تعاني تونس في الآونة الأخيرة من تفاقم ظاهرة البطالة، وقد زادت حدة هذه الظاهرة بعد أن خفّضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني (إحدى أهم الوكالات الثلاث الكبرى المتخصصة في تقييم المخاطر المتعلقة بإصدارات الديون سواء للشركات أو الحكومات) في 6 نوفمبر/تشرين ثان 2012 درجة التصنيف الممنوحة لكل من شركة فسفاط (فوسفات) قفصة والمجمع الكيميائي التونسي من درجة مستقر إلى سلبي.

جاء هذا التخفيض إثر تسجيل تراجع في إنتاج شركة فسفاط قفصة، التي تعد أهم مشغل في ولاية قفصة والبالغ عدد سكانها حوالي 350 الف نسمة، وتقع على بعد 500 كلم جنوب العاصمة تونس.  

تعاني تونس في الآونة الأخيرة من تفاقم ظاهرة البطالة، وقد زادت حدة هذه الظاهرة بعد أن خفّضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني (إحدى أهم الوكالات الثلاث الكبرى المتخصصة في تقييم المخاطر المتعلقة بإصدارات الديون سواء للشركات أو الحكومات) في 6 نوفمبر/تشرين ثان 2012 درجة التصنيف الممنوحة لكل من شركة فسفاط (فوسفات) قفصة والمجمع الكيميائي التونسي من درجة مستقر إلى سلبي.

جاء هذا التخفيض إثر تسجيل تراجع في إنتاج شركة فسفاط قفصة، التي تعد أهم مشغل في ولاية قفصة والبالغ عدد سكانها حوالي 350 الف نسمة، وتقع على بعد 500 كلم جنوب العاصمة تونس.  

سياسة توظيف خاطئة

حتى عام 2010 بلغ معدل الإنتاج السنوي للفسفاط نحو 8 ملايين طن، ما جعل تونس تحتل المرتبة الخامسة عالمياً في إنتاج الفسفاط. وبلغت أرباح الشركة 1200 مليون دينار تونسي (حوالي 800 مليون دولار) سنة 2008. 

لكن الإنتاج تراجع إلى 2.5 مليون طن في سنة 2011 وتوقفت العائدات عند 200 مليون دينار (حوالي 130 مليون دولار). إذ توقف إنتاج وتصدير الفسفاط في سنة 2011 عدة مرات بسبب الاحتجاجات والإضرابات التي قام بها عمال الشركة.

[ibimage==3461==Small_Image==none==self==null]

احتجاجات من أجل العمل

أما خلال السنة الجارية (2012)، فقد كان مؤمّل الإنتاج 3.5 مليون طن، لكنه لم يتجاوز 2.5 مليون طن حتى حلول نوفمبر/تشرين ثان.

“هذا مؤشّر خطير على تدهور الوضع الاقتصادي  للشركة، خاصة وأنها مقبلة على توظيف ما يقارب 3000 عامل في سنة 2013، بهدف زيادة إنتاجها إلى 8 مليون طن من الفسفاط لكي تبتعد عن شبح الإفلاس”، يقول مصدّق ونّاس لـ “مراسلون”، وهو نقابي ومهندس بشركة فسفاط قفصة.

ويؤكّد عدد من العاملين بالشركة أنه إذا لم تستعد الشركة عافيتها بالعودة إلى مستوى إنتاج سنة 2010، فإنها ستكون معرضة للإفلاس، ولن تكون قادرة على سداد أجور موظفيها البالغ عددهم قرابة 5000 عامل، ناهيك عن المنتدبين الجدد، الذين لم يباشروا العمل بعد، والمقدر عددهم بقرابة 3000 عامل.”

محاولات لاستيعاب العمال

وحسب المتابعين فإن من بين العوامل التي ساهمت في تدهور الشركة، هي سياسة التوظيف الخاطئة التي اتبعتها الشركة؛ فأثناء اندلاع انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 (احتجاجات المدن المحيطة بمناجم الفسفاط)، قام نظام بن علي، في محاولة للسيطرة على الوضع، بإنشاء شركات مناولة (خدمات) في مجال البيئة. وتم توظيف ما يقارب 2000 شاب، وتكفّلت شركة فسفاط قفصة بدفع أجورهم الشهرية. 

وبعد 14 يناير/كانون ثان 2011 تم الإعلان عن ميلاد شركة الغراسة والبستنة لاستيعاب عمال المناولة في مجال البيئة بعد التخلي عن هذه الشركات. باستثمارات بلغ حجمها مليوني دينار. وتوفر هذه الشركة حوالي 1400 فرصة عمل في المناطق غير المنجمية بالجهة. 

ومنذ أكثر من سنة يُدفع لهؤلاء الشباب أجر شهري بمقدار 300 دينار (200 دولار) تؤمّنها شركة فسفاط قفصة، دون قيامهم بأي عمل في انتظار استكمال معدّات الشركة.

علي الماجد، مهندس مساعد بشركة فسفاط قفصة والكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل، أكّد لـ”مراسلون” مدى خطورة الوضع الذي تعيشه شركة فسفاط قفصة حالياً. 

