تتصاعد المخاوف في تونس من ما يوصف بالاعتداءات المتكررة للتيار السلفي على الحريات الفردية والعامة ودخولهم المتواصل في مواجهات مع أجهزة الدولة بالإضافة إلى تشكيل عدد من الشباب السلفي لدوريات تمشَط المناطق المتواجدين فيها لمنع ما يعتبرونه “فسق ومجون”.

آخر الاعتداءات المنسوبة للتيار السلفي شهدتها منطقة دوار هيشر من ولاية منوبة (غرب العاصمة تونس) خلال الأسبوع الماضي، حين اندلعت مشاجرات بين باعة الخمور وسلفيين سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة بين رجال الأمن والسلفيين الذين تحصَنوا في أحد المساجد.

تتصاعد المخاوف في تونس من ما يوصف بالاعتداءات المتكررة للتيار السلفي على الحريات الفردية والعامة ودخولهم المتواصل في مواجهات مع أجهزة الدولة بالإضافة إلى تشكيل عدد من الشباب السلفي لدوريات تمشَط المناطق المتواجدين فيها لمنع ما يعتبرونه “فسق ومجون”.

آخر الاعتداءات المنسوبة للتيار السلفي شهدتها منطقة دوار هيشر من ولاية منوبة (غرب العاصمة تونس) خلال الأسبوع الماضي، حين اندلعت مشاجرات بين باعة الخمور وسلفيين سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة بين رجال الأمن والسلفيين الذين تحصَنوا في أحد المساجد.

ونقلت مواقع إخبارية محليّة أن سلفيين أقدموا على قطع أربعة أصابع لأحد بائعي الخمور بجهة دوار هيشر مما أشعل فتيل المواجهات التي أسفرت عن مقتل أحد منتسبي التيار السلفي وجرح آخرين إضافة إلى إصابة عدد من أعوان الأمن أحدهم ضابط برتبة رائد.

“أختي غير محجبة”

عليّ أحد السلفيين من منطقة دوَار هيشر، نفي ما نقلته وسائل الإعلام من استعمالهم لزجاجات المولوتوف ومحاولة اقتحام مركز الأمن بالجهة.

وقال “ككلَ مرة يتم اتهامنا بالتسبب بكل الفوضى لكن الرَائد تم الاعتداء عليه من طرف احد المشهورين بسوابقهم العدلية وليس من طرف أحد السلفيين”.

ورأى الشاب وهو في أواسط العشرينات أن وسائل الإعلام تعمل على تضخيم الأحداث و”شيطنة” التيار السلفي وتحميله باستمرار مسؤولية أي أعمال عنف تقع في البلاد. مؤكدا أن التيار السلفي في تونس لا يفرض أفكاره بالقوة أو عن طريق الإكراه، “فأنا شخصيا لدي أخت غير محجبة ولم أفرض عليها يوما ارتداء النقاب أو الحجاب.. نحن فقط نحاول التبليغ والنصح ومن أراد إتباعنا فمرحبا به ومن رفض فهو حرَ”.

واستنكر علي في حديثه إلى “مراسلون” ما وصفه بالعنف المفرط من طرف أعوان الأمن متسائلا “أيمن الذي توفي في أحداث دوَار هيشر برصاص الأمن، لماذا تم التصويب على رأسه؟ لقد كان بالإمكان استهداف رجليه في أقصى الحالات لشل حركته ومن ثم محاسبته إن كان مذنبا”.

اختراق التيار

رفيق العوني قيادي في حزب “جبهة الإصلاح السلفي” ذهب إلى اتهام حركة “نداء تونس” التي يقودها الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي، وبقايا النظام السابق بافتعال هذه الأحداث وغيرها مشيرا إلى أن التيار السلفي في تونس تم اختراقه لمحاولة إدخال البلبلة في البلاد وعرقلة النظام القائم.

ويقول العوني لـ “مراسلون” إنه “بحسب شهود عيان تقف حركة نداء تونس وبقايا التجمع وراء ما حصل من أعمال عنف وهدفها إرباك الحكومة وزعزعة النظام”.

وفي تعليقه على ردة فعل رجال الأمن على أحداث دوار هيشر أضاف القيادي السلفي أن “المؤسسة الأمنية يجب أن تطبق القانون ولكنها ردت بعنف نرفضه فقد كان بالإمكان تلافي القتل”.

حاول قتل رجل الأمن

من جهتها تنفي الجهات الأمنية الاتهامات المساقة بحقها بالاستعمال المكثف للقوَة لصد السلفيين، وتؤكد أن رجال الأمن لا يفرقون بين المواطنين ولا غاية لهم سوى حماية الممتلكات العامة والخاصة.

وفي مقابلة مع “مراسلون” يقول نبيل العياري وهو الكاتب العام للنقابة الوطنيَة أن “قواَت الأمن الداخلي تلقت أشعارا بوجود أعمال عنف فتوجَه إطار امني للمكان ولكن تم الاعتداء عليه من طرف شخص سلفي أو لنقل شخص مارق عن القانون حاول قتل رجل أمن”. وأضاف العياري أن “المواطن الذي توفّي كان على أبواب اقتحام مركز الأمن” لافتا إلى أن “رجال الأمن يقومون في كل مرة بدورهم ويعتقلون كل من يتسبب بالفوضى من السلفيين ولكن القضاء يطلق سراحهم فيما بعد”.

