كوب من الشاي تناولناه سويا ليبدأ بعدها يوم شاق من العمل على مزلقان السكة الحديد بالقرب من مدينة منفلوط التي تبعد عن القاهرة حوالي ٣٧٥ كم. وكعادته كل يوم وصل جاد فرغلي عبد الجواد عامل المزلقان إلى مقر عمله بالغرفة الضيقة علي جانب المزلقان في تمام الساعة السابعة صباحا ليبدأ وردية عمل تستمر لمده ١٢ ساعة، يعود بعدها سعيدا أنه أتم الوردية دون حدوث ايه مشكلات قد تفقده عمله وأحيانا حياته أو قد تدخله السجن ما تبقى من عمر هكذا يقول.

كوب من الشاي تناولناه سويا ليبدأ بعدها يوم شاق من العمل على مزلقان السكة الحديد بالقرب من مدينة منفلوط التي تبعد عن القاهرة حوالي ٣٧٥ كم. وكعادته كل يوم وصل جاد فرغلي عبد الجواد عامل المزلقان إلى مقر عمله بالغرفة الضيقة علي جانب المزلقان في تمام الساعة السابعة صباحا ليبدأ وردية عمل تستمر لمده ١٢ ساعة، يعود بعدها سعيدا أنه أتم الوردية دون حدوث ايه مشكلات قد تفقده عمله وأحيانا حياته أو قد تدخله السجن ما تبقى من عمر هكذا يقول. فعامل مزلقانات القطار هو الحلقة الأضعف في منظومة نقل السكك الحديدية، وهو المتهم الأول في أي كارثة تصادم قطارات، فإلى أي مدى يتحمل بالفعل مسؤولية هذه الكوارث؟

طبيعة حياته

جاد فرغلي العامل الذي اجتاز اختبارا لمحو الأمية كي يدخل مسابقه أعلنت عنها هيئة السكك الحديدية المصرية منذ ٧ سنوات لم يكن يعلم أن عمله كعامل مزلقان سوف يعرضه لكل هذه الاخطار التي يواجهها يوميا، فهو وحيد ابويه وولد عام ١٩٧٦ م، ليتزوج وهو في سن الثامنة عشر من العمر وأنجب حتى الآن ٧ اطفال، الكبرى فتاة تبلغ من العمر ١٥ عاما.

يسكن جاد في عزبه بقريه فزاره التابعة لمركز القوصية علي مسافه تقدر بحوالي ٢٥ كم من مقر عمله بمدينه منفلوط، ويعمل بنظام الوردية لمده ١٢ ساعة وراحة لمده ٢٤ ساعة. ويبدأ عمله من السابعة صباحا لذا فعليه أن يستيقظ في الرابعة فجرا لكي يصلي الفجر، ويخرج مستقلا دراجة حتى قريه فزاره، ومن ثم يستقل سياره ربع نقل ” تيوتا” لكي تقله إلى مدينة القوصية، ومن ثم يستقل سيارة أخرى إلى منفلوط حيث المزلقان. وهو نفس برنامجه اليومي في الذهاب والاياب، لكن جاد الذي يخرج صباحا بشكل عادي يتخوف أثناء العودة فالعزبة التي يسكنها والتي تتبع قريه فزاره مليئة بالمشكلات الثارية وتبادل إطلاق الأعيرة النارية ليلا بين عائلاتها وهو ما يجعله في حالة خوف أثناء رحله العودة.

جاد تم تعيينه كعامل مزلقان في عام ٢٠٠٦ م واستمرت فترة تدريبه على مزلقان الحواتكه لمدة ١٥ يوما تعلم فيها من عامل المزلقان المتواجد، وبعدها تسلم جاد المزلقان ليبدأ مسيرة عمله ليقضي عامين على مزلقان الحواتكه حتي عام ٢٠٠٨، ويقول إنها كانت فترة مريحة لأن المزلقان كان يعمل بالشادوف وهو نظام يضمن عدم قدره المواطنين علي فتحه، فيقوم العامل بغلقه وهو مطمئن. ثم عمل عامين بقريه منقباد علي نفس المنوال، ساعده هناك قرب المزلقان من كمين للشرطة ومساعدة عسكري مرور له، وأيضا تواجد خفير على المزلقان بشكل دوري، وهو ما يجبر المواطن على احترام الاشارات. وبعدها انتقل للعمل على مزلقان منفلوط لتبدأ مشكلات يعاني منها يوميا ولا يعرف متي تنتهي.

