مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي، هو مناضل حقوقي قاوم نظام بن علي في سنوات قوته، وكان أميناً عاماً لحزب التكتل من أجل العمل والحريات، الذي أوصله إلى سدة رئاسة التأسيسي بعد مشاركته في الائتلاف الحاكم إلى جانب حزبي النهضة والمؤتمر.

لكن بن جعفر يواجه لوماً وعتباً شديدي اللهجة من قبل أنصاره الذين يرون أنه تنكر لمبادئه قبل أن يكون تحت عباءة النهضة، ولو أنه يحسب له صموده في وجه كل من حاول المس من الفصل الأول من دستور تونس الذي ينص على مدنية الدولة.

مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي، هو مناضل حقوقي قاوم نظام بن علي في سنوات قوته، وكان أميناً عاماً لحزب التكتل من أجل العمل والحريات، الذي أوصله إلى سدة رئاسة التأسيسي بعد مشاركته في الائتلاف الحاكم إلى جانب حزبي النهضة والمؤتمر.

لكن بن جعفر يواجه لوماً وعتباً شديدي اللهجة من قبل أنصاره الذين يرون أنه تنكر لمبادئه قبل أن يكون تحت عباءة النهضة، ولو أنه يحسب له صموده في وجه كل من حاول المس من الفصل الأول من دستور تونس الذي ينص على مدنية الدولة.

بن جعفر خصّ “مراسلون” بهذه بهذه المقابلة، ليطلعنا على أسباب تأخر صياغة دستور جديد لتونس وعلى إعادة تشكل الخارطة السياسية، إضافة إلى اللوم الموجه لحزب التكتل من قبل أنصاره الذين يتهمونه شخصيا بالخضوع لطغيان النهضة وتنكره لمبادئه الديمقراطية. كما تطرق بن جعفر إلى إمكانية ترشحه لرئاسة الجمهورية وإلى مستقبل تحالف حزبه مع حزب النهضة. وفي ما يلي نص الحوار: 

س –  أين وصل نواب المجلس التأسيسي في كتابة الدستور؟

ج-  لقد انكبت اللجان الدستورية على مناقشة وصياغة مسودة الدستور منذ شهر فبراير/شباط الماضي، ومن ثم وضعنا المؤسسات الدستورية. كما انطلقت في منتصف فبراير/شباط كذلك جلسات استماع خصصت للحوار مع المجتمع المدني والمنظمات المهنية، انتهت إلى تقديم المسودة الأولى في شهر أغسطس/آب. وقد بدأنا في إنجاز المسودة الثانية، وعند الانتهاء منها سنعرضها على النقاش في جلسة عامة للمجلس التأسيسي. 

ثم بعد النقاش العام ستتم الصياغة النهائية للدستور بعد الأخذ بعين الاعتبار كل المقترحات، بما فيها الاقتراحات التي ستقدم في الحوار الوطني على مستوى ولايات الجمهورية من 4 الى 25 نوفمبر/تشرين ثان 2012. وستساعد هذه العملية على أن يجسد الدستور اهتمامات الشعب وطموحاته إلى أقصى حد ممكن.    

لقد بلغنا مرحلة متقدمة، ففي شهر ديسمبر/كانون أول ستتم مناقشة قانون المالية للعام المقبل، وبالتالي ستتوقف كتابة الدستور، على أن تُستأنف في بداية يناير/كانون ثان. وفي نهاية يناير/كانون ثان 2013 سيكون لتونس دستور مصادق عليه.

وهنا لا بد من التذكير ببعض أسباب التأخير، وهي بقية المهام الموكلة إلى المجلس. فبالإضافة إلى كتابة الدستور، فإن المجلس التأسيسي مطالب بالتشريع وبمراقبة الحكومة وعقد جلسات خاصة لمساءلتها في كل حادثة جديدة تطرأ على البلاد. وكل هذا على حساب مهمتنا الأصلية وهي كتابة الدستور.   

