في تظاهرة مليونية الانذار الاخير بمدينة أسوان، فوجئت القوى السياسية بشارات تعلن ميلاد حركة “كتالة” النوبية المسلحة لمواجهة السياسيات التمييزية، وهي المرة الأولى التي يخرج فيها نوبيو مصر لمعالجة قضاياهم بالقوة، التحقيق التالي يبحث في علاقة سلطة الحكم الاخواني بهذا المنحي الخطير لأكبر جماعة عرقية ثقافية في مصر.

في تظاهرة مليونية الانذار الاخير بمدينة أسوان، فوجئت القوى السياسية بشارات تعلن ميلاد حركة “كتالة” النوبية المسلحة لمواجهة السياسيات التمييزية، وهي المرة الأولى التي يخرج فيها نوبيو مصر لمعالجة قضاياهم بالقوة، التحقيق التالي يبحث في علاقة سلطة الحكم الاخواني بهذا المنحي الخطير لأكبر جماعة عرقية ثقافية في مصر.

ديموغرافيا، يبلغ عدد نوبيو مصر نحو ٥ ملايين كما تشير لذلك تقارير غير رسمية-حيث لاتوفر تقارير هيئة الاحصاء والتعبئة الرسمية أي ارقام واضحة عن عدد الاقليات العرقية أو الدينية- وهم علي الرغم من توزعهم في شتى أنحاء مصر إلا أن وجودهم يتركز في أقصى جنوب مصر بين محافظتي أسوان وقنا، بالقرب من مواطنهم الطبيعية التي غرقت مع بناء السد العالي نهاية ستينيات القرن الماضي، مما شكل مهجرا داخليا وخارجيا حيث تتواجد نسب كبيرة منهم بالمهجر الامريكي والفرنسي تحديدا.

النوبيون: لسنا غزاة يا حزب الاخوان

عوض عبد الظاهر مؤسس حركة كتالة المسلحة، هو خمسيني يملك شركة السيف للمقاولات بمحافظة أسوان، يحكي سبب نشأة الحركة في الجمل الاتية: “لقد ساندنا حزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية ورئيسهم في الانتخابات الرئاسية نكاية في الفلول وخوفا من عودة النظام القديم، لكن أول القصيدة كان كفرا عندما تقمص قياديهم عصام العريان شخصية زاهي حواس الباحث الاثري ليدعي كذبا في تصريح له أن النوبيون غزاة قادمين من اثيوبيا، وعندما طلب منه الاعتذار قال إنه اعتذر لرئيس النادي النوبي بالقاهرة وليس مطالبا بالاعتذار لكل نوبي”.

القضية النوبية كما باتت تعرف كانت قد عادت للسطح في سني حكم مبارك العشرة الاخيرة، علي خلفية عودة المطالبات بتعويضهم غير العادل زمن الستينيات في أراضيهم الغارقة الآن أسفل بحيرة ناصر، وتركزت محاولة استعادة الحقوق عبر رفع قضايا للعودة إلى أراضي حول البحيرة هي الأقرب من أراضيهم الغارقة، أو إعادة التعويض العادل بحيث تحصل كل أسرة علي مسكن منفصل، وقد تلكأ نظام مبارك كثيرا إما بضعف ذات اليد أو بضعف سياسات تنمية الجنوب عموما في خططه، الامر الذي دفع العديد من لوبيهات المجتمع النوبي في المهجر بالتهديد بتدويل القضية.

مليونية الشريعة والجالية النوبية

الأمر يتعدي فلتة لسان القيادي الاخواني، كما يعتقد مؤسس كتالة، بل يتجاوز أزمة التثقيف في تنظيم وقوي لا يعلمون حقيقة التاريخ، فيقول عوض عبد الظاهر، أحد أبناء النوبة، :”خطاب الرئيس مرسي قال بالحرف الواحد الجالية النوبية في مصر، وكأننا وافدون ، ثم جاء من بعده حسين عبد القادر مسئول حزبه التنظيمي في القاهرة ليصف النوبيون في لقاء تلفزيوني بالبربر الهمج ، ملقيا علينا تهمة الانفصال ، متناسيا أن النوبيون هم اصل الحضارة الفرعونية بالجنوب وأكثر الجماعات العرقية التصاقا بالثقافة المصرية وحفظا لها ، فنحن نتحدث اقدم لغة لم تتعرض للاندثار منذ ١٠ الاف عام” .

