برز الأديبأحمد ابراهيم الفقيهفي المشهد الثقافي الليبي، كروائي وقاص وكاتب مقالة منذ عقود، واشتهر عالمياً بعد نشر ثلاثيته الروائيةسأهبك مدينة أخرىوهذه تخوم مملكتيونفقبرز الأديبأحمد ابراهيم الفقيهفي المشهد الثقافي الليبي، كروائي وقاص وكاتب مقالة منذ عقود، واشتهر عالمياً بعد نشر ثلاثيته الروائيةسأهبك مدينة أخرىوهذه تخوم مملكتيونفق تضيئه امرأة واحدةالتي تًرجمت إلى عدة لغات ونال بها شهرة خارج ليبيا.

إلا أن الفقيه الذي ترأس عدداً من الصحف والمجلات الثقافية أيام حكم القذافي، يرفض أن يكون قبوله لجائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان أو علاقته برئيس وزرائه الراحلشكري غانمسبباً في توجيه أصابع الاتهام إليه.

كما يستعرض لـمراسلونالواقع الليبي  قبل الثورة من وجهة نظر المبدع الحذِر والحريص على عدم الصدام مع السلطة قدر الإمكان، كما يقف على عتبة الحلم مترقباً ازدهار وانتعاش الحراك الثقافي والفني الليبي.

سكيف تفسّر الضبابية التي تكتسي المشهد الثقافي في ليبيا؟

ج- ليبيا الآن في مرحلة انتقالية وكما هي حال المراحل الانتقالية تحتاج إلى وقت لبلورة الرؤى ووضع السياسات وبناء المؤسسات قبل أن تستقر الأوضاع وتأخذ  الحياة مسارها الطبيعي ولذلك فلا يجب أن نستعجل الأمور ونحن جميعا على ثقة ويقين أن عهد القمع والاستبداد والإرهاب الفكري قد انتهى إلى غير رجعة.

نتطلع جميعا إلى أن نجني ثمار الثورة ونستمتع بمناخ الحرية. ونترقب بإذن الله ازدهاراً للفكر والإبداع وانتعاشا للحركة الفنية والأدبية فور أن تستقر الأوضاع فلا استعجال ولا خوف على أن المرحلة الانتقالية ستًفضي بنا بعد فترة زمنية قصيرة إلى الحياة الأدبية والفكرية التي يتطلّع إليها المجتمع الليبي في عهد الحرية.

 

سكيف تلخّص علاقتك كمثقف بالسلطة فيما مضى وكيف تراه مستقبلاً؟ 

ج- أقول إن أكبر ضحايا الاستبداد هم المثقفون. وأعظم ضحايا الطغاة هم أهل النبوغ والإبداع. لأن الطاغية يحاربهم ويستهدفهم ويعتبرهم خطرا عليه. وفي ليبيا عانينا من أقسى وأحقر أنواع الطغيان، فالطاغية الليبي كان مليئاً بالتشوهات والعاهات النفسية. ولهذا كان مجرد أن نحافظ على حياتنا دون أن يلحقنا الأذى هو نفسه إنجاز، ووجودنا أحياء لم نُقتل في عهده إنجاز، وكوننا استطعنا أن ننتج إبداعاً يضع ليبيا على خريطة الأدب عربياً وعالمياً رغم جنونه وحربه ضدنا، فهذا أكثر من إنجاز.

نعم كنا نتعامل مع الطاغية باعتباره واقعاً لا نستطيع أن نتجاوزه، ولا نستطيع أن ندخل في حرب معه، وإنما تتعامل معه بشيء من المرونة والسياسة التي نحمي بها أعناقنا ونؤدي عبرها رسالتنا وهذا هو المهم.

أحمد الله أنني لم أشارك في تزييف الوعي، ولم أستسلم للطاغية وهو يحاول تحويل الأقلام إلى مجرد أبواق له. استلمت أهم الصحف مثل صحيفة “الثورة” اليومية، وصحيفة “الأسبوع الثقافي” الأسبوعية ومجلة “الثقافة العربية” الشهرية، واستطعت أن أحافظ على شرف الكلمة ورسالتها وأقاوم كل محاولات التهجين والتدجين والتسخير، لأنني عندما جاء الانقلاب (1969) كنت أعمل في الصحافة والإعلام، فكان هذا مصدر الرزق ولقمة العيش.

