“ظننا أن التعذيب والإهانة والإذلال ممارسات انتهت بعد سقوط نظام بن علي وودعناها بعد الثورة بلا رجعة، لكن كنا واهمين”، يقول رمزي الحيدوري، 30 عامأ،  الذي أطلق سراحه قبل فترة وجيزة من أحد مراكز التوقيف في جنوب البلاد.

ينحدر رمزي من قرية العمران في سيدي بوزيد التي أشعلت شرارة الثورة التونسية، وقد جرى إيقافه لمدة شهر كامل بعد سلسلة مظاهرات شهدتها منطقته احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية.

وفي لقاء مع “مراسلون” يقول عن تجربة الاحتجاز “ما عشته أنا وأبناء منطقتي من تعذيب وإذلال على يد أعوان البوليس جعلنا نترحم على الثورة”.

“ظننا أن التعذيب والإهانة والإذلال ممارسات انتهت بعد سقوط نظام بن علي وودعناها بعد الثورة بلا رجعة، لكن كنا واهمين”، يقول رمزي الحيدوري، 30 عامأ،  الذي أطلق سراحه قبل فترة وجيزة من أحد مراكز التوقيف في جنوب البلاد.

ينحدر رمزي من قرية العمران في سيدي بوزيد التي أشعلت شرارة الثورة التونسية، وقد جرى إيقافه لمدة شهر كامل بعد سلسلة مظاهرات شهدتها منطقته احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية.

وفي لقاء مع “مراسلون” يقول عن تجربة الاحتجاز “ما عشته أنا وأبناء منطقتي من تعذيب وإذلال على يد أعوان البوليس جعلنا نترحم على الثورة”.

مجرد كذبة؟

ويستحضر رمزي حصص التعذيب أثناء التوقيف “لقد تعرضنا لشتى أنواع التعذيب والاحتقار، بدءا بطريقة اعتقالنا الوحشية باستعمال الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وضرب أفراد عائلاتنا أمام أعيننا مرورا بالضرب المبرح باستعمال الأحذية العسكرية والعصي والهراوات في مناطق حساسة من الجسم”.

ويتساءل رفيقه في الاحتجاز رياض عبد الملك الحيدوري،25 سنة، وهو من جرحى الثورة وصاحب شهادة عليا وعاطل عن العمل مستنكرا:”هل أصبح الاحتجاج السلمي ممنوعا في بلادنا؟ وهل كانت ثورة التونسيين في وجه الطاغية بن علي في سبيل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة مجرد كذبة؟”

ويواصل رياض “لقد عشنا الجحيم خلال فترة إيقافنا. مورست بحقنا شتى أنواع التعذيب من ضرب تعسفي وإذلال معنوي وحرق بالولاعات في مناطق مختلفة من الجسم”.

وحسب شهادة رياض، منع الموقوفين في الأسابيع الأولى من الخضوع إلى اختبارات طبية لتحديد مدى خطورة الإصابات التي تعرضوا لها، ولم يسمح لهم بذلك إلا بعد 22 يوما حتى تندمل الجروح ويشفى الجميع من الإصابات.

تعذيب حتى الموت

لعل شهادات بعض موقوفي “العمران” قد لا تصف الواقع الحالي ولا تعطي الدليل القاطع على تواصل ظاهرة التعذيب في تونس بعد اندلاع ثورة 14 جانفي، وقد يكون ما تعرض إليه هؤلاء المعتقلين مجرد حادثة معزولة وشاذة في زخم النفس الثوري ومعنى الحرية الذي أصبحت تعيشه تونس.

لكن السيدة راضية نصراوي رئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب تؤكد أن هذه الظاهرة لم تنته بنهاية نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وقالت نصراوي ” التعذيب متواصل ويكاد يكون بشكل أكثر فظاعة ووحشية من السابق، فثمة من أصيب جراء التعذيب بعاهات مستديمة، وثمة من توفي تحت التعذيب”.

وتضيف رئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب “لقد تلقت الجمعية العديد من الشكاوى من قبل مواطنين تعرضوا للإهانة والتعذيب، وقد رصدناها وعاينا وجود ضحايا كثر سواء كانوا صغارا في السن أو كبارا”.

وتؤكد الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب أن الأمر لم يتغير بعد ولم تتبدل المنظومة الأمنية وكذلك القضائية، “فمازال القضاء في جزء كبير منه غير مستقل مما يحول دون تطبيق القانون على المذنبين والمتورطين في تهم التعذيب”. وتضيف أن “فتح تحقيقات جدية في هذا الملف وترك المذنبين دون عقاب شجع على مواصلة بعض رجال الأمن التعاطي بوحشية مع الموقوفين”.

وتعتبر منظمات حقوقية في تونس أن أي تقدم لم يحصل على هذا الصعيد، على الرغم من تحركاتها ومطالبتها بضرورة فتح التحقيقات وتفعيل القوانين التي تحد من ظاهرة التعذيب في فترة الإيقاف التحفظي أو في السجون.