مسؤولية ضخمة على كاهل عامل بسيط

يعتبر المزلقان الذي يعمل عليه جاد وسيلة المرور عبر الترعة الابراهيمية للوصول إلى الطرق السريعة وجميع خطوط المواصلات لمدينة يبلغ تعداد سكانها ٣٥٠ ألف نسمة. ويتسلم جاد العمل في الساعة السابعة صباحا من خلال التوقيع في السرك(الدفتر) الورقي، ويبدأ في العمل على المزلقان الذي تتحكم فيه ٤ سلاسل يدوية، حيث يقوم عامل البلوك بإبلاغه أن هناك قطار قادم وذلك عن طريق الجرس الالكتروني الضوئي، وهذا بعد تطوير المزلقان، وكان قبل ذلك يتم بإشارة تليفونية من تليفون متهالك يعمل أحيانا لكنه في الغالب لا يعمل. وعندما يدق الجرس الضوئي يقوم جاد بشد السلاسل الأربعة يدويا وأحيانا يساعده عسكري المرور المتواجد معه لأن جرس المرور الالكتروني تابع للمرور. ويقوم حوالي ٦٠ قطار بالمرور خلال فترة وردية جاد في العمل وهو ما يجعله لا يستطيع اللحاق من قطار لآخر جريا وراء شد السلاسل لكي يمنع مرور السيارات والمشاة أثناء مجيء القطارات أو فكها لكي تستمر حركة المرور.

يقوم بالمتابعة يوميا على عمل جاد مشرف من هيئة السكك الحديدية. يأتي لكي يطمئن أن العامل متواجد في مكانه، ويقوم بدوره بالتوقيع في الدفتر أيضا. ودائما ما يتقدم جاد بشكاوي من عدم قدرته علي ترك المزلقان أثناء العمل لكي يقضي حاجته أو يتناول وجبه خفيفه تساعده علي تكمله مهمته الشاقة، ويطالب بأن يتواجد معه في الوردية عامل بديل. يصر علي ذلك وفقا لقوله حفاظا على أرواح الناس لأن وسيلة الاتصال بينه وبين عامل البلوك هي الجرس الضوئي. ويتساءل إذا حدث له مكروه أو شيء طاريء ولم يقم بغلق المزلقان فماذا سيترتب علي ذلك؟!.

تطوير صوري للمزلقانات

جاد سئم من كثرة الحديث عن تطوير المزلقانات ويقول إنه مجرد كلام، “ولو طوروا بيطوروا في المباني لكن احنا عايزين حلول تضمن لينا الامان والسلامه علشان نروح لعيالنا سالمين، ده احنا ورانا كوم لحم” علي حد قوله. وإذا حدثت كارثة لا قدر الله لا يتم محاسبه أحد سوى عامل المزلقان على الرغم من كونه أحد الضحايا. ويستطرد جاد في حديثه عن الكوارث بذكر كارثة قطار قريه المندره القريبة منه بأسيوط، والتي شهدت حادث القطار المروع الشهر الماضي، وراح ضحيته أكثر من 50 طفل، ويقول “لا أعرف ماذا حدث بالضبط ولكن كل ما أعرفه ان العامل لم يرَ بيته وأطفاله منذ الحادث لأنه قيد التحقيق”.

