لا يمكن لزائر غريب أن يكتشف أنه أمام روضة للأطفال، فلا وجود هنا لصور ولا ألوان على الجدران ولا حديقة كبيرة للألعاب. فقط لافتة كتب عليها “جمعية قل هذه سبيلي للتوجيه والإرشاد”. هنا في مدينة الحمامات السياحية، والتي تبعد 60 كلم عن تونس العاصمة، تبدو هذه الروضة الإسلامية في غير متناقسة أبداً مع محيطها.

لا يمكن لزائر غريب أن يكتشف أنه أمام روضة للأطفال، فلا وجود هنا لصور ولا ألوان على الجدران ولا حديقة كبيرة للألعاب. فقط لافتة كتب عليها “جمعية قل هذه سبيلي للتوجيه والإرشاد”. هنا في مدينة الحمامات السياحية، والتي تبعد 60 كلم عن تونس العاصمة، تبدو هذه الروضة الإسلامية في غير متناقسة أبداً مع محيطها.

الروضة ليست في الطابق الأرضي مثل ما تفرضه القوانين، بل في الطابق العلوي. مساحة الروضة متوسطة بالنسبة لمثيلاتها؛ المكان نظيف ومرتب وينقسم إلى غرف دراسة وقاعة طعام وفسحة صغيرة مخصصة للعب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات. الأطفال ممنوعون من سماع الموسيقى أو الرقص، لأن ذلك ممنوع ولا يتماشى مع المنهج المعمول به في هذه الروضة.

تأهيل خاص لمعلمي الرياض

“قل هذه سبيلي” أنموذج ذو توجه جديد لرياض الأطفال، التي تعد الصغار لمرحلة التعليم المدرسي. هذا التوجه، الذي يعتمد التعليم الديني عوض التعليم المدني، برز خلال السنة الدراسية الحالية، مستفيداً من مناخ سياسي عام وحكومة تترأسها حركة النهضة الإسلامية.

نبيهة كمون، رئيسة الغرفة الوطنية لرياض الأطفال، نبهت من خطورة المدارس القرآنية واعتبرتها تتاجر باسم الدين وقالت لـ”مراسلون”: “إن هذه المؤسسات تهدّد الطفولة، لأنها تلقّن الأطفال دروساً دينية أكبر من طاقة استيعابهم الذهنية، كما تفرض على الفتيات الحجاب في سن مبكرة، وتعمل على الفصل بين الأولاد والبنات.”

كل المدرّسات محجبات. وتم انتدابهن للعمل بعد إجراء اختبار كتابي ونفساني لهن تحت إشراف “رابطة نور البيان”، التي تعتبر المسؤول الأساسي والمراقب الأول لسير رياض الأطفال ذات الصبغة الرسمية.

ومع ذلك تخضع المدرسات إلى تأهيل مستمر بإشراف رابطة نور البيان. 

يتعين على المشرفة على تعليم الأطفال أن تتمتع بمؤهلات نفسية ومعرفية وتربوية، بل إن “الشهادة العلمية وحدها لا تفي بالغرض”، وإنما عليها أن تكون “متشبعة بالإيمان وعارفة بتفاصيل وجزئيات ديننا الإسلامي.” حسب المسؤولة عن جمعية “هذه سبيلي”.

المنهاج التعليمي يقوم أساساً على تعليم الأطفال القراءة والكتابة بطريقة التهجي، ويمكّنهم من تعلم تلاوة القرآن الكريم مع النطق السليم للحروف، فضلاً عن تعليمهم الوضوء والصلاة والشعائر الدينية (آداب السلام، آداب المسجد، أذكار النوم، أذكار الطعام…) 

أما الأنشطة الترفيهية بهذه المدارس القرآنية فتقتصر على ترتيل قصار السور في القرآن وتلوين رسوم لها علاقة بالإسلام (الكعبة) إلى جانب أناشيد دينية، والاستماع إلى قصص قصيرة ومبسطة عن السيرة النبوية.

“الدوام صباح فقط وعلى مدى خمسة أيام، ويقضي الطفل باقي أيام الأسبوع مع عائلته”؛ هذا ما أكدته السيدة لمياء المسؤولة عن الروضة قبل أن تضيف: ”نحن نوازن بين التعليم وضرورة فسح المجال للطفل للترفيه عن نفسه وتعويض الأشياء التي لا نوفرها له في الروضة ”.

تربية محافظة

إحدى الأمهات أكدت لـ”مراسلون” أن ابنها يحظى بمعاملة طيبة، وأنه “أصبح هادئ الطباع ومهذباً حتى أنه يفتقد الروضة يوم العطلة”، مضيفة أنه أصبح يواظب على الذهاب مع والده إلى الجامع. وتوضح “نحن عائلة محافظة ومتدينة، ومثل هذه الرياض تتماشى مع تربيتنا.”

لكن “مريم”، التي تراجعت عن تسجيل ابنتها بهذه الروضة، كان رأيها مخالفاً تماماً، فهي لا تفكر في تسجيل أولادها بروضة قرآنية، بخاصة بعد ما سمعته وقرأته في الصحف عن المخالفات والمخاطر التي تشكلها بعض هذه الرياض. كما أعربت عن خشيتها من تعرض أحد أبنائها للخطر. 

تقول مريم: “ابنتي صغيرة وبحاجة لأن تحيا حياة عادية كبقية الاطفال، ومسألة الحجاب ليست إجبارية، سأتركها تحدد مصيرها لوحدها حين تكبر. وبالنسبة لديننا الإسلامي أنا ووالدها سنتكفل بتربيتها.”

هدفنا توعوي وليس ربحياً

الجمعية كانت في الأصل “كتّابا”، أي مكاناً يتعلم فيه الأطفال حفظ القرآن. وكان الفصل الواحد يضم نحو خمسين طفلاً. لكن منذ سنة تقريباً، وبإصرار من الأولياء حسب ما صرح المشرفون على الروضة، تحول الكتّاب إلى روضة قرآنية. وقد طلب الأولياء من المعلمين عدم ضرب الأطفال أو تعنيفهم، بل الاقتصار على تعليمهم الدين ووضعهم على الطريق الصحيح.

وفي هذا السياق تقول المسؤولة: ”إن إقبال الأولياء على تسجيل أبنائهم والالتحاق بالروضة كبير، ولكن رغم ذلك فنحن نرفض أن يضم الفصل الواحد أكثر من 15 طفلاً.” وتضيف: “حتى أسعارنا تعتبر معقولة (30 دينار شهرياً، اي نحو 20 دولاراً)، وأنا أستنكر بشدة اتهامنا بالمتاجرة باسم الدين”، وتشدد على أن هدفها تعليمي تثقيفي توعوي قبل أن يكون ربحياً، بخاصة “وأننا هيكل حكومي ملتزم بكراس الشروط ونتقاضى راتباً شهرياً.”

وتؤكد المشرفة على الروضة أن الهدف الأساسي هو تعليم الأطفال والإحاطة بهم من جميع النواحي. وتقول: “نحن نحترم حق الطفل ونسعى لإبعاده عن التجاذبات الإيديولوجية والفكرية المتشددة.” لكنها لا تنفي وجود رياض أطفال تغرس في الأطفال أفكاراً خطرة وتغتال براءتهم.