“هؤلاء لا يستحقون السجن، بل مكانهم بين أكبر رجالات الدولة”. هذه العبارة، التي قالها الزعيم التونسي الراحل بورقيبة، بقيت عالقة في ذاكرة حمة الهمامي، زعيم حزب العمّال، على خلفية لقائه ببورقيبة. لقاءٌ وصفه الهمامي بأنه كان حاّدا وعاصفاً، لدرجة أن أحداً من وزراء بورقيبة الحاضرين آنذاك لم “يجرؤ” على التدخّل لإسكات الهمامي ورفاقه من السياسيين المسجونين على خلفية أفكارهم المخالفة لأفكار بورقيبة. حينها اقتيد هؤلاء المعارضون صبيحة أحد الأيام سنة 1980 من أقبية أحد السجون إلى قصر قرطاج، ليسمع منهم بورقيبة أسباب “عقوقهم” الفكري ومعارضتهم لأفكاره.

“هؤلاء لا يستحقون السجن، بل مكانهم بين أكبر رجالات الدولة”. هذه العبارة، التي قالها الزعيم التونسي الراحل بورقيبة، بقيت عالقة في ذاكرة حمة الهمامي، زعيم حزب العمّال، على خلفية لقائه ببورقيبة. لقاءٌ وصفه الهمامي بأنه كان حاّدا وعاصفاً، لدرجة أن أحداً من وزراء بورقيبة الحاضرين آنذاك لم “يجرؤ” على التدخّل لإسكات الهمامي ورفاقه من السياسيين المسجونين على خلفية أفكارهم المخالفة لأفكار بورقيبة. حينها اقتيد هؤلاء المعارضون صبيحة أحد الأيام سنة 1980 من أقبية أحد السجون إلى قصر قرطاج، ليسمع منهم بورقيبة أسباب “عقوقهم” الفكري ومعارضتهم لأفكاره.

هذا اللقاء “التاريخي” قال عنه حمة الهمامي: “لم نخشَ هيبة بورقيبة وواجهناه بحقيقة رفضنا لتقييد الحريات واحترازنا على التعذيب المسلّط على سجناء الرأي في معتقلات برج الرومي و9 أفريل “.

لكن ثناء بورقيبة على حمة ورفاقه لم يمنع السلطة من ملاحقتهم والزجّ بهم في السجون متى اقتضى الأمر ذلك ولتكون الضريبة التي دفعها حمة الهمامي من أجل أفكاره طوال مسيرته 10 سنوات سجن و10 سنوات من العمل السري. 

مسيرة حافلة

رحلة كفاحه – كما يسميها – امتدت من عام 1973 عند التحاقه بحركة “برسبيكتيف” أو آفاق ذات التوجهات الماركسية – اللينينية المحظورة. وقد حكم عليه بعد عامين من التحاقه بها بالسجن 8 سنوات ونصف قضى منها 6 سنوات، تعرض فيها للتعذيب الوحشي، ثم أُرسل للعلاج في فرنسا على حساب الدولة. وكانت هذه هي الحالة الوحيدة التي اعترف فيها بورقيبة، “الذي عذّبه وبعثه ليعالج”، ضمنيا بوجود التعذيب في السجون التونسية.

اعتقل “عرّاب” الثورة التونسية قبل هروب بن علي بيومين، واقتيد إلى دهاليز وزارة الداخلية على إثر فيديو نشره على شبكة الإنترنت، وجّه فيه انتقاداً حاداً لبن علي وحكومته. وكان تقريباً الشخصية السياسية الوحيدة من المعارضة التي دعت الشعب التونسي لمواصلة الثورة وإسقاط النظام.

عاش حمة الهمامي لحظات انتصار الثورة في أقبية وزارة الداخلية. يقول عن تلك اللحظات الحاسمة في تاريخ تونس: “اختلطت مشاعري إلى درجة لا أستطيع وصفها اليوم بدقة. صوت الجماهير المطالبة برحيل بن علي كان هادراً. ولن أنسى مطلقا علامات الذعر المرتسمة على وجوه رجال الأمن لحظتها خوفاً من مداهمة الداخلية.”

وداعاً للمعتقل

وفي نفس اليوم الذي هرب فيها بن علي ودّع حمة الهمامي المعتقلات نهائياً، وهو ما اعتبره تتويجاً لمسيرته النضالية. وحتى عندما طرحت عليه مسألة التعويضات لسجناء الرأي على سنوات النضال ضدّ الدكتاتورية، أكّد حمة الهمامي أن هروب بن علي وانتصار الثورة هو التعويض لسنوات نضاله الطويلة.

أستاذ الحضارة الإسلامية، الذي أصبح شيوعياً، ظلّ طوال مسيرته السياسية منحازاً للفقراء، مدافعاً عن الطبقات الكادحة. ومنذ تأسيسه لحزب العمّال الشيوعي سنة 1986 دافع بشراسة عن الجهات المحرومة والمهمشة وكان حاضراً في كل محطاته النضالية.

الهمامي والإلحاد

ورغم مصداقيته السياسية وانحيازه للكادحين، فإن حمة الهمامي ما فتئ يثير جدلاً شعبياً كبيراً، بين متحمّسٍ لأفكاره وبساطته وبين متوجّسٍ من تهمة الإلحاد التي تلاحقه. والسبب أفكاره الشيوعية في مجتمع مسلم لا يقبل بسهولة حتى مجرّد الحديث عن الإلحاد.

ولا يجادل حمة الهمامي في هذه المسألة، بل يقول: “لا يمكن أن نكون ضد عقيدة الشعب التونسي، الذي هو مسلم بطبعه”. كما سارع بحذف كلمة “شيوعي” من اسم حزبه، ليصبح حزب العمّال فقط، والذي اندمج فيما بعد في تحالف الجبهة الشعبية، حتى يقطع على خصومه الطريق، بخاصّة وأنهم طالما استعملوا شبهة الإلحاد لتشويه صورته السياسية لدى رأي عام لا يستسيغ مثل هذه التهم، بخاصّة مع  صعود التيار الإسلامي في تونس والذي يسوّق نفسه من خلال معادلة الكفر والإيمان.

أما بالنسبة للهمامي فكان عندما يُسأل بصراحة عن حقيقة إلحاده، فيجيب: “الإلحاد والكفر والإيمان حرية شخصية وقناعات تلزم الإنسان، ولا يحق لشخص آخر التدخّل فيها.”

تحالف باء بالفشل

بالأمس وفي وثيقة 18 أكتوبر/تشرين أول تحالف حمة الهمامي مع حركة النهضة. تحالف مخالف للطبيعة، انضوت تحت مظلته كل الأطياف السياسية على اختلاف مرجعياتها. لكن اليوم نجده معارضاً شرساً للحكومة التي تسيطر عليها حركة النهضة ولسياساتها، ويقرّ بفشلها وتنكّرها للجهات المهمشة والمحرومة التي صنعت الثورة، لكنها لم تجنِ ثمارها.

حمة الهمامي، الذي كان ضد بورقيبة وضد بن علي منذ أيامه الأولى في السلطة، يعد السياسي الوحيد الذي عارض الميثاق الوطني، الذي دعا إليه بن علي في أول عهده. ويواصل اليوم سياسة ضد الدخول في تحالف مع حكومة النهضة، حتى أن بعض خصومه واصدقائه أصبحوا يلقبونه بالسيد “ضد”.