وبالنظر إلى أن تونس صادقت على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، تطالب النصراوي بتشكيل لجنة مختصة تقوم بزيارة مراكز الإيقاف بشكل مفاجئ ورفع تقارير بخصوص كل المخالفات المرتكبة في مجال انتهاك حقوق الإنسان.

تهديد واعتداء جنسي

عبد الستار بن موسى، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أيد نصراوي في إن التعذيب كظاهرة وممارسة لم ينته بعد. وقال في حديث مع “مراسلون” “للأسف تفاجئنا يوميا أخبار تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الغول (التعذيب) مازال يجثم على الأذهان والعقول داخل المعتقلات وخلف أسوار السجون ومراكز الإيقاف”.

ويؤكد بن موسى أن منظمته تلقت العديد من الشكاوى التي تفيد بتعرض عدد كبير من المواطنين إلى التعذيب، وقد تمت معاينة العديد من الضحايا وعرضهم على الاختبارات الطبية.

ويكشف رئيس رابطة حقوق الإنسان أن التعذيب مورس بحق عديد التونسيين، على غرار ما حصل لبعض الموقوفين في منطقة الحنشة التابعة لولاية صفاقس (250 كلم جنوب العاصمة تونس)، وبحسب قوله “أثبتت التقارير الطبية تعرضهم للاعتداء الشديد والتعذيب وأيضا التهديد بالاعتداء الجنسي”.

وأضاف موسى أن ما شجع على تواصل الظاهرة وتناميها في تونس بعد الثورة هو “غياب الردع بحق كل من ارتكب مخالفات”.

وشدد على أن عدم التقيد بالقوانين التي تحمي حقوق المعتقلين سواء من خلال عرضهم على الفحوصات الطبية منذ اللحظة الأولى لإيقافهم إلى غاية الإفراج عنهم أو فتح تحقيقات جدية إذا ثبت تعرضهم للتعذيب ساهم بشكل واضح في انتشار هذه الظاهرة التي تكاد تكون في أغلب مراكز الإيقاف.

غياب إحصائيات دقيقة

ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة بسبب إحجام بعض المتضررين عن التشكي إلا أن الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب أكدت لـ”مراسلون” على لسان رئيسته راضية النصرواي أن عدد الشكاوى الواردة إلى المنظمة منذ يوم 14 جانفي (يناير/كانون ثاني) 2011 إلى حد الآن شملت حوالي 200 متضررا من سوء المعاملة داخل السجون أو في فترة الإيقاف. وأوضحت بعض الأرقام غير الرسمية أن عدد حالات الوفاة في ظروف غامضة بلغ ثلاث حالات على أقل تقدير.

من جهة أخرى أفاد عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن مكتب الرابطة تلقى إلى حد الآن ما يناهز 80 شكاية من متضررين تعرضوا للعنف أو لسوء المعاملة، وأوضح أن االعدد الفعلي قد يكون أكبر بكثير في ظل غياب الإحصاءات الرسمية.

وكان مكتب الرابطة قد تلقى خلال شهر أفريل (ابريل/نيسان) 2012 ما يقارب 20 شكاية جراء تعرض بعض المتظاهرين للتعنيف المبالغ فيه في يوم واحد خلا مسيرة نظمت يوم 9 أفريل (ابريل/نيسان) الماضي.

الحكومة تعترف

ردود الأفعال والاتهامات والتنديد المتواصل جعل الحكومة التونسية المؤقتة بقيادة حزب “النهضة” تقر بوجود حالات تعذيب في تونس بعض الثورة، حيث صرح وزير حقوق الانسان سمير ديلو في وقت سابق أن هناك شبهات كبيرة لدى مصالح وزارة حقوق الانسان بتواصل ممارسة أعمال التعذيب ضد المواطنين بعد الثورة. وقال ديلو إن “الوزارة فتحت تحقيقا في هذا الشأن منذ عدة أشهر ورفعت توصيات الى السلطات القضائية”.

وأشار ديلو في سياق متصل إلى أن انتهاكات حقوق الانسان تتواصل باعتبار أن المنظومة لم تصلح بعد. وهو الأمر ذاته الذي أشار إليه الناطق الرسمي باسم وزارة حقوق الإنسان شكيب الدرويش الذي شدد على أن ظاهرة التعذيب “هي من المواضيع التي تملأ وزارة حقوق الإنسان حزنا وألما”، معترفا بوجود بعض الانتهاكات في هذا المجال.

وأضاف لـ “مراسلون”، “نحن نعيش فترة انتقالية ومن الوارد حصول بعض التجاوزات، لكن حالات التعذيب تعد على الأصابع ولا تحجب وجود مؤشرات إيجابية حيث يتمتع أغلب الموقوفين بمعاملة حسنة للغاية”.

وقال الناطق الرسمي لوزارة حقوق الإنسان “إن الوزارة ومنظمات حقوقية أعدت مشروع قانون للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب وقد تمت المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء ليحال قريبا على المجلس الوطني التأسيسي”.

ويرى مراقبون أن الاعتراف الحكومي بوجود ظاهرة التعذيب في تونس بعد 14 جانفي 2011، قد يكون بداية منطلق جديد نحو محاربة هذه الظاهرة والتصدي لها، لكن هل يكفي الاعتراف؟