س- كان لك دور هام في المحافظة على صياغة الفصل الأول من الدستور. فهل هو اتفاق نهائي بشأنه أم مازالت مدنية الدولة مهددة في تونس؟

ج- بالنسبة للفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”، لا أتصور أن أي طرف سياسي يفكر في التراجع عنه.  فمدنيّة الدولة مضمونة إن لم تقوّض بفصول أخرى، إذ يمكن وضع مصطلحات أو مضامين تجعل هذه المدنيّة محل شك. وبالتالي فإن اليقظة ضرورية بتكاتف جهود كل الأطراف من أحزاب سياسية ومجتمع مدني. 

س- بخصوص عمل اللجان وتحديد لجنة الهيئات الدستورية داخل المجلس، لماذا جاء الحسم متأخراً في هيئة الانتخابات؟ وهل من شأن ذلك أن يؤثر سلباً على الموعد الانتخابي المقبل؟

ج-  هذا صحيح. أعتقد أنه كان من الأفضل الفصل في هذه المسألة خلال شهر مايو/أيار أو يونيو/حزيران. لكن اليوم المشروع بين أيدينا ولا أظن أن الوقت فات، بخاصة وأن الهيئة القادمة لن تنطلق من الصفر، وستعتمد على كل المعطيات والكفاءات التي وفرتها الهيئة السابقة التي أنجزت مهمتها بنجاح. وتبقى المهمة الصعبة في حث قرابة أربعة ملايين تونسي، لم يسجلوا في الانتخابات السابقة، على المشاركة هذه المرة. وفي كل الحالات سنجري الانتخابات في الموعد المحدد لها (شهر يونيو المقبل).

س- لاحظنا كثرة تغيب أعضاء المجلس التأسيسي عن الجلسات، فهل من إجراء للحد من ذلك؟

ج- تثار هذه النقطة نتيجة الشفافية التي المعمول بها من قبل المجلس التأسيسي، فجلساته تبث مباشرة على التلفزيون. وهذا من شأنه أن يساعد على تحفيز أعضاء المجلس وحثهم على احترام التوقيت والحضور والمشاركة الفعالة. وهذا لا يمكن أن يغطي المجهودات الجبارة التي يقوم بها النواب، إذ يشاركون في عشرات الجلسات العامة بمعدل ست إلى عشر ساعات يومياً، فضلاً عن مئات الجلسات على مستوى اللّجان. 

س-  لقد انتخب المواطنون أعضاء المجلس التأسيسي على مبدأ القوائم، فإذا بهم يغيرون توجهاتهم بالانتماء إلى أحزاب أخرى. هل يبدو هذا الأمر جائزاً أم هو خطأ قانوني؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا التخبط الحاصل؟ 

ج- بالتأكيد تعتبر هذه “السياحة السياسية” ثغرة قانونية، وهي ناتجة ربما عن سهو في بداية هذه التجربة الديمقراطية. وتبقى هذه المسألة “حالة أخلاقية”. والغريب في الأمر أن بعض النواب يغيّر توجهاته 180 درجة، فيتحول من حزب إلى عكسه تماماً على مستوى المبادئ والمشروع. 

س- قسم من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية يدفع نحو فرض شروط من أجل بقائه في الترويكا الحاكمة، وأهمها تحييد الوزارات السيادية ووضع حد للفوضى وحل رابطات حماية الثورة، فكيف ترون ذلك؟

ج- إن الشروط توضع قبل الدخول في تحالف. وأرى أن أسلوب بعض أعضاء المؤتمر في وضع شروط جديدة غير مطمئن من حيث استقرار الترويكا وتواصل الائتلاف؛ فمن غير المعقول أن يطلب هؤلاء الاستقرار وهم يساهمون في عدم استقرار الحكومة.  

أما بالنسبة لحزب التكتل (حزب بن جعفر)، فكلما تقدمنا في مسار، نقوم بعملية التقييم للمرحلة السابقة. وأعتقد أن الوقت مناسب لمحاسبة أنفسنا وتحديد العيوب ومراجعتها بكل شجاعة. 

