ها هي مُستعمرة الجذام علي بعد 2 كيلو من الطريق الرئيسي لمنطقة العامرية غرب مُحافظة الإسكندرية، تحوطها من كل مكان الأشجار الكثيفة المزروعة بثمار التين والصبار والبصل، وهي نتاج عمل المرضى بهذه الأرض على مدار عقود طويلة. أما بالنسبة لحجرات المرضى فهي مجرد عنابر مبنية منذ أكثر من مائة عام بالطوب الأبيض علي يد الاستعمار الانجليزي وقت انشاء المستعمرة.

في الوهلة الأولي تظن أن هذه المُستعمرة مهجورة تماماً فلا يوجد بها حراسة أمنية ولا أطباء ولا تمريض يعترضك أثناء الدخول.

مكان عفى عليه الزمن

“إحنا بنعيش والمسئولين بـيحاولوا يقضوا علينا وكأننا جراد.” هكذا بدأ الحاج محمود علي، 69عاماً، أحد مرضى الجذام، حديثه. واستطرد: “المُستعمرة العلاج فيها ناقص ونضطر لشرائه علي حسابنا الشخصي من خلال تبرعات أهل الخير، ولا يوجد بها مياه للشرب. فالمياه تأتي ساعة واحده في الصباح ثم تنقطع مما يعرض زراعتنا للموت ويعرضنا للجفاف. والكهرباء تنقطع بشكل مُستمر فنعيش أيام كثيرة في الظلام الدامس.”

قد تبدو هذه قصة من قصص الاهمال “العادية” التي تشهدها مؤسسات الرعاية الصحية العامة على مستوى الجمهورية. لكن حالة مستعمرة الجذام ذات أبعاد إضافية، فاستمرار وجودها في حد ذاته ينم عن معاملة غير إنسانية، وهو ما يلخصه الحاج محمود، قائلا:  “لم أخرج يوماً من هنا، ليس منعاً من الأطباء ولكن خوفاً من المُجتمع.”

أطباء: لا حاجة لها

فحسبما يشرح الدكتور وجيه عبد العزيز، استشاري الأمراض الجلدية والُجذام بجامعة الإسكندرية، فإنه لابد من غلق المُستعمرات لأنه بات علاج المرض أسهل من السابق بسبب توافر العلاج لمرض الجذام، المشكلة الوحيدة تكمن في ارتفاع سعره.

وعليه فإن عدد المرضى في المُستعمرتين المتبقيتين في مصر – في العامرية بالأسكندرية والعباسية بالقاهرة – في تراجع مستمر، حتى أن غالبية المرضى الموجودين يرجع تاريخ استقبالهم إلى عقود مضت. أي أننا أصبحنا أمام مكان لإيواء أشخاص لفظهم ذويهم وفقدوا الأهلية الاجتماعية مع مرور الوقت، أكثر مما هي مستعمرة بمفهومها الطبي.

يقول عبد العزيز: “لا يوجد جيل جديد للمرضى بالشكل الذي يجعل وجود المُستعمرة هاما بهذه الدرجة، لذا أطالب الدولة بتوفير مساكن بديلة للمرضي الكبار السن الموجودين بالمُستعمرات لكونهم فقراء لا يملكون شيئا مع دعمهم ماديا.”

مستعمرة الجذام.. أحياء ينتظرون الموت

ويؤكد الحاج محمود أن لديه أسرة وأولاد 3 ولكنهم لم يأتوا للسؤال عليه منذ أكثر من 30 عاماً ونفروا منه تماماً خوفا من العدوى.

وكذا الحاج محمد هنداوي، 82 عاماً، فلا أحد من أسرته يسأل عليه منذ أكثر من 52 عاماً بسبب خوفهم من المرض.

ويقول هنداوي، أنه منذ جاء إلي المُستعمرة لم يقوَ يوماً علي الخروج منها بسبب نظرة المُجتمع له وشعوره بأنه غير مرغوب فيه، لذا يقضي يومه في الصباح يقوم بالعمل في فلاحة المُستعمرة وزراعتها بثمار البصل والتين والصبار والطماطم، خاتماً حديثه بجملة “نحن نعيش ونتنفس حتى لا نموت.”

تصوير: أحمد ناجي دراز