تم التأسيس لقطاع التخطيط في ليبيا سنة 1951 بواسطة لجنة إشرافية من الأمم المتحدة تمول خارجياً، لتصطدم بعدئذ بقوانين القذافي الذي ادعى تطبيق مقولات “البيت لساكنه” و “الأرض ليست ملكا لأحد”، وارتجل القرارات دون تخطيط مسبق، حتى سنة 2008 التي بدأت فيها محاولات محمومة لإصلاح ما فات إلا أنه كان إصلاحا يشوبه الفساد والبطء في التنفيذ.

تم التأسيس لقطاع التخطيط في ليبيا سنة 1951 بواسطة لجنة إشرافية من الأمم المتحدة تمول خارجياً، لتصطدم بعدئذ بقوانين القذافي الذي ادعى تطبيق مقولات “البيت لساكنه” و “الأرض ليست ملكا لأحد”، وارتجل القرارات دون تخطيط مسبق، حتى سنة 2008 التي بدأت فيها محاولات محمومة لإصلاح ما فات إلا أنه كان إصلاحا يشوبه الفساد والبطء في التنفيذ.

للوقوف على واقع عمل وزارة التخطيط في ليبيا بعد الثورة، التقى “مراسلون” بالدكتور عيسى التويجري وزير التخطيط في الحكومة المنتهية ولايتها، والذي كشف عن حال الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وظروف إيقاف الكثير من المشاريع في مختلف المجالات في مناطق ليبية عديدة.

سهناك من يرى أن وجود وزارة للتخطيط في مرحلة لا زالت الأوضاع غير مستقرة فيها أمر خاطئ، باعتبار ضيق الوقت والحاجة إلى وضع حلول سريعة دون انتظار نتائج التخطيط وإعداد قراءات ومسارات عمل قصيرة وبعيدة الأمد؟

ج- أقول أنه في الأزمات نحتاج إلى تخطيط مكثف، وفي كل حالة تم تجاوز التخطيط فيها ترتب على ذلك مشاكل وتعقيدات لا تحصى، ثم هناك تخطيط استراتيجي لحل الأزمات وهناك تخطيط بعيد المدى نسعى إلى ترسيخه في الدولة الليبية.

جزء من مشاكلنا الآن ناتجة من تعاملنا مع الأحداث كردات أفعال، الأمن كمثال، قدمنا فيه عديد المقترحات من أجل حل مشكلة الأمن بالتخطيط الاستراتيجي، وكانت الردود أنه لا يوجد وقت للتخطيط ولابد من الإسراع في حل مشكلة الأمن، وبالتالي تفاقمت المشكلة.

أيضا مشكلة الجرحى التي لم تٌحل حتى قمنا بتكليف لجنة وزارية عكفت على التخطيط لحل هذه المشكلة بعد دراستها، وبالرغم من أنه لم يتم الأخذ بهذه الحلول بشكل كامل، الا أننا تحصلنا على نتائج جيدة، فعدد الجرحى نقص وهدر الأموال نقص وأساليب العمل تحسنت.

أما عن وجود وزارة للتخطيط من عدمها فهذا يعتمد على طبيعة الدولة وفلسفتها، فمثلاً في الدول الأوروبية لا يوجد مسمى وزارة التخطيط، ولكن توجد مؤسسات راسخة لأن هذه الدول نمت بشكل كامل، وبالتالي أصبح التخطيط يعتمد على سياسات عامة تصدرها رئاسة الوزراء، أما الدول التي لا زالت في طور النمو فنجد فيها هياكل وزارية مختصة بهذا الأمر.

