لم يعد لدي الديكتاتور سوي صندوقه السري، ها هو يشعر بالذعر في القصر الرئاسي، يقترب منه واحد أو اثنان من مستشارين يشعرونه بالامان ويصنعون له صورة العالم، وفي ذعره كان لابد أن يفتح الصندوق ويخرج أسلحته ليقضي نهائيا علي من يتربصون به.

هؤلاء أنواع من بينهم مؤسسات الدولة التي تقاوم اجتياحه من اليوم الاول وأهمها: القضاء، ومعارضة مدنية تبني تنظيماتها على ركام سقطاته السياسية، وعدم قدرته علي طرح مشروع عبور من الاستبداد للديمقراطية.

لم يعد لدي الديكتاتور سوي صندوقه السري، ها هو يشعر بالذعر في القصر الرئاسي، يقترب منه واحد أو اثنان من مستشارين يشعرونه بالامان ويصنعون له صورة العالم، وفي ذعره كان لابد أن يفتح الصندوق ويخرج أسلحته ليقضي نهائيا علي من يتربصون به.

هؤلاء أنواع من بينهم مؤسسات الدولة التي تقاوم اجتياحه من اليوم الاول وأهمها: القضاء، ومعارضة مدنية تبني تنظيماتها على ركام سقطاته السياسية، وعدم قدرته علي طرح مشروع عبور من الاستبداد للديمقراطية.

المرسي ليس إلا مندوبا أرسلته الجماعة في مهمة واحدة للقصر الرئاسي، ليس له طموح شخصي، ولا متعة خارج خدمة الجماعة، وهذا ما يجعله معزولا في قصره, ترسم له القلة الصغيرة المصطفاة أشباحا تحبك مؤامرتها في الظلام لاسقاطه.

هنا لم يعد لدى المرسي مجالا إلا إشهار السلاح الاخير، بإسكات كل الأصوات حوله، وإقامة كردونات تحاصر كل من يحاول تعطيل سلطاته.

ولأنه مذعور، وعصبي، فقد أمعن في تحصين ذاته إلى درجة رسمته الها لا يعترض أحد على قراراته، ولا يقترب أحد من ذاته المصونة.

الالوهية المباغتة لم تدر في خيال أشد المعارضين لحكم المرسي و جماعته، فاق العبث الصادر من الصندوق كل نظريات الجنون والخبل بالسلطة أو شهوانية الجماعة في تأسيس دولة القبيلة الواحدة بالتدريج.

مرسي صدر إعلانه بعد أن استدعت الجماعة جماهيرها، في فضح علني للنزوع الفاشي الذي وضع به حسن البنا اللبنة الاولي في أول تنظيم يعتبر الدولة الحديثة “قطع طريق” على أستاذية دولة الخلافة، أو الركن السادس كما سماها متطرف هنا أو هناك.

النزعة الفاشية ظهرت مع إحساس المرسي بالخطر، وعودته إلى الصندوق الذي يتسلمه أصحاب المهام الخاصة في تاريخ الجماعة، وهذا ما أثار الرعب عند من يكشفون هذه النزعة بالوعي أو بالغريزة التي تحركت من تجرؤ رئيس على إعلان الوهيته السياسية بعد سنتين من تحطيم إله ظل راقدا علي الحكم اكثر من ٣٠ سنة. كيف تعيد بناء ديكتاتورية جديدة بعد ثورة دفع فيها الشعب فاتورة الدم لينهي عصر الديكتاتوريات ويدخل عصر الديمقراطية؟

الفراعنة يولدون من الشعور بالذعر، الجنرالات بعد ١٩٥٢ دبروا مظاهرات شعبية تهتف ضد الديمقراطية خوفا من عودة محترفي النظام القديم، وبدلا من تأسيس نظام ديمقراطي، بنى الجنرالات أسوارهم حول المجتمع، خوفا عليه، أو منه، ووضعوا الدولة كلها تحت الوضع الاستثنائي أكثر من ٦٠ عاما. وهذا ما كرره المرسي في أزمة الإعلان الدستوري التي قرر فيها أن يحل مشكلة (أحكام المحكمة الدستورية) بإشعال الحريق في البلد كلها، وبدلا من التقسيم المتدرج للمجتمع والدولة بين قوى الخير وقوى الشر، أو المؤمنين الذين يطالبون بتطبيق الشريعة والعلمانيين الكفرة اعداء الاسلام، وبين أصحاب الأغلبية الذين يعرفون الشعب وينزلون للصناديق أفواجا دفاعا عنهم وبين نخبة غارقة في أهدافها البعيدة عن الشعب وهزائمها، وتنتهي هذه الثنائيات بأكثرها فجاعة وهي بين الاخوان ومن يشعرون بالحقد والغيرة منهم.

إنها القبيلة التي يمثل حكمها العودة الي “الاسلام”، وهو الخطاب المضمر منذ تأسيس الجماعة وعبر مسيرتها التي انتقلت فيها من التطرف إلى الاعتدال لكن ظلت الدولة الحديثة هدف الهجمات التدميرية.

الخوف عل مكان القبيلة في بناء للدولة يضمن لها الوضع المميز دائما، هو ما جعل المرسي يكشف عن صندوقه بدون انتظار للتحالف مع قوي سياسية أو ظهير من مؤسسات الدولة. ربما يراهن على حمايته للشرطة وعدم اقترابه منها، لكنه تحالف غير مؤكد ولا مضمون بعدما تحول الغضب إلى حرب شوارع وانقسام بين طرف فيه الاخوان وطرف فيه الجميع. وهو ما ينذر بالعنف الأهلي الذي تصور الاخوان دائما أنهم قادرين على حسمه السريع بينما لا يقدرون على استمرار الصدام فترة طويلة. خاصة مع ظهور قوي أخرى لديها القدرة في لحظات الخطر علي استخدام العنف.

هل الديكتاتور ينتحر باعلانه؟

أم هي تسريع لمواجهات في تصور بامتلاك قدرة علي الحسم وإنهاء “العنف الاهلي” بالاخضاع مرة واحدة وللابد؟

لا نعرف كيف يفكر المرسي لحظة اطلاق صدمته، لكننا نعرف أن  قنبلته انفجرت أولا بين أصابعه.