لطفي نقض، “الشهيد السياسي الأول بعد الثورة” بحسب وصف أنصاره ومحازبيه في تطاوين (500 كيلومتر جنوب)، كان قد أقام منذ سنوات في أوروبا، لم يتحمل خلالها أية مسؤوليات حزبية ورسمية، ولم يكن له أي ارتباط مع نظام الرئيس السابق بن علي، ما جعل المتابعين يتساءلون عن الدافع وراء قتله بهذه الطريقة البشعة يوم 18 أكتوبر/تشرين أول الماضي.

لطفي نقض، “الشهيد السياسي الأول بعد الثورة” بحسب وصف أنصاره ومحازبيه في تطاوين (500 كيلومتر جنوب)، كان قد أقام منذ سنوات في أوروبا، لم يتحمل خلالها أية مسؤوليات حزبية ورسمية، ولم يكن له أي ارتباط مع نظام الرئيس السابق بن علي، ما جعل المتابعين يتساءلون عن الدافع وراء قتله بهذه الطريقة البشعة يوم 18 أكتوبر/تشرين أول الماضي.

صهره الطاهر نقض يقول في حديث لـ “مراسلون” إن “الجهات الرسمية تتهرب من الكشف عن التفاصيل الحقيقية وتحاول طمس الطابع الإجرامي للقضية”. فالناطق الرسمي لوزارة الداخلية صرح بأن الوفاة ناتجة عن سكتة قلبية وهو بحسب الطاهر “يتناقض والتقارير الطبية التي تؤكد تعرض الضحية إلى ضرب مبرح، ووجود آثار كدمات على الجثة”.

“أتهم حركة النهضة”

شقيقة الضحية زهرة نقض أشارت في حديث لـ “مراسلون” إن رابطة حماية الثورة، وهي “ميليشيا النهضة” بحسب تعبيرها، “تتحمل المسؤولية الكاملة عن قتل لطفي، فهي الجهة التي برمجت مسيرة لتطهير المدينة من بقايا النظام السابق، وكان الهدف الحقيقي منها التصفية الجسدية لمعارضي حركة النهضة”.

وتشير زهرة في تصريح لموقع “مراسلون” إلى أن شهود العيان، أكدوا أن حوالي 400 متظاهر تعمدوا التوجه إلى مقر المنظمة الفلاحية حيث يشغل شقيقها منصب رئيس المنظمة، وانطلقوا في رفع شعارات استفزازية، لاستدراج القتيل إلى خارج المكتب.

وتتوقف شقيقة القتيل عن الكلام لبرهة قبل أن تسترجع صوتها فتقول: “قتلوه تحت أنظار قوات الشرطة التي لم تحرك ساكنا”.

وكان لطفي قد دخل عالم السياسة قبل أشهر قليلة من تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تشرين أول/ أكتوبر 2011. وترشح على رأس قائمة مستقلة احتلت المرتبة الخامسة في الجهة وكادت توصله إلى قبة البرلمان، ما يثبت شعبيته في صفوف أهالي الجهة، على حدّ تعبيرها.

الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية زارت مسرح الجريمة، ورصدت شهادات يصب أغلبها في خانة تنفيذ “عملية اغتيال سياسي مدبرة”.

وهو ما أكده رئيس حركة “نداء تونس” الباجي قايد السبسي، مستثنيا حزب “التكتل من أجل العمل والحريات” من التورط في العملية دون بقية أحزاب حكومة الترويكا.

وفي الإطار نفسه طالب حزب “الإتحاد الوطني الحرّ”، مكونات المجتمع المدني بالمشاركة في موكب تشييع جثمان لطفي نقض. ويراد من هذه الدعوة استغلال المناسبة، للتعبير عن الوحدة الوطنية بين الفرقاء السياسيين، وفق تعبيره.

