“أحلم أن تتوج هذه العلاقة وترى النور يوماً ما. وأن يصبح بإمكاننا ممارسة حياتنا مع بعضنا البعض دون خوف أو رهبة. أحلم بأن نتزوج”. هكذا تحدث حمدي عن علاقة الحب التي تربطه بأشرف. وهكذا بدأ اللقاء مع أشرف وحمدي، شابين تونسيين، ينتميان إلى طبقة اجتماعية متوسطة.

يقول أشرف وحمدي لـ”مراسلون” إنهما مغرمان ببعضهما ويحلمان بتتويج هذه العلاقة في يوم ما بالزواج، والعيش مع بعضهما البعض وتجسيد هذا “الحب المشترك” على أرض الواقع. 

السفر لتحقيق “الحلم”

“أحلم أن تتوج هذه العلاقة وترى النور يوماً ما. وأن يصبح بإمكاننا ممارسة حياتنا مع بعضنا البعض دون خوف أو رهبة. أحلم بأن نتزوج”. هكذا تحدث حمدي عن علاقة الحب التي تربطه بأشرف. وهكذا بدأ اللقاء مع أشرف وحمدي، شابين تونسيين، ينتميان إلى طبقة اجتماعية متوسطة.

يقول أشرف وحمدي لـ”مراسلون” إنهما مغرمان ببعضهما ويحلمان بتتويج هذه العلاقة في يوم ما بالزواج، والعيش مع بعضهما البعض وتجسيد هذا “الحب المشترك” على أرض الواقع. 

السفر لتحقيق “الحلم”

وما يجعل أشرف وحمدي مختلفين عن سائر الشباب، هو أنهما مغرمان ببعضهما البعض ولم يضعا أي حاجز لكبح هذه العلاقة، التي تبدو شاذة وغير مقبولة في مجتمع تقليدي ومحافظ يرفض مثل هذا النوع من العلاقات، وفي بيئة سياسية يسيطر فيها الإسلاميون على الحكم في تونس. 

“لقد فكرنا ذات مرة أن نترك هذه البلاد، بما فيها من مشاكل وعقد ونهرب إلى بلد أوروبي، تسمح قوانينه بالزواج المثلي. لكن خشينا من استحالة إتمام مراسم زواجنا لأننا أجانب”، يقول حمدي. ويتدخل أشرف ليؤكد أنهما فكرا في العديد من الحلول لضمان العيش مع بعضهما البعض، لكن كل الطرق كانت مسدودة.

في إحدى الزوايا المظلمة لمقهى هادئ وغير مليء بالرواد في وسط العاصمة تونس جلس “العشيقان” على أريكة ضيقة جنباً إلى جنب، وكانا يتبادلان نظرات الإعجاب، فيما اشتبكت أصابعهما ببعض في مشهد حميمي. يتذكر حمدي بداية هذه العلاقة وتفاصيل نشأتها: “من أول نظرة شعرت بانجذاب نحو أشرف، كان ذلك ذات يوم خريفي قبل خمس سنوات. في أحد شوارع العاصمة تونس، لما التقيت شاباً وسيماً، فشعرت نحوه بانجذاب كبير”. ويضيف أنه لم يدرك كيف تعاظمت جرأته ليقترب من أشرف ويطلب منه ولاعة، فلبى أشرف طلبه بابتسامة “خاصة” جداً أدرك من خلالها حمدي أن هناك ميولاً لم يفهم سره في لحظتها.

وكانت الأقدار، وحدها كما يقول، هي التي مكنته منذ خمس سنوات بلقاء أشرف الذي يشاركه الأحاسيس ذاتها.

يتدخل أشرف ليضيف: “منذ الطفولة كان لدي انجذاب كبير نحو الذكور. وعندما قابلت حمدي أدركت أنه سيكون الشريك المناسب لي. ومنذ اللقاء الأول أحسست براحة كبيرة معه وشعور لم أعرفه سابقاً. لم يكن يدر في ذهني أن هذه العلاقة غير شرعية أو محرمة بقدر ما رغبت في أن أكون معه”.

لسنا دعاة انحراف


كانت المواعيد الغرامية تجري في سرية تامة ودون أن يلحظ أي أحد وجود علاقة غير طبيعية بينهما. وكلما التقيا في أماكن عامة كانا يتصرفان وكأن علاقة صداقة فقط تربطهما ببعضهما البعض، هكذا أكد حمدي. ويضيف: “إن أشد ما يؤلمني هو بقاء هذه العلاقة سرية؛ وكثيراً ما تلح علي أسئلة مقلقة بخصوص قدرتنا على الاستمرار في هذه العلاقة، فرغم كل الاحتياطات، إلا أنني أحس بنوع من نظرات الريبة من بعض الأشخاص كلما التقيت بأشرف”.

ويعتبر حمدي أن هذه العلاقة ليست جنسية فحسب أو مرضية مثلما يعتقد البعض، ولكنها علاقة حب وتآلف وتكامل، ويقول: “كلما حرصت على إخفاء مشاعري نحوه في الأماكن العامة، لم أقدر على كبح جماحها. وفي بعض الأحيان أجد نفسي محرجاً وقلقاً للغاية وكأنني ارتكبت جرماً فضيعاً، لأعود وأشدد على أشرف بضرورة المحافظة على هدوئنا وعدم الانجراف وراء مشاعرنا، بل يجب أن تكون كل حركاتنا وتصرفنا، كلما التقينا، محسوبة”.