سماهي مسارات العمل التي اتجهتم اليها؟ وهل وجدتم تعاونا من باقي الوزارات لإنجاح عملكم؟

ج- حقيقة في بداية عملنا لم نجد أي شئ، ووجدنا الوزارة تتبع المالية التي همشتها بالكامل، فبدأنا العمل ببعض الموظفين وأسسنا قاعدة وزارية للتخطيط، وكانت بداية العمل بطلب من حكومة الدكتور عبد الرحيم الكيب، التي وضعت خطة من 10 أهداف، وطلبت من كل وزارة أن تضع رؤيتها بناء على هذه الأهداف العشرة، والتواصل مع وزارة التخطيط لوضع أطر لهذه الرؤى في خطط استراتيجية مقننة، واهتممنا نحن كوزارة التخطيط بتحقيق 16 هدف تهتم ببناء كيان التخطيط، بأن يكون مؤسسة مؤثرة في المجتمع، ويضع الرؤى المستقبلية للدولة الليبية، والقيام بالدراسات الخاصة بالصحة والاقتصاد وما الى ذلك، وبناء على ذلك قمنا بتشكيل لجان من الخبراء في فرق مختلفة، قاموا بتقييم الأوضاع في مختلف القطاعات بالرجوع للخطة التنموية 2008 – 2012، ولدينا الآن تقارير مبدئية عن هذه القطاعات، ولدينا صياغة مبدئية للرؤى المستقبلية لكل منها، وبالتالي توفرت لدينا بيانات متكاملة عن القطاعات منذ 1951 حتى الآن.

أيضا اهتممنا بتدريب العديد من الموظفين لأداء مهام الوزارة على أكمل وجه، وقمنا بوضع خطط استراتيجية بمساعدة البنك الدولي لللاحصاء والحسابات القومية، وهي الآن تحت التنفيذ، وقمنا بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة ووضعنا خطوات تنظيم للمساعدة في وضع الدراسات، وأبرمنا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي للتعاون في هذا المجال، بالاضافة الى منظمة التعاون الاقتصادي والاجتماعي.

قمنا كذلك بإعداد كتيب للمؤشرات الوطنية، ضم حوالي 120 مؤشر في مختلف القطاعات، كما عملنا على متابعة وتقييم المشروعات القائمة في مختلف المجالات، والتي تقدر قيمتها بـ 140 مليار دينار، وباعتبار وزارة التخطيط هي المسؤولة عن تفويضات العمل الخاصة بالمشاريع، قمنا بتفويض ما لا يقل عن 12 ألف مشروع، وحوالى ألفين عقد من التوريدات، وانتهينا من تقييم المشاريع التي تزيد قيمتها عن 100 مليون دينار.

ولكن لإنجاح مسارات عمل الوزارة من المهم جداً تفعيل الإدارات المتخصصة في توفير المعلومات، التي ستبنى عليها دراسات تُنجح عملية التخطيط، أيضا بعض الوزارات تطالب بتفويضات مالية أكثر من المطلوب، وفي نفس الوقت تطالب وزارات أخرى بتفويضات دون استكمال الاجراءات الفنية الخاصة بذلك، وهو ما سبب في تأخر العديد من المشاريع.

فمثلاً هناك جهات تطلب باستصدار تفويضات مالية دون تشكيل لجان عطاءات، وتتعاقد مباشرة مع شركات لتنفيذ أي مشروع، هو من ناحية جهل بالإجراءات، ومن ناحية أخرى المحيط يدفع إلى الفساد، وبالتالي هناك شركات تدفع من أجل هذا الفساد، وهناك طبقة تعيش على الفساد في الخارج وفي الداخل، وهناك تقارير تقوم بتغطية هذا الفساد، وسعي لإبرام عقود جديدة بناء على إجراءات فنية غير صحيحة.

ستحدثتم عن بعض العقود التي يشوبها الفساد وقمتم بتحويلها إلى ديوان المحاسبة.. أين وصلت إجراءات هذا الملف؟

ج- هناك بعض العقود فعلاً لدى ديوان المحاسبة، منها عقد مشروع تطوير مطار طرابلس الدولي، الذي توجد حوله شكاوى بوجود فساد وتهرب من دفع الضرائب.

حقيقة نحن على يقين بوجود فساد في الكثير من المشاريع، ولهذا نرى أنه من الضروري إعادة هيكلة جميع المشاريع، وهيكلة جهاز الرقابة على حد سواء، من أجل وضع حد للفساد المستشري فيها.

