يشبه اليابانيون بعض ساستهم بالـ «كازي دوري» وهي أداة توضع على أسطح بعض المباني وتتخذ عادة شكل ديك يتجه رأسه باتجاه الريح فيحدد به الفلاحون والبحارة اتجاه الرياح ويساعدهم ذلك على القيام بأعمالهم.

وجه الشبه بين الساسة و”الكازي دوري” ليس هي قدرة هذه الأداة الصغيرى على تغيير اتجاهها تلقائيا كلما تغير اتجاه الرياح شانها في ذلك شان بعض المسؤولين السياسيين الذين تحدد المتغيرات السياسية اتجاههم وينعكس ذلك على خطاباتهم.

يشبه اليابانيون بعض ساستهم بالـ «كازي دوري» وهي أداة توضع على أسطح بعض المباني وتتخذ عادة شكل ديك يتجه رأسه باتجاه الريح فيحدد به الفلاحون والبحارة اتجاه الرياح ويساعدهم ذلك على القيام بأعمالهم.

وجه الشبه بين الساسة و”الكازي دوري” ليس هي قدرة هذه الأداة الصغيرى على تغيير اتجاهها تلقائيا كلما تغير اتجاه الرياح شانها في ذلك شان بعض المسؤولين السياسيين الذين تحدد المتغيرات السياسية اتجاههم وينعكس ذلك على خطاباتهم.

محمد المنصف المرزوقي، رئيس تونس المؤقت، عرف عنه، منذ توليه السلطة، سرعة تغيير مواقفه حسب المتغيرات السياسية والأمنية في البلاد. هذا الى جانب تذبذبه المفرط أحيانا بين الوفاء لصفته كحقوقي ومركزه السياسي كرئيس دولة. 

من خطاب لآخر يثبت المرزوقي  أنه عاجز عن تحديد علاقته بماضيه كمناضل بناء على مستجد جعله بين ليلة وضحاها رئيسا خلفا لعدوّه. فبين أن يشبع نهمه من سلطة منع منها في أحلامه أو أن يواصل ما انتهجه لنفسه منذ سنين من نضال في مجال حقوق الانسان، اختار ان يجمع بين الأمرين.

لكن بعد سنة من توليه الحكم بدا الأمر صعب التحقّق، أو صعب التصديق، خصوصا وأن منصب المرزوقي كرئيس مؤقت جعله في مواجهة مباشرة مع حليفه الاول أي حزب حركة النهضة، الذي أصبح متّهما، من طرف معارضيه، بالاعتداء على حقوق الانسان في تونس وتهديد الحريات الخاصة والعامة  ومكاسب المرأة.

عكس الخطابات الجافة التي كان بن علي يلقيها، خلال فترة حكمه، قبل ان تمنحها الثورة التونسية بعض الحياة، بدت خطابات المرزوقي اكثر حيوية واقل تكلفة. فعبارة “ايها المواطنون ايتها المواطنات” عوضتها عبارة “اخواني ، أحبائي” مع مزج بين اللغة العربية الفصيحة واللهجة العامية التونسية. 

المظهر العام للرئيس المؤقت المرزوقي بدا ايضا بسيطا ومشابها لمظهر التونسي البسيط حيث خلع ربطة العنق واستغنى عن البدلات الفاخرة والاحذية اللماعة وارتدى فوق زيه البسيط ذو الالوان الباهتة “برنسا”.

البعض اعتبر مظهر الرئيس رمزا للأصالة والتوحّد مع الأرض والشعب في حين شبهه آخرون بعباءة حامد كرزاي الافغانية. 

والأقرب الى التأويل الصحيح هو اختيار المرزوقي القطع مع سياسة الابهار الخارجي والتعويل على النوايا الحسنة في خدمة البلاد عبر تنفيذ سياسة حزب المؤتمر من اجل الجمهورية كحزب ديمقراطي اجتماعي معتدل.

ان الحراك السياسي الذي عرفته البلاد بعد الثورة وعرف أوجه مع بدء تشكل التحالف الثلاثي الذي واجهه تحالف قوى المعارضة، ادخل البلاد في حالة تجاذب في مواجهة التغييرات العاجلة التي تطالب بها القوى الثورية.

 كما عرفت تونس عودة الاحتقان الايديولوجي مما وضع مسألة حرية المعتقد في مرتبة تفوق كل القضايا الأساسية. هذا التمشي الذي نتج عن حصول حزب حركة النهضة الاسلامي على الاغلبية وضع حليفها المرزوقي ذو التوجه العلماني اليساري في وضع غير مريح.

 وقد تجلى هذا الامر في ردود فعل القوى اليسارية على استعماله عبارة ” السافرات” في خطاب اداء القسم، لوصف المرأة التونسية غير المحجبة، وهي عبارة استعملها بعض المحسوبين على التيارات الدينية المتشددة وبعض أنصار حركة النهضة كنعت سلبي للمرأة التونسية التي يرون انها “متحررة ” بشكل يتنافى مع  ما جاءت به تعاليم الدين الاسلامي.

خطاب القسم الذي أداه المرزوقي بالمجلس التأسيسي خلف ايضا موجة من الاستياء لدى من ينعتون أنفسهم بالدستوريين بسبب عدم ترحّم المرزوقي على الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة واعتبروها إهانة مقصودة لرمز من رموز الوطن. 

