن الجيش كيف يُبنى، ويتكلم عن الشرطة كيف تعود، وقدم رؤية متكاملة لكيفية إتمام المصالحة الوطنية.

الكيانات الأخرى لم تطرح برامج، كيانات سياسية كثيرة – دون أن أسمي أسماء -، شغلت نفسها بمهاجمة التحالف أوشخص محمود جبريل، هذا يسمى “الحملة الانتخابية السلبية”، عندما لا يكون عندك ما تقدمه تشغل نفسك بمهاجمة الخصم شخصياً.

أنا أعتقد أن التحالف كان فكرة، وقدم برنامجاً، وكان أكثر التنظيمات مرونة، لم يكن تنظيما بالمعنى السياسي الجامد، ونحن الآن في مرحلة بناء جذري على مستوى القواعد. 

س- قلت أن ثمة أحزاب صغيرة انضمت للتحالف لأنه لم يكن لها القدرة على إحراز مكاسب سياسية.. هل كان هذا كافياً في رأيك لقبول وجودهم معكم؟ خاصة أنهم انشقوا ثم قدموا اعتذاراً ثم قبلوا ثانية؟

ج- لا لم يقبلوا مرة أخرى.

س- وما كان مبرر قبولهم في البداية .. هل لمجرد زيادة الرقعة التي يحتلها التحالف في الشارع الليبي؟

ج- نحن قبلناهم لأننا ظننا أنهم مقتنعون فعلاً بميثاق التحالف، وعندما يوقع أحد على الميثاق فليس لدي سبب للتشكيك في نواياه. لكن بدأت القصة تظهر وتتضح عندما لم يُقبل مرشحو هذه الكيانات لانتخابات 7 يوليو فقرروا الانسحاب.

بعضهم يقول اليوم إن التحالف يُدار بطريقة مركزية، وبعضهم يقول إن التحالف تسيطر عليه مجموعة من الأفراد فقط، وبعضهم يقول إن التحالف يسيطر عليه رجال الأعمال الليبيين وأنه تحالف للمال والسياسة، والبعض يقولون أن محمود جبريل سلطوي ومركزي في قراراته ..

بدأت تظهر كل هذه الأسانيد والأعذار كمبررات للانشقاق، لكن لم يقل أحد منهم إنه ترك التحالف لأن أحداً من مرشحيه الذين قدمهم للتحالف لم يُقبل.

س- أود معرفة تعليقكم على استدعاء المستشار مصطفى عبد الجليل للمحاكمة في قضية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس.

ج- المستشار مصطفى عبد الجليل رمز وطني، هو شخص وحد الليبيين بشخصيته في فترة كنا أشد ما نكون فيها حاجة إلى الوحدة، وكان أول شخص اتصلت به في يوم السابع عشر من فبراير. 

عرفت مصطفى عبد الجليل قبل ثورة السابع عشر من فبراير رجلاً صاحب كلمة وصاحب موقف، عرفته رجلاً نظيفاً، ولكن الصحيح أن لا أحد فوق القانون، وإظهار الحقيقة أمر لابد منه، واغتيال عبد الفتاح يونس هو جريمة بكل المقاييس، كادت أن تحدث انتكاسة حقيقية في بداية الثورة.

عبد الفتاح يونس قد يكون اغتيل لأنه تجرأ وخطا خطوات حقيقية في اتجاه بناء جيش وطني، وهذا شيء أنا أؤمن به تماماً، لأن هناك أطرافاً ليس من صالحها أن يُبنى جيش وطني .

س- هل هناك دلائل على هذا؟ 

ج- طبعاً.. هو خرَّج أول دفعة و فتح المعسكرات. 

س- أقصد هل هناك دلائل على وجود مؤامرة وراء اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس؟ 

ج- هذه قراءة .. القراءة تقول أن هناك أناساً يقفون ضد بناء جيش وطني يحمي السيادة الوطنية، والسيادة الوطنية تعني أن لا يكون هناك اختراق أجنبي للأرض الليبية، وهناك أناس يريدون تحقيق أهدافهم ومصالحهم .

ولكن ينبغي أننا عندما نستدعي أو نستجوب أحداً، أن يتم ذلك في إطار قانوني نزيه عادل يحفظ للإنسان كرامته وآدميته، دون إهانة لأي شخص، لأننا حين نهين شخصاً فإننا نسيء إلى ثورة 17 فبراير التي ثار من أجلها عبد الفتاح يونس نفسه.

أعتقد أن عبد الفتاح يونس رحمه الله لو كان حياً، ما كان ليرضى أن يهان أي شخص بالطريقة التي يهان بها مصطفى عبد الجليل.