سطيب كيف تعاملت وزارة التخطيط مع صندوق الانماء الاقتصادي والاجتماعي والبرامج والمشاريع التابعة له؟

ج- صندوق الإنماء مشكلة ليست هينة، خاصة وأنه يتعلق بـ 268 ألف عائلة يفترض أنه مصدر دخلها، وحل هذه المشكلة يحتاج إلى وقت، فليس من السهل أن توقف المحافظ الاستثمارية التي توفر المنح المالية لهذه العائلات، وبالتالي نحن تركنا الأمور تسير على ماهي عليه حتى وضع الخطوات الكفيلة بحل هذا الأمر، وبدأنا في إعداد مقترح للحل سنسلمه للمؤتمر الوطني العام من أجل استصدار قانون بالخصوص.

حقيقة لدينا خياران إما ايقاف صرف هذه المنح إن قرر المؤتمر الوطني العام عدم استحقاق آخذيها لها، أو أن يتم صرف المنح بناءً على القيمة الربحية للاستثمارات حسب الاتفاق القانوني المبرم بين الحكومة والمواطنين.

الواقع أيضاً أن استثمارات الصندوق مهملة ولا تنتج في معظمها، وتحتاج إلى دعم مالي وإلى تصفية بعضها من أجل الحصول على إيرادات مالية جيدة تغطي قيمة المحافظ الاستثمارية.

سماذا عن المساكن التي تم تهديمها أيام القذافي تحت بند (إزالة لغرض التطوير)، والمشاريع بدون بنية تحتية؟

ج- لا يخفى على أي خبير بالتخطيط أو اقتصادي فداحة الخطأ الذي ارتكب في تهديم هذا العدد الهائل من المباني دون وضع حلول فورية للوضع، وأكبر مثال على ذلك هو هدم سوق الثلاثاء أحد أهم الركائز الاقتصادية في المنطقة الغربية.

أيضا نحن نرى أنه على وزارة الإسكان والمرافق أن تستكمل المشاريع السكنية التي بدأتها، وتترك المشاريع الجديدة للقطاع الخاص، على أن تهتم بتطوير البنية التحتية لهذه المشاريع، باعتبار أن القطاع الخاص أسرع في التنفيذ وأقل فساداً.

هناك خطأ كبير أيضاً تم ارتكابه عند تشكيل الحكومة المؤقتة حين فصلت تبعية مصلحة التخطيط العمراني من الوزارة لتتبع وزارة الإسكان والمرافق، وهو خطأ برأيي باعتبار أن التخطيط عملية متكاملة يجب أن تتم ضمن كيان واحد لا أن يتم فصلها، اذا أخذنا في الاعتبار عدم الاستفادة من استقلالية كل مؤسسة مع امتلاكها كامل الصلاحيات لذلك.

سفي المدة الماضية قمتم بمسح سكاني لمختلف المناطق الليبية .. كيف جرت العملية وماذا ستبنون عليها؟

ج- نحن نسعى إلى تكوين قاعدة بيانات للسكان مقيدة بكتيبات العائلة، وقد وصلنا إلى تسجيل حوالي 966 ألف عائلة، ليتم ربط أفراد العائلة بأعمالهم ومدارسهم ومراكزهم الصحية، للاستفادة منها في المستقبل بمشروع الحكومة الالكترونية التي اهتم بها مجلس الوزراء في السابق.

كما أن الاحصاءات سنستفيد منها بشكل كبير في تبيان التحرك الديموغرافي للسكان في مختلف المناطق.

سبعد انتهاء فترة عملكم كوزير، بماذا تنصح الحكومة القادمة؟

جمن المهم جداً في الحقيقة الاهتمام بتحسين العمل الإداري في مختلف القطاعات، لأنه سيكون المسؤول عن أي عملية تنموية في الفترة القادمة، وبالتالي من المهم جداً إعطاء أهمية كبيرة لتدريب جميع الموظفين من أجل تحسين أدائهم، ولدينا مقترحات عمل جاهزة في هذا الإطار.

أيضا من المهم دعم القطاع الخاص في مجال المشروعات الصغرى والمتوسطة بطريقة لا تعود بالضرر على الاقتصاد الوطني وأن لا يتم الالتفات لأي اختلافات فكرية أوسياسية، وأن تكون الثوابت الوطنية هي الأساس التي تعمل منه الحكومة، كما أدعوهم إلى استكمال المسار الذي بدأنا فيه وأن يكون التخطيط منهاج عمل في كل قطاعات الدولة.