فيما وجه عضو المجلس التأسيسي سمير بالطيب، نداء إلى رؤساء الأحزاب السياسية بتجنب الخطابات التحريضية، “باعتبارها أداة لتقسيم التونسيين بين مسلم وعلماني ومساند ومعاد للثورة”. مشيرا إلى أن تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي “كثيرا ما تتسبب في أزمات سياسية في البلاد”.

من جهتها استنكرت رئاسة المجلس التأسيسي، عملية القتل المذكورة. وأكدت في بيان لها على ضرورة الرفع من الأداء الأمني في التصدي لظاهرة العنف السياسي.

رئيس الجمهورية المؤقت، سارع بالاتصال بعائلة القتيل والجرحى المصابين في ذات الحادثة، لطمأنتهم وتعهد بمتابعة سير التحقيقات ومحاسبة المذنبين مهما كانت رمزية وأهمية مراكزهم الحزبية، قبل عقد جلسة طارئة من طرف النواب، لمساءلة وزير الداخلية الذي أقر بخطأ تصريحات الناطق باسم الوزارة، وتقصير الجهات الأمنية في تطاوين.

من حماية الثورة إلى حماية النهضة

“لجان حماية الثورة”، التي تأسست فور سقوط نظام “بن علي” لسد الفراغ الإداري والأمني، والمتهمة بقتل لطفي، ترفض الدعوات المنادية بحلّها ووصفها بالمليشيات الخارجة عن القانون.

وينقسم المشهد السياسي في تونس إلى مؤيد ورافض لاستمرارية نشاط رابطات حماية الثورة لخدمة طرف سياسي دون غيره.

عن هذه النقطة يقول الصحفي أحمد نظيف لموقع “مراسلون” إن “رابطة حماية الثورة” بتطاوين تأسست في شباط/فبراير 2011، على يد مجوعة من الشباب العائد من اعتصام “القصبة1″، وهو الاعتصام الذي طالب أول حكومة بعد الثورة بمجلس تأسيسي.

ويوضح “كنت من بينهم وللأمانة إن هؤلاء الشباب هم القلة القليلة الذين انخرطوا في العمل الاحتجاجي بداية من 17 كانون اول/ ديسمبر 2011”.

لكنه أقرّ “أن نشطاء ذوي توجهات إسلامية متشددة، ساهموا في تأسيس الرابطة، قبل توظيفها لخدمة فصيل سياسي معيّن وهو حركة النهضة”.

ويروي نظيف، أن أسباب  استقالته من الرابطة في نيسان/أبريل العام الماضي تعود إلى “إقدام أحد أعضائها على تجنيد مليشيات لاقتحام مقر إتحاد الشغل بالجهة، ثم تعمد تزوير انتخابات إتحاد المرأة بهدف تنصيب امرأة تحمل أفكارا رجعية”، على حدّ قوله.

خمسة أيتام

عشية الاحتفال بمرور سنة كاملة على أول انتخابات ديمقراطية عاشتها البلاد، خرج حوالي 4000 شخص في العاصمة التونسية، للمشاركة في مسيرة سلمية انتظمت بدعوة من ائتلافات حزبية، كان قاسمها المشترك التنديد بقتل لطفي نقض القيادي في حزب “نداء تونس” ومطالبة وزير الداخلية بالاستقالة.

تحركات احتجاجية ترجمت، تمسك التونسيين بالتعايش السلمي، بين مختلف العائلات الفكرية والشرائح الاجتماعية وإصرارهم على بناء دولة مدنية تعتمد على القانون والمؤسسات.

وإلى حين ثبوت اغتيال لطفي نقض عمدا واعتباره رسميا “أول شهيد سياسي بعد ثورة الياسمين” يبقى رحيله نقطة تحول على المستوى الحياة السياسية، يتطلب مراجعة عميقة من الجهتين السلطة والمعارضة، فيما يبقى في منزله صوره ذات شريطة سوداء وخمسة أطفال أيتام وحزن لن يمحى من ذاكرة والدتهم.