س- هل استُدعيت للاستجواب بحكم مسؤوليتك عن المكتب التنفيذي وقت الاغتيال؟

ج- أنا تحدثت مع المستشار مصطفى عبد الجليل بعد أن حققوا معه، وذكر لي أنهم سألوه عني، وقال لهم إنه تم الاتفاق مع المكتب التنفيذي والمجلس الوطني الانتقالي على أن يتولى علي العيساوي مهام رئيس الوزراء، وأن لا نذكر ذلك أمام الرأي العام حتى لا يُشاع وجود انشقاق داخل قيادة الثورة الليبية، خصوصاً أن محمود جبريل أصبح وجهاً معروفاً في المحافل الدولية، ولو قالوا أن رئيس الوزراء أصبح علي العيساوي فهذا يعني أن هناك ارتداداً عن الكلام الذي كان يقوله محمود جبريل وزملاؤه في كل عواصم العالم .

كانت هناك جلسة حضرها مصطفى عبد الجليل وأنا وعلي العيساوي وعبد الرحمن شلقم، وكذلك محمود شمام على ما أذكر، وتم الاتفاق على أن يتولى علي العيساوي رئاسة المكتب التنفيذي، باسم نائب رئيس المكتب التنفيذي، ولكن بصلاحيات رئيس المكتب كاملة، وأُعدت رسالة فعلاً بهذه الصيغة .. 

المستشار مصطفى عبد الجليل أخبرهم بأن الذي كان يتولى مسؤولية المكتب التنفيذي هو علي العيساوي، وأن الذي كان متفرغاً للعمل الخارجي بالكامل هو محمود جبريل .. 

الذي حز في نفسي هو أني قبل يومين من اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس كنت في بنغازي مع المستشار مصطفى عبد الجليل وعلي العيساوي، وعُقد المكتب التنفيذي برئاستي في بنغازي في اليوم السابق مباشرة للاغتيال ..

س- وهل التقيت يومها باللواء؟ 

ج- لم ألتقِ به رغم أنه كان رحمه الله يبعث لي في كل زيارة سيارة مصفحة وكان محمد ابن أخوه هو من يأتي للمطار، وكان الرجل للأمانة كأخ لي، وكان يعرف الأخطار الأمنية التي كان يشكلها عملاء معمر القذافي، الذين كانوا في حالة اصطياد مستمر لي ولآخرين في عواصم أوروبية أو في بنغازي.

س- كيف تلقيتم خبر اغتياله؟

ج- أنا جئت إلى بنغازي لهدف واحد، هو معرفة مصير السلاح الذي أُرسل إلى ليبيا في ذلك الوقت، والذي كان من المفروض أن ندخل به إلى طرابلس، ولكنه اختفى..

كلمني أحمد المجبري وأبلغني بهذا الخبر فغادرت قطر إلى بنغازي، وكنا في حالة شد وجدال .. كيف يختفي هذا السلاح؟ هذا سيؤخر موعد انتفاضة طرابلس .. 

لم يذكر لي علي العيساوي أنهم ينوون استدعاء عبد الفتاح يونس ولا أدري لماذا، هل لأنهم علموا أني سأعارض هذا الأمر؟ الله أعلم .. 

سافرت إلى السودان وكان معي أحمد المجبري (قائد ميداني استشهد في معركة تحرير سرت) وفوزي عبد العال – الذي كان وزيراً للداخلية (في حكومة الكيب بعد التحرير) -، وكنا نُجري محادثات للحصول على السلاح.. كانت الذخائر قد انتهت في بنغازي، وكان فوزي عبد العال يحاول توفير ذخائر لمصراتة بأسرع وقت ممكن، لأن مصراتة لو سقطت فإنها بالنسبة لنا انتكاسة للثورة، وكنا حريصين على استمرار صمود مصراتة بأية طريقة.

جاءنا الخبر ونحن في الخرطوم، فرجعت إلى بنغازي.. وجرى حوار شديد اللهجة، تبادلنا فيه أنا والمجلس الانتقالي ألفاظاً قاسية، وكان معي محمود شمام (مسؤول الإعلام في المكتب التنفيذي) في ذلك الحوار .. أتمنى أن يُنشر محضر هذه الجلسة لليبيين لأن فيه توثيق لتلك الفترة. 

على أية حال، مصطفى عبد الجليل أبلغهم أثناء التحقيق أن محمود جبريل لم يكن موجوداً وكان مسؤولاً عن العمل الخارجي .

(يتبع في الأسبوع المقبل)