التدرّب على آلة العود عشية كل يوم واجب لا يتخلى عنه مؤسس مجموعة البحث الموسيقي نبراس شمام (57 سنة)، رغم أن تجاعيد وجهه تروي حكاية مغامرة موسيقية ناهز عمرها عقود ثلاثة. 

موهبته في الغناء التي اكتشفها مدرس الموسيقى الصادق العمري نجح في صقلها في عالم الفن الصوفي في فرقة شعبية فور بلوغه سن السابعة عشر، إلى أن أخذته التنظيمات اليسارية في طريق جديد، فقرر التخلي عن الفن “الخالي من الوعي” والمضيّ في مساندة “الكادحين”.

التدرّب على آلة العود عشية كل يوم واجب لا يتخلى عنه مؤسس مجموعة البحث الموسيقي نبراس شمام (57 سنة)، رغم أن تجاعيد وجهه تروي حكاية مغامرة موسيقية ناهز عمرها عقود ثلاثة. 

موهبته في الغناء التي اكتشفها مدرس الموسيقى الصادق العمري نجح في صقلها في عالم الفن الصوفي في فرقة شعبية فور بلوغه سن السابعة عشر، إلى أن أخذته التنظيمات اليسارية في طريق جديد، فقرر التخلي عن الفن “الخالي من الوعي” والمضيّ في مساندة “الكادحين”.

يتذكر شمام أن حصوله على الشريط المهرب من مصر للفنان الشيخ إمام كان نقطة تحول في حياته، وكان الشرارة التي اطلقت فكرة تأسيس فرقة ملتزمة مع رفيق دربه خالد الحمروني، تكون مقولتها الأساسية محاربة الاستبداد السياسي في البلاد.  

انطلقت عروض “مجموعة البحث الموسيقي” التجريبية نهاية السبعينيات داخل أسوار كلية الاقتصاد في صفاقس (شرق). ولم ترق كلمات الأغاني لنظام الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ما جعل عناصرها عرضة للاعتقال والتعذيب والطرد التعسفي من الدراسة. 

بيد أن شمام يصف الحصار الذي ضربه جهاز البوليس السياسي على الفرقة بـ “النقطة الايجابية”، فقد أكد له تلك المخاوف التي تنتاب السلطات من الفن الملتزم، وشجعه على توسيع الفريق وضم عناصر جديدة خصوصا من النساء.

وإلى العام 1988 اقتصرت عروض “مجموعة البحث الموسيقي” على تظاهرات التنظيمات النقابية والحقوقية والعمالية، إلى أن تمكن الفريق من تهريب شريط مسجلّ يحتوي على أغنيته الشهيرة “هيلا هيلا يا مطر” إلى فرنسا، للمشاركة في المسابقة التي تنظمها إذاعة فرنسا الدولية سنويا تحت شعار “اكتشافات”. 

لم يتوقع شمام ورفاقه حصول الأغنية على الجائزة الأولى التي تسلمها في الكاميرون، وهو ما شكل إحراجا كبيرا للنظام، وأجبره آنذاك على الاعتراف بالفرقة، كما ساعدها على الظهور الإعلامي وطنيا ودوليا ومصافحة 12 ألف متفرج في مهرجان قرطاج الدولي.

لكن تراجع الرئيس السابق بن علي عن وعوده على مستوى الحريات بداية التسعينات، وتعمّده قمع التيارين الإسلامي واليساري في آن واحد، تسبب في توقف المجموعة عن النشاط الموسيقي لغاية سنة 2004. وتطلب الأمر عاما إضافيا من الانتظار كي تظهر المجموعة مجددا إلى العلن، مستفيدة من حالة الانفراج السياسي النسبي الذي شهدته البلاد قبيل عقد القمة المعلوماتية (نوفمبر 2005).

“سنوات الفراق بين عناصر الفرقة وتشتتهم بين السجون وزنازن التعذيب، أظهرت تعارضا عميقا على مستوى الأفكار فيما بيننا”، يقول شمام، وهو ما تسبب في انسحاب الفنانة آمال الحمروني وعدد آخر من المؤسسين الذين اختاروا إنشاء فرقة موسيقية جديدة، “تعتمد على الالتزام الفني بعيدا عن الصراع السياسي داخل تونس”. أما بالنسبة له، فتطلبت العودة إلى “نقطة الصفر” تعزيز المجموعة بابنته عبير، 17 سنة، والشاعر الناصر الرديسي، وعدد من العازفين. 

وكجزء من تحدّي الحصار المفروض من البوليس السياسي وفرض التعتيم الإعلامي على أنشطتها قدّم الفرقة عشرات العروض تحت رقابة أمنية مشددة، “تبرعنا بأغلب مداخيل العروض إلى فائدة عائلات الطلبة والنقابيين الموقفين على ذمة قضايا سياسية”، يضيف شمام. 

سقوط نظام بن علي ليلة 14 من كانون الثاني/جانفي 2011، أخرج “مجموعة البحث الموسيقي” من عزلتها المفروضة مجددا، ومكنّها من تسجيل رقم غير مسبوق في تونس، من خلال تنشيط 250 عرض موسيقي في مختلف أنحاء البلاد قبل نهاية النصف الأول من السنة الماضية. لكن مشاركتها في تظاهرات الأحزاب اليسارية، عرّضها أكثر من مرة للاستهداف على يد المتشددين دينيا، ما اعتبره شمام “عودة للديكتاتورية بلبوس دينيّ”. 

اختلاف مؤسس الفرقة شمام مع حركة النهضة، موقف مبدئي مبني على “محاربتها للتقدمية والحداثة” على حد وصفه، أما مع السلفيين فالمعركة أكثر جذرية، إذ وصلت إلى حد تكفير الفرقة، وهنا يقول إن “السلفيين لا يؤمنون بالثقافة، وعداءهم للفن الملتزم أكثر خطورة من استبداد الأنظمة السياسية”. ويتابع شمام أن صراع فرقته مع الأحزاب الإسلامية حول مسألة الحريات لن يتوقف “حتى في حال التقاء الإسلاميين – ضمن تحالفات سياسية- مع الأحزاب اليسارية التي نساندها”.

ويرفض وصف ما عاشته تونس مطلع العام 2011 بالثورة ضد الديكتاتورية، ويعتبر أن ما حدث لا يتجاوز “انتفاضة شعبية أربكت النظام وأجبرت بن علي على مغادرة البلاد”.  أما المفهوم التاريخي للثورة بحسب قوله، “فيعتمد على إسقاط كل مكونات النظام القائم وتفكيك منظومة الاستبداد نهائيا، وهو ما لم يحدث، خاصة مع تواصل تسجيل حالات التعذيب داخل السجون، واستهداف التحركات المنادية بالكرامة والعدالة الاجتماعية”. 

مواقف “مجموعة البحث الموسيقي” السياسية المثيرة للجدل، لم تمنع أغلب التونسيين من تقدير وقوفها المتواصل إلى جانب المهمّشين. ويطمح شمام، رئيس الفرقة وملحن أغانيها، إلى الاستمرار واستقطاب المزيد من الأعضاء الشباب، ويقول “نحن معنيون كمجموعة فنانين بنبذ العنف والتطرف، وبالعمل على بناء دولة مدنية تتسع للجميع”.