وهنا يتدخل أشرف: “لماذا لا يحترمنا المجتمع ويحترم خصوصياتنا، فنحن موجودون وأمثالنا كثر في تونس؛ وهذا واقع لا يمكن الهروب منه، فهذه الفئة من المجتمع هي أكثر احتراماً للناس ولخصوصيات الآخر. ونحن لم نختر طواعية اتجاهاتنا الجنسية. ورغم أن البعض يعتبر هذه العلاقات انحرافاً سلوكياً وأخلاقياً، إلا أنها في الأصل علاقة عادية وخاصة يسودها الحب بالأساس”.

قبل أن يضيف بلهجة حادة: “نظرة المجتمع لا ترحم، والعقلية العربية التقليدية لم تستوعب ذلك بعد. نحن لا نطالب أي كان باتباع أسلوبنا في العيش، ولسنا دعاة فساد أو انحطاط أخلاقي، فنحن نؤمن بالله ونحترم ديننا، ولكن غرائزنا وميولاتنا وأفكارنا قادتنا إلى هذه العلاقة”.

حياة طبيعية مع الآخر


بعد تناول بعض المشروبات أبى حمدي إلا أن يمنح أشرف قبلة حميمية، وكأنه يعبر له عن سعادته بما قاله بخصوص هذه العلاقة واستعداده التام للدفاع عنها.

تسود لحظات من الصمت بالمكان، ويزداد حمدي تشبثاً بيد أشرف كمن يقاوم سيلاً جارفاً. في الأثناء يزداد عدد زوار مقهى “الموعد”، أغلبهم من فئة شباب. وفي كل زاوية يجلس زوجين من الشباب، فتى وفتاة. لا يزال حمدي متشبثا بأشرف. أما هذا الأخير، فعيناه شاردتان في وجوه القادمين.

وفجأة يبتسم أشرف ويلوح بيده “هاااااااااااااي”. إنه يلقي التحية على زوجين من المثليين. تتغير ملامحه كمن جاءه دعم، قبل أن يسترسل في الحديث ليشير إلى أنه غير مستعد بالمرة للبقاء فترة طويلة دون أن يلتقي ولو لفترة قصيرة بحمدي؛ ويضيف بنبرة حزينة: ” للأسف الشديد فإن اللقاء بيننا يقتصر على بعض الوقت أسبوعياً. ومن النادر جداً أن نقضي ليلة بأكملها مع بعضنا البعض، بحكم ارتباطي الكبير بأفراد العائلة.”

عائلة أشرف كما عائلة حمدي لا تعرفان أي شيء عن طبيعة العلاقة التي تربطهما ببعض، فمعرفة هذه الحقيقة قد تكون بمثابة الصدمة للعائلتين، كما قالا.

يقول حمدي إنه فكر في الكثير من الأحيان بالاستقلالية عن العائلة والسكن بمفرده حتى يتمكن من اللقاء بعشيقه في أي وقت وفي أي مكان، لكنه يستدرك بأن وضعه المادي لا يسمح بذلك.


الحاضر صعب والمستقبل غامض

وفي ظل صعود حزب ديني إلى سدة الحكم في تونس، أصبحت خشية حمدي وأشرف مضاعفة. مما جعلهما يقلصان من فترات لقاءاتهما الحميمية. العشيقان متخوفان من أن التيارات المتشددة لا تتسامح مع هكذا علاقات ولا تتفهمها. 

ويقول حمدي إن نفوذ الإسلاميين في الحياة العامة أصبح واقعاً لا مفر منه، ليس فقط على المثليين وإنما حتى على النساء. وتوقع أن تجبر المرأة في تونس على اتباع نمط عيش إسلامي في المستقبل القريب، وبخاصة لو فازت النهضة في الانتخابات القادمة.

يداعب أشرف رفيقه ويرجوه مبتسماً أن يختلف معه في التوصيف: “المجتمع برمته لا يقبل حرية المثليين ولا يتسامح معهم”. لكنه يوافق أن الأمر أصبح أكثر صعوبة بقدوم الإسلاميين. ويضيف “أصبحنا في الظرف الراهن نشعر وكأننا مستهدفون ومهددون بالقتل إذا تم كشف طبيعة علاقتنا، فالمجتمع التونسي لم يكن في السابق يقبل مثل هذه النوعية من العلاقات، فما بالك بالوضع الحالي الذي أصبح أكثر خطورة بعد انتشار ظاهرة التيارات الدينية المتشددة”.

من ناحية أخرى بدأت مؤخراً حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت للمطالبة بحقوق المثليين، لكنها وجدت ردود فعل رافضة كلياً لها. ولا يأتي هذا الرفض من الإسلاميين فقط، وإنما من قطاع واسع من المجتمع التونسي أيضاً.

وفي انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في 23 أكتوبر/تشرين أول 2011، ركزت المواقع المقربة من حركة النهضة جزءاً من حملتها الانتخابية على أن العلمانيين والشيوعيين يدافعون على المثليين، ويهددون المجتمع والعائلة. الأمر الذي دفع بالعديد من الناشطين السابقين في مجال حقوق الانسان والمترشحين للانتخابات إلى درء هذه “التهمة” والتنصل منها بأي شكل كان.