سمجازاًلو عاد الزمن إلى الخلف هل ستقبل جائزةالقذافيلحقوق الانسان التي استلمتها فيما سبق؟

ج- الجزء الأكبر من أعمارنا مرّ تحت خيمة “القذافي” اللعينة، وكان لا تقدير ولا اعتراف ولا تكريم يمكن أن يحدث لأي إنسان في ليبيا إلا من خلاله، ولا جوائز تأتي إلا إذا حملت اسمه. فهل إذا جاء التكريم من لجنة علمية وكان اسم هذا التكريم “جائزة القذافي” أو “وسام الفاتح” ترفضه؟ وليت الرفض ينتهي عند هذا الحد، ولكنه بالتأكيد سيتم اعتباره موقفا معاديا للنظام ولرأس النظام. ولم أقل شخصياً إنني كنت رجلاً فدائياً يسعى للتصادم مع طاغية مثل القذافي.

سعاتب البعضأحمد الفقيهبعد نشره مقالاً في إحدى الصحف المصرية عقب وفاة  “شكري غانمواتهموك بالتنصل من صداقته، كيف ترد؟

ج- رحم الله الدكتور “شكري غانم”. هؤلاء الناس يعرفون أنني كتبت عن صداقتي بالمرحوم في بواكير الشباب، واعتراضي على ما اتّبعه من سياسات، وهجومي على ما بدا في سلوكه الوظيفي من أوجه التقصير والقصور، وهو كلام كتبته في حياته بل وهو في اوج قوته وزيراً ورئيساً للوزراء، من واقع الحرص على إنسان عرفتُه في فترات نشاطه العلمي واعتبرته أملا من آمال ليبيا.

لكنني رأيت إن سلوكه عندما استلم المنصب كان مخيّباً للآمال. ونعرف طبعاً الضغوط التي تعّرض لها ولكن كان عليه أن يترك المنصب بدلاً من أن يستجيب لهذه الضغوط أو ينساق مع إغراءات الوظيفة القيادية ومزاياها، ووجدته بعد نشر المقال الهجومي، يلتقي بي مرحِّباً، لا يحملُ حقداً ولا سخطاً ضدي، لأنه كان يعرف منطلقاتي. 

وبعد أن توفّى وفاته الغامضة، سقطت طبعاً كل التحفظات وكتبتُ رثاء له كصديق وزميل من زملاء فترة الشباب والنشاط الإعلامي. ولم أكتب إطلاقاً متنصلاً من صداقته، وإنما أشرت إلى بعض الظلال التي رافقت موته الغامض وطالبت الدولة الليبية بان تسعى لاستجلاء هذا الغموض.

سلماذا لم يُعارضأحمد الفقيهالنظام الحاكم في ليبيا  قبل ثورة فبراير؟

ج- هذا السؤال يمكن أن يُقال لإنسان يعيش في دولة فيها درجة من الاعتراف بالرأي الآخر. فأي معارضة داخل ليبيا تعني القتل. ولكن أن نكتب بما يفيد النقد والتوجيه فهو موجود، وكتاباتي، إطلاقاً، لم تكن تخلو من مثل هذا النقد لأوجه القصور في أداء الدولة الليبية. 

المعارضة الصريحة لسياسات القذافي في الحُكم كانت غير متيسّرة إلا إذا هاجر الإنسان وعاش في الخارج وعارض من هناك لكي لا يكون تحت طائلة “القذافي” وتحت حماية أنظمة دول أخرى تستطيع حمايته من القتلة الذين يقوم بإرسالهم للمعارضين. وقد فتكوا بعدد كبير منهم.

وهو ما لم افعله لأنني أجد نفسي في مجالي الأدبي، وأستطيع مع وجودي في ليبيا تأمين منطقة ما لتحقيق هذا الحضور الأدبي. وباعتباري “صاحب قلم” يستطيع أن يجد في الكتابة الادبية متنفساً، فلم أكن إطلاقاً أحتاج للبحث عن وجودي في مكان آخر مثل المعارضة السياسية التي لها أناس أهنئهم طبعاً على جلَدهم وعلى مواقفهم وعلى نضالهم وصمودهم في وجه الطاغية. 

ثم إن الحياة في المنفى ليست دائماً متاحة لكل من أرادها. وشخصياً لم يحدث أن تلقّيت دعوة من أي تنظيم مُعارض يقول بأنه يستطيع أن يكفل لي معيشتي مع أسرتي لو أنني انتقلت للحياة بالخارج وعشت عيشة المعارضين السياسيين للنظام.