هذا عن التصريحات الصدامية، لكن ما علاقة الحركة بالمشهد السياسي الحالي؟ سؤال يجيب عنه اسامة فاروق الرئيس التنفيذي للحركة قائلا:” بعد عرض القوة الاسلامية في ميدان جامعة القاهرة قبل اسابيع، تأكد من نوعية الحشد وشعاراته معاداته لتنوع المصريين، وتهديده لنمط معيشتهم وثقافتهم، فإذا كان المصريون جميعا قد انتفضوا في الثلاثاء التالي ليبرهنوا علي مشهد مختلف، فإن النوبة الموحدة في ثلاث قبائل كبيرة لا تملك الرد علي هؤلاء إلا بما رددنا علي الهكسوس قبل الالاف الاعوام، فمن يتطاول علينا سنقطع يده، فإذا ما واجه الاخوان المصريين كالميليشيا المسلحة عند قصر الاتحادية وجب الرد عليهم فورا بميليشيا يعرف الجميع قوتها في كل انحاء مصر، فكتالة في لغتنا تعني المعركة أو المحارب، وبعد استيلاء الاخوان علي كل السلطات التنفيذية والقضائية والبرلمانية لا حل لنا إلا رفع السلاح”.

اعتراف اخواني بالجهل بالمسألة النوبية

لكن ماذا عن واقع الحركة الان؟ يجيب أسامة فاروق من الحركة بأنها تضم عشرة مسلحين أوائل يشرفون علي عملية قبول المتطوعين من كل أبناء النوبة في الداخل والخارج، ويقول “لقد أيدنا المئات بل الالاف في قرى محافظة أسوان، وبما أن كل الناس تحمل سلاحا في الصعيد فنحن نعتمد حاليا علي سلاحنا الشخصي المتوفر بكثافة، علما بأن أي اعتداء علي ثورتنا البيضاء التي هي جزء من ثورة كل المصريين علي الاستبداد الفاشي الاخواني سيواجه بحسم، فمقارهم الحزبية التي تدافع عنها الاجهزة الامنية والتنفيذية ستكون أول اهدافنا، ايما تواجد نوبي علي التراب المصري”.

من جانبه يعترف محمد بسطاوي عضو حزب الحرية والعدالة الحاكم وأحد مؤسسي الاتحاد النوبي العام بخطأ قياداته، ويرى أن إنشاء الحركة جاء نتيجة استفزاز حزبه علي الرغم من وجود أعضاء نوبيون في الحزب كالنائب جمال حنفي عن دائرة قصر النيل القاهرية، واصفا قيادات حزبه بالجهل فيما يخص المشكلة النوبية، مرجعا ذلك إلى عدم تدريس التاريخ النوبي وعدم حساسيتهم إلى التشكيك في مصرية النوبيين، مشيرا إلى أن هذه الممارسات انعكست علي تشكيل المستشارية الرئاسية التي لم تتضمن بين ٢٠ من أعضاءها عضوا نوبيا أو بدويا أو صعيديا أو سيناويا، وهي المكونات الاثنية والعرقية التي لابد من وضعها في الاعتبار.

شكوك في السلاح وتعويل على السياسة

وبكثير من المرارة السياسية يشكك هاني يوسف رئيس الاتحاد النوبي العام في حجم الحركة، مشيرا إلى صعوبة قيام حركة مسلحة بين النوبيون  المشهود لهم بسلمية كفاحهم السياسي، فالنوبيون -وفقا لهاني- لديهم طرقهم السياسية في الضغط علي حكومة الاخوان، فقد أعلنوا عدم اعترافهم بالدستور المستفتى عليه الان، وذلك بعد أن رفض الاخوان والسلفيون المسيطرون علي تشكيل جمعيته التأسيسية مطالب النوبيين فيه، بل ولم يستبدلوا أو لم يحاولوا تعويض الحقوقية منال الطيبي ممثلتهم في الجمعية، وهو ما يؤكد نيتهم الإقصائية لمكون أساسي للشعب المصري كانت كل مطالبه تدريس الحضارة النوبية في التعليم العام.

بين مشكك في قدرة الحركة ووجودها الفعلي علي الارض مع رفع سقف مطالبها، يبدو أن الروح النضالية للنوبيين الذين رفعوا السلاح ١٠٠ عام ضد الحكم الاسلامي في بداياته، واضطروا في النهاية الي اعتناق المسيحية تستعيد تاريخها مع نظام حكم لا يخجل من اعتبار حكمه “الفتح الاسلامي الثاني” لمصر، علي حد تعبير قياداته.