بعد اندلاع الثورة، انتشر مصطلح الإسلاموفوبيا بين القوى الثورية لوصف من يعادون الإخوان خاصة والإسلام السياسي عامة لدرجة ارتكاب حماقات كالاستناد على العسكر في مواجهتهم أو رفض التعامل مع أي فصيل إسلامي حتى لو كان متفقا معهم في موضوع ما. وكان اتهام بعض قوى الثورة للبعض الآخر بالإسلاموفوبيا يقل في لحظات الالتصاق بين الإخوان والعسكر مثل استفتاء مارس 2011 الذي دفع قوى الثورة للتوحد ضدهما معا، لكنه كان يصعد حين يحدث خلاف بين الإخوان والعسكر فتتشابه مواقف القوى الثورية والإخوان مرة أخرى.

بعد اندلاع الثورة، انتشر مصطلح الإسلاموفوبيا بين القوى الثورية لوصف من يعادون الإخوان خاصة والإسلام السياسي عامة لدرجة ارتكاب حماقات كالاستناد على العسكر في مواجهتهم أو رفض التعامل مع أي فصيل إسلامي حتى لو كان متفقا معهم في موضوع ما. وكان اتهام بعض قوى الثورة للبعض الآخر بالإسلاموفوبيا يقل في لحظات الالتصاق بين الإخوان والعسكر مثل استفتاء مارس 2011 الذي دفع قوى الثورة للتوحد ضدهما معا، لكنه كان يصعد حين يحدث خلاف بين الإخوان والعسكر فتتشابه مواقف القوى الثورية والإخوان مرة أخرى. وقد أحدث هذا ارتباكات وسط القوى الشبابية الثورية والأحزاب الديمقراطية الصاعدة (التي يشكل هؤلاء الشباب عمودها الفقري)، منها الموقف من معركة الدستور أم الانتخابات أولا، ومن المشاركة مع الإخوان في احتجاجات 18 نوفمبر ضد وثيقة السلمي والموقف من مرشحي الرئاسة.

تصور البعض وأنا منهم أن حديث الإسلاموفوبيا سينتهي بوصول مرسي للسلطة حيث مُنِح العسكر الخروج الآمن ووعِدوا بزيادة مكتساباتهم في الدستور، وضم الإخوان عدد من رجال النظام القديم في الوزارة والداخلية وخلافه. كذلك، اصطف أغلب القوى الاسلامية المنظمة مع الرئيس الإخواني ضد المعارضة الديمقراطية، ذلك على خلاف مرحلة الحكم العسكري التي كان فيها حزب الوسط مثلا داخل مجلس الشعب معارضا للإخوان. لكن هذا الحديث لم ينتهي بل حل محله فزع من عودة النظام القديم في صورة رئيس فلولي مدعوما بالعسكر لدرجة تعرقل معارضة حكم محمد مرسي وهو ما أسميه بالفلولفوبيا.

فبعد نجاح مرسي بدأت المعارضة لحكمه سريعا على خلفية قمع الحركات الاجتماعية أو العنف الطائفي أو تعيينات المسئولين في وسائل الإعلام والمحافظات إلخ، واستنفر وصوله للحكم القوى الديمقراطية للمزيد من التنظيم. لكن المعارضة تصاعدت منذ مظاهرة حساب المائة يوم في 12 أكتوبر في التحرير عندما أرسل الإخوان أعضاءهم للاعتداء على المتظاهرين، فرد المعتصمون وحرقوا لهم أوتوبيسين من التي نقلت أعضاءهم للتحرير. حينذاك، كنت تسمع أحيانا هتافات “يسقط حكم المرشد” بين المتظاهرين لكنها لم تكن أساسية. استمرت الحركة المناهضة للإخوان وللجنة التأسيسية طوال شهر نوفمبر، وتصاعدت بشدة مع إصدار الإعلان الدستوري وتفاقم أزمة الدستور. تطورت الحركة وأصبحت أشبه بانتفاضة شعبية كبرى ضد حكم الإخوان تضمنت مسيرات واعتصامات وهجوم المواطنين على مقراتهم وتكرر فيها شعار “يسقط حكم المرشد” بل و”الشعب يريد إسقاط النظام” و”ارحل يا مرسي”، وخاصة بعد يوم 5 ديسمبر حين كرر الإخوان غلطتهم القاتلة بإرسال أعضاءهم لفض اعتصام المعارضة أمام قصر الاتحادية واضعين أول مسمار حقيقي في نعش شرعية محمد مرسي، فكان الرد مسيرات حاشدة تصدت لعنف الاخوان فسقط قتلى وجرحى من الطرفين.  

اجتذبت المعارضة للإخوان قطاعات كبيرة من المواطنين لم تشارك في الثورة من قبل. حتى أن متظاهرا رأى أحد أعضاء ائتلاف شباب الثورة المشهورين في الطريق للاتحادية فقال: “بتوع التحرير جايين معانا!” ورفض بعض المتظاهرين الهتاف ضد الشرطة والجيش، بل أن بعضهم هتف “الجيش والشعب إيد واحدة” ذلك الهتاف الذي أصبح بمثابة ذكرى مريرة لدى الثوار الأوائل الذين رابطوا في الميادين منذ الموجة الأولى للثورة، بخلاف الوافدين الجدد للثورة الذين لم يختبروا القتل والتنكيل على أيدي العسكر بعد التنحي. وضمت القوى السياسية الأساسية المناهضة لحكم مرسي أيضا بعض المحسوبين على نظام مبارك مثل عمرو موسى، وبعض المتوددين للعسكر مثل حزب الوفد الذي تودد أيضا للإخوان في مراحل مختلفة.   