ثم ينظر جاد في اتجاه غرفتين تم تجهيزهما الكترونيا لكنهما لم يعملا منذ ٣ سنوات وهما ضمن مشروع التطوير والذي لم يتم منه غير تجديد الغرف ومضاعفة حارات المزلقان لتصل إلى اربع حارات بدلا من حارتين مما يزيد مخاطر الاصطدام، وذلك دون زيادة العمالة. ويقول جاد “أنا عامل على مزلقانين اثنين مش واحد”.

وعلى الرغم من أن ما يتقاضاه جاد، والذي لا يتعدى الالف جنيه شهريا(150 دولار شهريا)، لا يكفيه لتكملة مصاريفه الشهرية فانه لا يطالب بزيادة مالية ولكنه يطالب بتطوير حقيقي للمزلقانات يبدأ بتركيب شواديف الكترونية أو بوابات حتى يتم تامين العامل بدلا من نظام السلاسل اليدوية، كما يطالب بزيادة العمالة بحيث يكون في الوردية عاملين بدلا من واحد فقط. ويوجه جاد انتقادا حادا للتطوير المقترح بتركيب بوابات علي اتجاه فقط وترك الآخر ويقول: من يحترم قواعد المرور حتي يتم هذا؟ فالسيارات والمركبات دائما ما تسير عكس الاتجاه دون رادع ويشير الي ان ذلك سيتسبب في كوارث أكبر.

مصاعب العمل

طبيعة ثقافة المواطن والانهيار الأمني بعد ثورة ٢٥ يناير وازدياد أعداد مركبات التوكتوك هي مصاعب يوميه يقابلها جاد. فالمواطنون يلجأون في أحيان كثيرة للتعدي على جاد حتى يقوم بفتح السلسلة عنوة لكي يمروا عبرها حتى لو كان القطار قادما، وهو ما يفعله أيضا سائقو مركبات التوكتوك الذين يتعاطي أغلبهم المخدرات وليس لديهم رخص قيادة ويحملون أسلحة بيضاء، كما يقول جاد، ويضيف أنه قبل يومين قام سائق توكتوك باختراق السلسلة وقطعها بالتوكتوك وعندما نهره قام بالتعدي عليه وسبه قائلا إن “البلد مفيهاش حكومة”.

جاد قال إن المواطنين يرون في الموظف رمزا للحكومة فمنذ يومين قامت تظاهرة بسبب عدم وجود اسطوانات الغاز، وقام بعض الاهالي بالوقوف على شريط القطار لقطع خطوط السكة الحديد، مضيفا “فقمت بالابلاغ فورا حتى لا يتسبب ذلك بكارثة، وفوجئت بأن الاهالي قاموا برجمي بالطوب والحجارة، فقمت بالاحتماء بالغرفة فقاموا بكسر الزجاج”.

وفي مرة أخرى جاءت سيارة مسرعة إلى المزلقان اثناء قدوم القطار، وقبل أن يمر بثواني معدودات، وقاموا بسب جاد مباشرة وتوجيه السلاح الالي نحوه لكي يفتح لهم السلسلة، وقالوا “افتح معانا مصاب بطلق ناري، ولو مفتحتش هنضربك بالنار”. فرفض لأن القطار قادم، فتعدوا عليه، وقام أحدهم بفتح السلسلة، ولم تكد تدخل السيارة حتى مر القطار قبل أن يتخطوا الشريط.

كل هذا يرجعه جاد الي الغياب الامني والانفلات الاخلاقي الذي تشهده البلاد.  

“شقاء كلها الدنيا”

يعود جاد إلى بيته بقرية فزاره ليقضي فترة الراحة في أعمال لا تقل شقاء بحثا عن مصدر آخر للرزق ليكفي أسرته المكونه من ٩ افراد، حيث يقوم جاد بتربية رأسي ماشية لكي يوفرا لهم اللبن والجبن، وأيضا المال حين يقوم ببيعهما ليشتري رؤوس ماشيه أصغر لكي يربيها، وهو في ذلك يقوم باستئجار أرض زراعية لزراعتها هو وأولاده الصغار ويقول ” الدنيا كلها شقاء”.