أينما ذهبت في الوسط الغربي في تونس، وبخاصة في ربوع ولاية القصرين التي تبعد 290 كلم عن العاصمة، تعترضك سيارات دون لوحات منجمية (لوحات أرقام) تسير بسرعة جنونية، وكلما اقتربت منها اعترضتك رائحة البنزين.

هناك على طول الطريق المباشرة نحو الحدود مع الجزائر اعتاد المهربون أن يحملوا ما استطاعوا شراءه من بضاعة (عجلات مطاطية وقازوال وحديد وحبوب…) بكميات وافرة، ومن ثم يتوجهوا بها نحو محطات خدمات ومتاجر وخيام نصبت على الشوارع وسط المساحات العامة. 

أينما ذهبت في الوسط الغربي في تونس، وبخاصة في ربوع ولاية القصرين التي تبعد 290 كلم عن العاصمة، تعترضك سيارات دون لوحات منجمية (لوحات أرقام) تسير بسرعة جنونية، وكلما اقتربت منها اعترضتك رائحة البنزين.

هناك على طول الطريق المباشرة نحو الحدود مع الجزائر اعتاد المهربون أن يحملوا ما استطاعوا شراءه من بضاعة (عجلات مطاطية وقازوال وحديد وحبوب…) بكميات وافرة، ومن ثم يتوجهوا بها نحو محطات خدمات ومتاجر وخيام نصبت على الشوارع وسط المساحات العامة. 

تستقطب هذه السلع بالخصوص أصحاب السيارات، فأسعار المحروقات المعروضة للبيع على حافة الطرقات غير مسبوقة، إذ لا يتجاوز سعر اللتر الواحد من البنزين نصف دولار في حين يقارب سعره الأصلي ضعفي ذلك المبلغ. 

مصاعب الرحلة الممنوعة 

في إحدى المحطات القريبة من الحدود الجزائرية بنحو 380 كلم، وتحديداً بمنطقة الصخيرات التابعة لمدينة ماجل بلعباس (القصرين)، يتزود المهربون ببضاعتهم من التجار الجزائريين لنقلها إلى محطات مختلفة في أرجاء تونس.

يركن صابر سيارته بعيداً عن مرأى رجال الجمارك لتحميل البضاعة من إحدى السيارات الجزائرية التي نجحت في اجتياز الحدود التونسية خلسة. يصرخ في وجه مرافقيه الشابين: “فكّوا الشباك عن البراميل وأنزلوا حمولة الشاحنة. ستغلق الحدود أبوابها قريباً ولن نتمكن من دفع باقي أقساط السيارة إلى شركة الايجار المالي”.

يتكئ على كرسي سيارته وقد بانت على وجهه ملامح التعب. كان يمسك مقود السيارة بيد تقطر بنزيناً وهو يخاطب أحد رفاقه بصوت أقرب إلى الصراخ: “رجال الجمارك يمشطون المكان ويطلبون مبلغ 10 دينارات مقابل مرور السيارة الواحدة.”

يقاطعه أحد المهربين قائلاً: “عادت حليمة إلى عادتها القديمة، إما أن تدفع معلوم السيارة أو تختار طريق الهروب. وإن وقعت في فخ المطاردة سوف تحجز بضاعتك والسيارة”.

بعد تفكير طويل يختار صابر دفع “المعلوم” لموظفي الجمارك ويصر أن يرافقه مبعوث “مراسلون” لاستكشاف باقي ما سيحصل في الرحلة.

يقطع صابر مع عدد المهربين مسافة تقدر بحوالي 400 كلم لنقل حمولته من مدينة ماجل بلعباس نحو مدينة زرمدين التابعة لولاية المنستير في أقصى الشرق.

على مسافة تقدر بـ10 كلم عن مدينة سيدي بوزيد اعترضتنا دورية أمنية. كان كل شيء على ما يرام. فيتابع المهربون طريقهم دون أي عائق. يلتفت صابر ويقول: “لا شيء تغير بعد الثورة. ما زالت الرشوة طريقاً لنجاة المهربين”.

“الخبزة مرّة” 

“نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت” هكذا يقول محدث “مراسلون” الذي رفض الكشف عن اسمه خشية ملاحقته من السلطات العمومية إثر صدور المقال، وهو يشير إلى لافتة كتبت بخطوط حمراء عريضة على واجهة سيارته التي اقترضها من شركة الإيجار المالي بعد الثورة.

إنه شاب تجاوز العقد الثالث من العمر، حاصل على شهادة جامعية في الرياضيات، لكنه ظل عاطلا عن العمل. ففضل أن يعمل في تهريب البضائع من الجزائر.

ويضيف “بما أن الدولة تخلت عن مهامها في تشغيل أصحاب الشهادات العليا، فليس أمامنا سوى العمل في التهريب”. ويصر على أن يوضح: “ليس صحيحاً أن التهريب يضر باقتصاد البلاد، فهو يوفر فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل”.

من جهته يقول “محسن” لـ “مراسلون” “الخبزة مرة … ولولا هذه البضائع المهربة من الجزائر لما استطاع أهالي القصرين العيش”.

شهادات وأرقام مخيفة 

تزايد تهريب المواد الغذائية والبنزين والحديد على الحدود التونسية الجزائرية بلغ في السنة الماضية حسب إحصائيات الجمارك التونسية 62 مليار دينار تونسي، وهي قيمة التجاوزات القانونية. إضافة إلى 126 ألف لتر من القازوال (الديزل)، وكميات لا يستهان بها من المواد الغذائية.

في أحيان كثيرة لا تنتهي رحلة تهريب البضائع في الأراضي التونسية. إذ بعض الشاحنات بتهريب مختلف البضائع الممنوعة مثل الخمور والجعة والسجائر بأنواعها على طول الحدود الجزائرية نحو الأسواق الليبية. فقد شهدت تجارة هذه البضائع رواجاً كبيراً منذ اندلاع الثورتين التونسية والليبية، وتجد إقبالاً كبيراً في ليبيا التي يمنع فيها القانون بيع المشروبات الكحولية. وينقل المهربون من محطات مختلفة في تونس كميات هائلة من الخمور الراقية إلى الأسواق الليبية، فضلاً عن تهريب آلاف من الأطنان من المواد الغذائية المختلفة.

التهريب وحوادث السير

ورغم صيحات الفزع التي يطلقها الخبراء والأهالي، فإن ظاهرة التهريب تتنامى وطرقه تتوسع مما يتسبب في موت أكثر من ثلاثة أشخاص شهريا بسبب حوادث السرعة الناجمة عن التهريب. أضف إلى ذلك وفاة العديد من الأشخاص بسبب اشتعال سياراتهم بالبنزين باعتباره مادة سريعة الاشتعال، حسبما يؤكد عدد من المهربين لـ”مراسلون”.

وفي هذا الصدد يقول والد المرحوم نبيل، وهو شيخ يبلغ من العمر 70 سنة، أن ابنه لقي حتفه في حادث أليم بينما كان يقوم بتهريب البنزين. وبيّن لـ”مراسلون” أن ابنه كان شاباً ذا أخلاق رفيعة اضطر لشراء سيارة من شركة الإيجار المالي بسبب الظروف الصعبة التي كانت تعيشها عائلته.  فكان مجبرا على توفير المال لدفع أقساط السيارة للشركة. 

وأكد أن شباب تلك المناطق يجبرون على التهريب وركوب رحلات الخطر بسبب عدم وجود بديل لكثرة البطالة، وهو ما يجعلهم في غالب الأحيان ضحايا حوادث أليمة.