الحكومة تتحمل المسؤولية

المعارضة التونسية والحقوقيون يلقون بمسؤولية انفلات التيار السلفي وتهديده للسلم الاجتماعي في البلاد على عاتق الحكومة ويعتبرون انها تتعامل بلين مع هذا التيار المتشدد مما جعل المنتمين إليه يتمادون في ممارسة العنف ومحاولة الاستعصاء على مؤسسات الدولة. 

فرحات حمَودي عضو المكتب التنفيذي للحزب “الجمهوري” يشير خلال لقاء مع “مراسلون” إلى أنهم قد نبهوا إلى خطورة أعمال العنف وأنهم ليسوا ضد حرية الفكر ولكن ضمن ممارسة تخضع لضوابط قانونيَة قائلا “نحن نحاسب الممارسات وليس الأفكار وأعتقد أن ما يحصل انزياح خطير يهدد السَلم الاجتماعي للبلاد ونؤكد مرة أخرى أن القانون يجب أن يطبَق على الجميع دون استثناء”.

ويتابع حمَودي “لاحظنا أن وزارة الداخلية تتعامل بلين مع السلفيين، وقد تبدو في ظاهرها إستراتيجية لعدم جر البلاد للعنف ولكن هذه السياسة أثبتت أنها تشجع السلفيين على التمادي ولذا أعتقد أنه الوقت لتطبيق القانون وعلى الداخليَة أن تضرب بقوَة على يد كل من يخرقه أو يهدَد السلم الاجتماعي في البلاد”.

ويواصل “الدوريات التي يقوم بها الشباب السلفي تمثل خطرا حقيقيا على تماسك الدولة باعتبارها الكيان الوحيد الذي يحتكر العنف ولا يمكن لأي طرف أن يمارس هذا العنف سواء مادي أو معنوي ونحن ندعو الدولة إلى تكثيف تواجدها في كل المناطق كما ندعو التيار السلفي للحوار لتجنب العنف”.

تراخي الحكومة

من جانبه يرى محمد الحامدي رئيس الكتلة الديمقراطية بالمجلس التأسيسي والمنسق العام للتحالف الديمقراطي أن ممارسة العنف خارج سلطة الدولة وخارج الشرعية مرفوض سواء من السلفيين أو غيرهم مشددا على ان الإشكال ليس مع السلفيين وأفكارهم بل مع فرض هذه الأفكار بالقوة ومحاولة إيجاد هياكل خارج شرعية الدولة مما من شأنه المساس بالوحدة الوطنية والأمن العام.

ويقول الحامدي لـ “مراسلون” إن “مؤشرات المساس بالوحدة الوطنية عديدة من اعتداء على مثقفين ومنع تظاهرات ثقافية والتحصَن بالمساجد واستعمالها للهجوم على مراكز الأمن والدعوة للجهاد والتحريض على الاستعصاء على مؤسسات الدولة”.

ويُرجع رئيس الكتلة الديمقراطية أسباب تأزم الوضع إلى “التراخي في التعامل مع هذه الظاهرة من طرف الحكومة والتصحر الثقافي والقيمي والديني فتح الباب أمام خطابات متطرفة، وطبعا مسؤوليَة المجموعات التي تمارس العنف” على حد تعبيره.

“نظرتهم للحياة سوداويَة”

رئيس الحكومة حمادي الجبالي الإسلامي نفى خلال حوار مع صحيفة “الشروق” المحلية ان تكون الحكومة أو حركة النهضة تحمي التيار السلفي أو تتغاضى على ممارسته للعنف قائلا “هم يقولون أن النهضة هي السبب في ظهور واستقواء التيار السلفي، متى حدث هذا هم كانوا موجودين في زمان بن علي، لما منعت حركة النهضة وكان الفراغ مهولا في الساحة”.

وأشار رئيس الحكومة التونسية في ذات الحوار “أنا في بعض الأحيان استمع إلى بعض خطبهم استغرب الكم الهائل من العنف حتى في أشكالهم وقسمات وجوههم، هؤلاء يغلب على حياتهم اللون الأسود المتشائم، هم يبحثون على الإكراه والنظرة السوداوية حتى في الحياة”.

وتجدر الإشارة إلى أن المعارضة طالبت باستقالة وزير الداخلية الإسلامي علي العريض إثر هجوم السلفيين على السفارة الأمريكية بتونس خلال منتصف شهر تشرين اول/أكتوبر الماضي احتجاجا على فيلم”براءة المسلمين”.

وكردّ غير مسبوق من طرف الحكومة وبعد ضغوطات من الخارجية الأمريكية إثر هذه الأحداث تم اعتقال عدد من السلفيين فيما تحصن قائد السلفية الجهادية في تونس المشهور بكنية “أبو عياض” بالفرار.