رغم بعدها الجغرافي عن دمشق، كانت تونس إحدى أبرز المحطات التي استقبلت وفود اللاجئين السوريين. لاجئون قدموا عبر الحدود مع الجزائر، شأنهم شأن آخرين سبقوهم إبان الثورة الليبية. لكن الاختلاف بين الحالتين يتمثل في أن الوافدين الأفارقة والليبيين استقروا في مخيم الشوشة بمدينة بن قردان (جنوب تونس) وحظوا بمتابعة ورعاية المنظمات الدولية والإنسانية، اما السوريون فمصيرهم التشرد بلا مخيمات ولا منظمات.

رغم بعدها الجغرافي عن دمشق، كانت تونس إحدى أبرز المحطات التي استقبلت وفود اللاجئين السوريين. لاجئون قدموا عبر الحدود مع الجزائر، شأنهم شأن آخرين سبقوهم إبان الثورة الليبية. لكن الاختلاف بين الحالتين يتمثل في أن الوافدين الأفارقة والليبيين استقروا في مخيم الشوشة بمدينة بن قردان (جنوب تونس) وحظوا بمتابعة ورعاية المنظمات الدولية والإنسانية، اما السوريون فمصيرهم التشرد بلا مخيمات ولا منظمات.

وتفيد مصادر من الديوانة (الجمارك) أن عدد السوريين الوافدين إلى تونس يبلغ حوالي 300 لاجئ، لكنه رقم متواضع بالنسبة لأرقام قياسية للسوريين الوافدين نحو مدن قفصة والقصرين وسيدي بوزيد والكاف، إذ تقول المنظمات الإنسانية أنهم في حدود أربعة أو خمسة أضعاف الرقم المذكور.

وتحول الرعايا السوريون إلى ظاهرة اجتماعية على طول الشريط الحدودي حيث تمركز السواد الأعظم في تلك المناطق التي تعاني بدورها من التهميش وغياب فرص الشغل وهو ما يعمق مأساتهم ومعاناتهم اليومية في ظل محدودية المساعدات التي تقدمها  المنظمات الإنسانية لهم.

مدينة قفصة التي تقع في الجنوب الغربي التونسي كانت إحدى أهم وجهات الرعايا السوريين، حيث فتحت المدينة مساجدها للذين استعصى عليهم إيجاد ملجأ في ظل ارتفاع أسعار الإيجار فيما قام عدد من أهالي المدينة بتوفير عدد من الشقق والبيوت بأسعار رمزية وأحيانا من دون مقابل.

سحر، إحدى اللاجئات اللواتي قدمن من مدينة حمص رفقة ابنها حيث استقرت في بمدينة قفصة. التقاها موقع “مراسلون” أمام مسجد  سيدي يعقوب وسط المدينة تطلب مساعدات.

 تقول سحر أنها أجبرت على التسول مثل باقي السوريات اللواتي يجبن شوارع المدينة والقرى المجاورة للبحث عن مساعدة. وتوضح “هربنا من الموت و لكننا نشعر بالإحساس نفسه ونحن نستجدي المارة من أجل إطعام أبنائنا الذين يتضورون جوعا ولولا مساعدة الأهالي لكنا تشردنا في الشوارع”.

في السياق نفسه يقول محمد الذي قدم من مدينة حمص كذلك “ثمن الإيجار باهظ والظروف المعيشية صعبة ومعقدة دون الحصول على عمل”.

أمل العودة

أمل الرجوع إلى تراب الوطن امتزج بمخاوف اللاجئين من عدم تنحي بشار الأسد أو إسقاط نظامه، ليبقى عمر اغترابهم خارج حدود وطنهم رهينة جحيم المعارك التي لا يدرك أحد مداها وكم من الأشهر والسنوات قد تستمر.

لكن بالرغم من ذلك فإن أمل العودة ما يزال يمنع اللاجئ محمد أبو علي وأسرته من الحصول على بطاقة لاجئ سياسي شأنه شأن عديد السوريين الذين توافدوا عبر الحدود الجزائرية إلى المناطق التونسية القريبة.

و يقول أبو علي لـ”مرسلون” انه اضطر للبقاء في مدينة قفصة بسبب دخوله إلى التراب التونسي بصفة غير قانونية وأنه سيعود لوطنه حالما ينتهي الصراع القائم في سوريا.

ومن جهته يقول أبو فراس “لجأنا بشكل مؤقت و سنعود الى سوريا ونحن نرفض بطاقات اللجوء السياسي حتى لا نحسب عن المعارضة أو الحكومة”.

غياب المتابعة

غياب المنظمات الإنسانية والدولية أو تقلص دورها جعل الوافدين السوريين يعيشون ظروفا صعبة ومعقدة. وهذا ما أكده رئيس فرع منظمة الهلال الأحمر بجهة قفصة بشير يحيى حيث قال لـ”مراسلون” إن الهيئات المحلية بالجهة تواجه مصاعب جمة للتعرف على هويات السوريين الذين يرفضون الإدلاء بأي معلومات عن ظروف إقامتهم”.

ويضيف يحيى” نحن نطالب السلطات والمنظمات الأخرى مد يد العون من أجل السيطرة على الظاهرة قبل أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة”.

من جهته يقول عبدالحميد عبدالله عن وزارة حقوق الإنسان إن “السلطات التونسية ملزمة حسب الشرائع والاتفاقيات الدولية بحماية اللاجئين وضمان حقوقهم وكرامتهم بعيدا عن قرار تونس طرد السفير السوري وذلك من أجل حلّ هذا المشكل الإنساني في إطار العلاقات بين الشعبين” .

بطاقة مؤقتة

يقول فتحي بلحاج عضو لجنة المراقبين العرب بسوريا، التي أرسلتها الجامعة العربية إبان اندلاع الثورة السورية لمراقبة الأوضاع، إن مصير الوافدين السوريين مرتبط “بالحل الشامل” وهو عودة اللاجئين إلى بلدانهم في إطار الحل السياسي .ويضيف بلحاج “لا بد أن تقدم السلطات التونسية بطاقة وقتية قابلة للتجديد للاجئين وذلك حسب تطور الأوضاع بسوريا”.

من جهة أخرى أعرب عضو لجنة المراقبين العرب عن استيائه لما يتعرض له السوريون في تونس وخاصة في المناطق القريبة من الشريط الحدودي الجزائري.

وأكد بلحاج أنه “لابد أن تضمن المنظمات العربية والدولية إقامة مؤقتة للسوريين في ظروف حسنة تراعي كرامتهم الإنسانية وحيث لا يكونون مصدر ابتزاز من طرف المعارضة أو الحكومة أو الدول المضيفة لهم”.

ويجدر التذكير بأن الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي كان واجه انتقادات لاذعة بعد إعلانه عن قرار السماح للمواطنين العرب بالتنقل ودخول التراب التونسي بمجرد الاستظهار ببطاقة هوية وقوبل قراره بالرفض من قبل عديد المعارضين في تونس وكذلك من قبل بعض الدول المجاورة مثل الجزائر.

ويعبر أغلب المواطنين الذين التقاهم “مراسلون” عن تضامنهم مع اللاجئين السوريين في محنتهم “رغم أن أهالي تلك المناطق الداخلية الفقيرة تعاني بدورها سياسة الإقصاء والتهميش” فيما عبر البعض الآخر عن الخشية من أن تتفاقم أوضاع هؤلاء الوافدين نحو  مزيد من التأزم وطالبوا بتدخل المنظمات الإنسانية للسيطرة على هذه الظاهرة ووضع سجلات للاجئين السوريين .