أبدى بعض الثوريين توترا عند سماع “الشعب يريد إسقاط النظام” مرة أخرى، وعند رؤيتهم للفلول مؤيدين أو على الأقل سعداء بهذه الموجة الثورية، وعند رؤيتهم لأولئك الوافدين الجدد للفعاليات الثورية، ولم يقدر هؤلاء الثوريون المتوترون قيمة الوافدين الجدد للثورة الذين كانوا حذرين في موقفهم من الثورة أو خائفين منها طوال الفترة الماضية لأنها قد تأتي (وأتت بالفعل) بالإخوان المسلمين الذين يهددون نمط حياتهم وحريتهم ومستقبلهم بطائفيتهم ورجعيتهم لكنهم قرروا الآن النزول للشارع للدفاع عن أنفسهم بصدور عارية محتمين بالجموع التي خرجت للشوارع وظهيرها السياسي المتمثل في القوى الديمقراطية الصاعدة. لقد سأل هؤلاء الثوريون أنفسهم: أنسقط الرئيس الاخواني ونخاطر بأن يعود الفلول للحكم مرة أخرى؟ أنكون مشاركين في انقلاب عسكري ضد الإخوان ونحن لا ندري؟ (كما يردد الاخوان نفسهم). أنكون ألعوبة في أيدي الفلول و/أو العسكر؟ أتكون جبهة الإنقاذ هذه واجهة لحلف جديد بين الأمريكان والعسكر والليبراليين بدلا من حلف الامريكان والعسكر والإسلاميين؟ هذه الأسئلة والهواجس هي ما أسميه بالفلولفوبيا. وتعمق هذا التوتر بوقوف الشرطة والجيش على الحياد السلبي في حرب الشوارع مع الإخوان.

المشكلة في هذه المخاوف أنها تستسلم لحالة ابتزاز دائم يمارسها الإخوان المسلمون على القوى الثورية الشابة والأحزاب الديمقراطية. وعلى القوى الديمقراطية المؤمنة بدولة الحقوق والحريات ألا تستلم لهذا الابتزاز، هذا لو كنا تعلمنا من دروس ثورة 25 يناير شيئا.

لقد كانت ثورة 25 يناير انتفاضة شعبية بامتياز خرج فيها ملايين المواطنين. لكن شعبيتها هذه لا تنفي أن حسم مطلبها الأول جاء على يد الجيش وهو ما أسماه البعض أن “الجيش حما الثورة”. تعلم الثوار بالتجربة المريرة أن الجيش لم يحم الثورة. هو فقط اضطر أن يستجيب لمطلبها الأول لكي ينقض على باقي المطالب. نفس السلوك انتهجه الأمريكان: صمتوا أولا ثم أيدوا على استحياء ثم دعموا تنحية مبارك وبعدها وجدناهم يكررون نفس مطلب الاسلاميين بـ”ضرورة عقد الانتخابات بسرعة”. العسكر والأمريكان سيفعلون على الأرجح ما فعلوه مع مبارك مع أي حاكم آخر يصبح حكمه مهددا.

أما الشرطة (الخاسر الأكبر من ثورة 25 يناير) هي الأخرى لا تريد أن تدفع فاتورة قمع مرسي لمعارضيه. هي الأخرى تتوحش دفاعا عن مكانتها أساسا والدليل أنها تعاملت بوحشية مع متظاهري محمد محمود 2 وذلك لأن لها معهم ثأرا. فتلك المعركة كانت في الحقيقة معركة على هيبة رمزية لمبنى الداخلية في لاظوغلي، أما المعركة على هيبة مرسي فلا تخصهم كثيرا.

ورغم أن أجهزة القمع هذه لم تتعلم احترام المواطن بعد، فإنها لم تعد تحت سيطرة مرسي كما كانت تحت سيطرة مبارك وهذا إنجاز كبير حققته الثورة ودفعت ثمنه دما. وتحييد هذه الأجهزة (ولو لفترة) في الصراع بين السلطة والمعارضة مكتسب هام يجب أن تحتفي به القوى الديمقراطية لا أن تؤنب نفسها وتشك في نزاهتها لمجرد أن الشرطة والجيش لم يجهزوا عليها.

المفرطون في التعقل حذروا أثناء ثورة يناير (بل منذ صعود حركة التغيير ضد مبارك) أن إسقاط مبارك يعني بالضرورة حكم الجيش أو الاخوان أو الاثنين معا لعدم جهوزية البديل. لكن قوى المعارضة الديمقراطية لم تستمع إليهم، وكانت محقة في هذا. فإسقاط مبارك، رغم أنه أتى بالعسكر الدمويين للحكم لمدة عام ونصف وأتى بالإخوان المستبدين للحكم عن طريق برلمان ورئيس منتخبين، هو ما فتح آفاق الديمقراطية. والحقيقة أن القوى الديمقراطية أنجزت خلال هذين العامين من تنظيم واحتشاد ما لم تكن ستحققه أبدا في ظل حالة الحصار والركود تحت حكم مبارك.

قد يطيح بمرسي انقلاب في لحظة ما، فالعسكر الذين تحالفوا معهم حتى يضمنوا لهم الاستقرار وتدفق المصالح قد لا يصبرون عليهم كثيرا ويحاولون الدفع بشخص آخر للحكم. وقد يتكاتفوا مع مرسي بدرجة أكبر إن أدركوا أن الإخوان رغم مشاكلهم هم الخيار الأكثر أمنا بالنسبة لهم. لن تراهن القوى الثورية أبدا مع أي منهما. لكن خوفها من أحدهما لا ينبغي أن يدفعها للقبول صاغرة بحكم الآخر.