س- هل سيستمر تحالف حزب التكتل مع النهضة؟

ج-  في هذه المرحلة سيستمر تحالفنا معهم وسنقوم بتقييم التجربة عند اعتقاد مؤتمر حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات في أواخر شهر يناير/كانون ثان 2013. وسنحدد موقفنا بالنسبة للانتخابات القادمة، وسيكون للمؤتمرين الكلمة الأخيرة بخصوص تواصل هذا التحالف أو عدمه. 

س- وهل ستترشح لرئاسة الجمهورية؟

ج- إن الحملات الانتخابية لم تنقطع أبداً لدى البعض. لكن بالنسبة لنا فنحن في هذه المرحلة منشغلون بكتابة الدستور فقط. وعلى الصعيد الشخصي فإن مسألة الترشح للرئاسة ليست مطروحة في هذه الفترة، ولكنها ليست مستبعدة وستطرح في الوقت المناسب عندما يحدد النظام السياسي للبلاد قبل كل شيء، فمن غير المعقول الترشح للرئاسة ونحن لم نحدد نظامنا السياسي.  

س- بماذا تفسرون كثرة الاستقالات في صفوف حزب التكتل؟

ج – الكل يتحدث عن الاستقالات ولا يتحدث عن الوافدين إلى حزب التكتل، وهذا شيء طبيعي، لأن التكتل مستهدف من بعض الأطراف، بحيث يعتبر البعض أن التكتل لم يكن في مستوى التوقعات وأن حزب النهضة مهيمن على الحكومة باحتلاله كل المناصب الهامة. وهذا غير صحيح من وجهة نظرنا. والتاريخ هو الذي سيؤكد نجاحنا بنجاح المصلحة الوطنية. 

أما بالنسبة لبعض مناضلي الحزب، وخاصة من لم يصبروا، ويرون أن السياسة إما ابيض أو أسود، فهم مخطئون لأن السياسة يطغى عليها اللون الرمادي أحياناً. لذلك يجب تقديم تنازلات حتى تسير القافلة، وهذا ما لم يفهمه البعض. وأنا واثق من أن هؤلاء سيتراجعون عن موقفهم ويرجعون إلى صفوف حزب التكتل. 

س- ما الذي يجعلك واثقاً من ذلك؟ 

ج – لأن التكتل حزب له تاريخ وليس كالأحزاب الجديدة. كما أن له مشروعاً واضحاً. وبالنسبة للاستقالات، لا يوجد حزب في تونس لم يشهد مثل هذه الانقسامات، ماعدا حركة النهضة لأن أعضاءها يمتلكون ثقافة الانضباط أكثر من الأحزاب الأخرى.  

س- أعلن عصام الشابي من الحزب الجمهوري عن تشكيل جبهة وطنية للقوى الديمقراطية والمجتمع المدني للدفاع عن الحريات والوقوف في وجه العنف. هل ستكونون ضمن هذه الجبهة؟

ج-  أعتقد أننا لسنا في عهد الطاغية بن علي لنقوم بجبهة للدفاع عن الحريات، وأعتبر أن هذه الجبهة لا معنى لها في ظل التطورات التي تعيشها تونس ومناخ الحرية الذي لم تشهده بلادنا في أي فترة من تاريخها، ولا يمكن التشكيك في ذلك. 

س- لكن لا يزال هناك خوف على الحريات. كما أن دسترة الحريات لا تزال محل جدل كبير داخل أوساط المثقفين والفنانين والحقوقيين. فهل ستقع مراجعة الفصل 26 وحذف الاستثناءات التي تحد من الحريات بحجة الأمن العام والنيل من المقدسات؟

ج – لا بدّ من التوفيق بين ضمان الحريات واحترام المقدسات. وهذا لا يطرح أي إشكال، بل إن المشكلة الأصلية تكمن في إيجاد صياغة دقيقة لا تحمل ضبابية أوتكون مختلة، فتنطوي على تأويلات متناقضة أحياناً.