ويعتبر الماجدي أن الخطورة لا تكمن في فرص العمل الجديدة، وأن الشركة قادرة على توظيف أكثر من هذا العدد دون أن تتعرض لخسائر مادية. ويرى أن المشكلة تكمن “في طريقة الانتداب التي لا تخضع لمعايير فنية”.

ويضيف “منذ الاستقلال (1956) إلى اليوم بقي العمل في الشركة مرتبطاً بالولاءات الحزبية  وترضية العروش (القبائل) على حساب الكفاءات. في حين أنه لو توفّرت الإرادة لأمكن استغلال كل الثروات الطبيعية التي تزخر بها الجهة”.

البحث عن حلول بديلة

في سياق متصل، قامت الجهات المختصّة بشركة فسفاط قفصة بضبط خرائط جيولوجية، تبين الموارد الطبيعية التي تتوفر عليها ولاية قفصة وحوضها المنجمي. وأثبتت تحاليل هذه الموارد أنها ذات خصائص فيزيائية وكيميائية تجعلها صالحة للاستخدامات الصناعية والتطبيقية المختلفة. 

ومن بين هذه الموارد: الصلب النقي (معدن الكوارتز) ومقاطع طبيعية من الحجارة الرخامية بجبل عرباطة والقوسة وبوهدمة، إلى جانب مساحات ممتدة من الثروات من طين الآجر الأحمر في المظيلة ومخزونات هائلة من مادة كربونات الكالسيوم، التي تستعمل في صناعة الورق والدهن والعلف الحيواني والبلاستيك وبعض مواد التنظيف.

من ناحية أخرى قلل باسم كحواش، مهندس معماري ورئيس جمعية “سياحة21” إحدى جمعيات المجتمع المدني النّاشطة بولاية قفصة، من قرار تخفيض درجة التصنيف لشركة فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي، مؤكداً أن القرار لا يبعث على الخوف بقدر ما يحث المسؤولين على البحث عن الطريقة المثلى للاستغلال المجدي للثروات الطبيعية والحضارية الموجودة لإقامة مشاريع تنموية حقيقية قادرة على تخفيف العبء على شركة فسفاط قفصة.

ويضيف لـ”مراسلون”: “قفصة ليست غنيّة بالثروات الطبيعية فقط، بل إنها تمتاز أيضاً بعراقة تاريخها الذي تعاقبت عليه عدة حضارات، كما تعتبر موطن استقرار بشري، إذ يعتبر معلم “القطار” أقدم المعالم الدينية المكتشفة، ويعود إلى ما يقارب 40 ألف سنة  ق.م. وهو معلم يعود إلى العصر الموستيري. كما انتشرت الحضارة القبصية وأثرت في عدة حضارات أخرى”. 

الحل في الإرث الثقافي 

وعن كيفية الاستفادة من هذا الإرث الحضاري، يقول باسم كحواش إن جمعيته عقدت اتفاقية مع عدد من الجمعيات الأوروبية، تتمحور حول نشر السياحة التضامنية عبر تشجيع سكان المناطق الأثرية على إيواء عدد من السيّاح بمحلات سكنهم وتقديم الخدمات اليومية حسب عادات وتقاليد الجهة. “وهي طريقة تشجع سكان الريف على الاستقرار بأراضيهم والمحافظة على هذا الإرث الحضاري” حسب رأيه.

كيف لا، وولاية قفصة تتميز بثراء الموروث التقليدي، وبخاصة الصناعات الصوفية كالبرنس والمرقوم و”القشابية” و”المرقوم البوسعدي” و”الكليم القفصي” و”البطانية”. وفي ظل غياب دعم الدولة بقي الإنتاج مقتصراً على الاستهلاك الشخصي.

ويقول كحواش محذراً: “إن كنا سنستغل المعالم التاريخية والثروات الطبيعية الموجودة استغلالاً مفرطاً على شاكلة استغلالنا للفسفاط، فإنه من الأجدر أن نبقي عليها كما هي، لعلّ أجيالنا القادمة تحكم الانتفاع بها أفضل منا.”

وسبق لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن اختارت واحة قفصة القديمة لتنفيذ مشروع عالمي للمحافظة على المنظومات الزراعية بالواحات وحسن التصرف فيها. ويعزى اختيار واحة قفصة إلى جانب خمس واحات أنموذجية أخرى بكل من الجزائر والصين والبيرو بالنظر إلى خصائصها المميزة من حيث التنوع البيولوجي، وبالرّغم من كل هذه الثروات والإمكانيات المتاحة، يبقى حلم شباب قفصة الأول والأهم للخروج من أزمة البطالة وتحسين مستوى عيشهم هو العمل في شركة فسفاط دون سواها.

ولعل أفضل تجسيد لأهمية هذه الشركة في عيون أبناء الجهة هو نقل صورة عنهم من طرف المخرج التونسي الشاب سامي التليلي في شريط وثائقي أنجزه هذه السنة وحاز جوائز عديدة. وقد اختار له عنوان “يلعن بو الفسفاط”.