في كل رأس سنة هجرية تتجه الأنظار في تونس إلى مدينة نابل جوهرة الوطن القبلي، والتي تبعد نحو 70 كم جنوب شرق العاصمة. فقبل نحو أسبوع على رأس السنة يبدأ أهالي المنطقة احتفالاتهم فيما بات يُعرف بـ”مهرجان عرائس السكر”، إذ تُزين المدينة وينتشر الباعة على جنبات الطرقات، بحيث يتفننون في عرض منتجاتهم، ومن أبرزها عرائس السكر والحلوى والفواكه المجففة. مما يجعل الزائر يقف منبهراً بما يشاهد وحائراً بين ما سيختار وما سيترك؛ وبخاصة السياح الأجانب، الذين باتوا يحضرون خصصياً إلى المنطقة ليتعرفوا على هذه الطقوس المحلية، ما يدر على المنطقة أرباحاً مادية أيضاً.

في كل رأس سنة هجرية تتجه الأنظار في تونس إلى مدينة نابل جوهرة الوطن القبلي، والتي تبعد نحو 70 كم جنوب شرق العاصمة. فقبل نحو أسبوع على رأس السنة يبدأ أهالي المنطقة احتفالاتهم فيما بات يُعرف بـ”مهرجان عرائس السكر”، إذ تُزين المدينة وينتشر الباعة على جنبات الطرقات، بحيث يتفننون في عرض منتجاتهم، ومن أبرزها عرائس السكر والحلوى والفواكه المجففة. مما يجعل الزائر يقف منبهراً بما يشاهد وحائراً بين ما سيختار وما سيترك؛ وبخاصة السياح الأجانب، الذين باتوا يحضرون خصصياً إلى المنطقة ليتعرفوا على هذه الطقوس المحلية، ما يدر على المنطقة أرباحاً مادية أيضاً.

“الله لا يقطعنا عادة”

اعتاد أهالى المدينة (النوابلية’) وككل نهاية سنة هجرية أن تقوم ربة المنزل بإعداد كسكسي بالقديد والعصبان المجفف والبيض والزبيب. فيجتمع أفراد العائلة والجيران في ليلة رأس السنة الهجرية، ويقومون كما جرت العادة، بتزيين مثرد الكسكسي بالحلوى والفواكه المجففة مع وضع عروس السكر في وسط طبق الكسكسي. وتحصل الفتيات على عروسة، أما الفتيان دمية على شكل حيوان، كل حسب رغبته لإدخال الفرحة والبهجة إلى قلوبهم.

[ibimage==3409==Small_Image==none==self==null]

دمية على شكل حيوان

تقول الحاجة زهرة، وهي سيدة تجاوزت الستين من العمر: “نحن بالتحضير لهذا اليوم الذي ننتظره بفارغ الصبر.” وتتابع ضاحكة: “صدقوني أنا أنتظر عروس الحلوى وأقوم باقتنائها شخصياً لأحفادي وطبعاً لي أيضاً لأزين بها المثرد قبل أكله، فأنا أفرح بالعروس أكثر من الأطفال حتى، إذ لا طعم لرأس السنة إذا غابت عروس السكر، فهي عادة “الأجداد” ونحن نستبشر بها خيراً. ربي يحينا لأمثاله والله لا يقطعنا عادة.”

وتضيف: “نحن نزين الكسكسي بعروس الحلوى التي لا نأكلها يومها، بل نخبئها وبعد عشرة أيام، أي في عاشوراء نكسرها؛ وللإشارة لدينا عادة أخرى، إذ يقوم الخطيب بإهداء زوجة المستقبل عروساً من الحلوى ليلة رأس السنة. تلك هي عاداتنا حتى وإن استغربها البعض، فأنا فخورة بها ولن أتوانى عن الاحتفال بها سنويا.”

صنع العرائس

مكونات عروس السكر – وكما يدل الاسم – هي أساساً من السكر الأبيض وبعض المكونات الأخرى التي لا يعرف سرها ولا مقاديرها سوى صانعوها وأهل الاختصاص، حيث يُغلى السكر مع الماء لمدة معينة، ثم يسكب في قوالب ذات أحجام وأشكال مختلفة خصصت لهذا الغرض. وبعد أن يبرد السكر تتماسك الكتلة وفق الشكل المطلوب، حينها يتفنن الحرفي في تذوق العروس بألوان مختلفة وزاهية. ثم يقوم في مرحلة أخيرة بتغليفه بطبقة شفافة من رقائق الألمنيوم لحمايته، فيكون جاهزاً للعرض على شكل عروس أو قط أو طائر أو حصان أو ديك أو غيرها.

مهرجان عرائس السكر

المهرجان، في دورته الثامنة الآن، كان مبادرة من جمعية صيانة مدينة نابل. وتقوم فكرة المبادرة على حماية هذا التقليد، الذي دأب عليه وانفرد به أهالي مدينة نابل دون سواهم، خاصة وأن الأهالي ابتعدوا في فترة ما عن الاحتفال برأس السنة الهجرية واقتناء عرائس السكر. فكان التفكير في جعل هذه التظاهرة العادية مهرجاناً سنوياً يكون بمثابة احتفال وتنشيط وسط المدينة مع تنظيم مسابقة خاصة بالحرفيين لصنع أفضل عروس سكر، بحيث يُعلن عن الفائز ليلة استقبال السنة الهجرية الجديدة.

أكتفي بالتفرج

سماح ليست من سكان المنطقة، وبرغم ذلك جاءت من منطقة بوفيشة خصيصا لتتفرج. كانت تتأمل الباعة بانبهار شديد وتمسك بيدها العروسة وتقلبها بإعجاب. بدت سماح وكأنها تزور المكان وترى العرائس لأول مرة. تقول سماح لـ”مراسلون”: “لم أكن أعرف المهرجان ولم أسمع به من قبل. كان ذلك قبل عامين حين قدمت صدفة مع أمي إلى نابل، فلفت انتباهي أن جل الذين يمشون في الشارع يمسكون بعرائس. في البداية خلتها من البلاستيك، ولكن بعد السؤال عرفت أنها حلوى. ومنذ ذلك اليوم أصبحت آتي خصيصاً للتفرج وتأمل العرائس والتقاط بعض الصور التذكارية.”

نابل مميزة وستبقى كذلك

محمد علي، أحد باعة السوق، يرصف من وراء طاولته العرائس حسب الشكل والحجم. إنه يعمل بحب كبير وتفانٍ، فمن وجهة نظره “أن هذا المهرجان ليس بالغريب على مدينة الزهر والليمون والتوابل والصناعات التقليدية. نابل عروس الوطن القبلي، وهي فعلاً تستحق هذا اللقب لما تزخر به من عادات وتقاليد لا تشبه أي منطقة أخرى.”

أينما يتجول المرء في نابل يشعر بفخر واعتزاز الباعة بمهنتهم، وبعادات وتقاليد مدينتهم حتى وإن استغربها البعض، “هذه صنعة الأجداد وأنا شخصياً لست مستعداً للتفريط فيها أو الاستغناء عن هذه العادة بالرغم من أن السوق ليست مستقرة خاصة في السنتين الاخيرتين وأقصد غياب واضح للسائح الأجنبي، ولكن لا يمنع أن هذه المناسبة تضفي على المدينة طابعاً احتفالياً وتمنح السوق بعض الحركة والنشاط.” يقول لنا محمد تلك الكلمات، وهو منكب على رصف عرائسه وتزيين طاولته بكل حرفية منتظراً قدوم الزبائن في أية لحظة.