ورغم أنه عرج في تلاوته لخطاب القسم على فشل نظامي بورقيبة وبن علي في قيادة البلاد اثناء فترة حكمهما الا ان المرزوقي عند إلقائه لأول خطاب له بقصر قرطاج، لم يتورّع عن القول بنبرة فيها الكثير من الفرح بتسلّمه مقاليد الحكم “اخيرا” ، عن كيل المدائح لفؤاد المبزع ، رئيس مجلس نواب بن علي لأكثر من اربع سنوات ونعته بـ “الرجل المهاب المحترم ” بسبب مرونته في تسليم الدولة لحكومة الترويكا بطريقة سلمية وديمقراطية. 

على اثر هاذين الخطابين اختفى المرزوقي داخل قصره حتى اصبح ظهوره في وسائل الاعلام مناسباتي بحت. وتنامت الشائعات حول تصرفاته داخل القصر الرئاسي  حتى أصبحت محلّ تندّر البعض، نظرا لتلقائيته المبالغ فيها وعدم احترامه للبروتوكولات الرئاسية، وتعبيره العفوي عن “حيازته” لقصر قرطاج خلفا لعدوه الأول.

ولئن غاب المرزوقي صوتا وموقفا عن أغلب المعارك التي دارت بين الحكومة والمعارضة بالمجلس التأسيسي، فانه سجل حضوره في عديد المناسبات التي شهدت فيها البلاد مشاحنات حول حقوق المرأة وحرية التنظيم وحرية المعتقد. 

ففي حادثة انزال علم البلاد من فوق إحدى الكليات الشهيرة، أبان المرزوقي عن رفضه بكل صرامة المسّ من رموز الوطن. وأعاد الى اذهان التونسيين وجه المناضل الحقوقي وقام بتكريم الطالبة “خولة الرشيدي” التي واجهت السلفي الذي اعتدى على علم البلاد.

إثر هذه الحادثة عاد المرزوقي للانزواء داخل القصر لتخرجه الاحداث العرضية الى الواجهة، لنفهم ان مواجهته للتونسيين لا تكون الا في حدود صلاحياته المحدودة جدا حتى تحول شيئا فشيئا الى حليف مغلوب على امره للمفقرين والمهمشين والتيارات المهددة حقوقهم من طرف “حليفه” السياسي أي حركة النهضة وانصارها من الاسلاميين.

وفي احداث سليانة بدا الحزن جليا على سحنة الرئيس المؤقت وهو يقر بفشل الحكومة في تسيير البلاد مطالبا اياها بإعادة حساباتها ولوّن الصدق كلماته وهو يبلغ اهالي ضحايا “الرش” اسفه الشديد واصفا ما حصل بانه “جرح آلمه” ، ولكنه لن يحمله على الاستقالة.

تاريخ المرزوقي النضالي لم يشفع له لدى التونسيين الذين انبروا منذ توليه منصب الرئيس في ملاحظة تصرفاته والتعليق عليها ، خصوصا انه خيب املهم في عديد المناسبات وجعل من نفسه موضع تندّر. 

وقد اثار تحليله لمحدودية قدرات الحكومة في مواجهة تحديات المرحلة من خلال مثل “الصباط والكلاسط”( مثل الاب الذي لديه ولدين وحذاء وجورب)، في احد اجتماعاته بأهالي سليانة ، موجة من السخرية التي تناقلتها المواقع الاجتماعية، حتى ان البعض اطلق عليه لقب “صاحب نظرية الجورب”.

كما اثار القاؤه باقة من الورود في البحر الذي ابتلع مئات الشبان التونسيين المهاجرين الى إيطاليا وأيضا قيامه بإطلاق سراح عصفور “كنالو” في احد السجون، السخرية والاستهجان في نفس الوقت حيث شبه البعض هذه الممارسات التي لم يفهم كنهها الكثير من التونسيين بـ “الكوميديا السوداء”. 

ولئن اضحكت هذه التصرفات الكثيرين فقد استاء البعض من عدم تحكم المرزوقي في اعصابه، وهو طبيب اعصاب، اثناء مشاركته في مؤتمر الدوحة لاسترجاع الاموال المنهوبة، حين تناقلت وسائل الاعلام العالمية مشهد صراخه في وجه احد الصحفيين الذي أجرى مكالمة هاتفية اثناء إجراء الرئيس مقابلة مع إحدى القنوات ونعته آنذاك بـ”الغبي وقليل الحياء” باللغة الفرنسية .

بين مكبلات السلطة والعفوية والانتماء الى البسطاء من الشعب والوفاء لتاريخه النضالي، يواصل المرزوقي التخبط محاولا النجاح في الايفاء بما وعد به في اول خطاب له مثل “وضع الاسس العميقة والصلبة لدولة القانون والحرية ضمان حقوق عائلات شهداء وجرحى الثورة، التجميع بين الفرقاء السياسيين ، الحد من البطالة”.

 ولكن وكما يقول المثل  “بين الكأس والشفة تحدث امور كثيرة”، فلا المرزوقي يشرب نخب الرئاسة هنيئا ولا الشعب يستعيد الكاس، ويستمر دوران “كازي دوري” عسى ان تهدا الرياح يوما.