لم يجد الشاب محمد الطمني الذي كان مراهقا قبل سبع سنوات، والذي تسلم وقتها شهادة الثانوية العامة، لم يجد رغبة في الإلتحاق بكلية غير كلية الزراعة، على الرغم من أن مجموع درجاته يوفر له الدخول في كلية من الكليات التي تمثل طموح جيله. وتخرج منها مهندسا زراعيا يحلم باستصلاح قطعة أرض في منطقة قناة السويس وإنشاء مزرعة وبيت عليها.

لم يجد الشاب محمد الطمني الذي كان مراهقا قبل سبع سنوات، والذي تسلم وقتها شهادة الثانوية العامة، لم يجد رغبة في الإلتحاق بكلية غير كلية الزراعة، على الرغم من أن مجموع درجاته يوفر له الدخول في كلية من الكليات التي تمثل طموح جيله. وتخرج منها مهندسا زراعيا يحلم باستصلاح قطعة أرض في منطقة قناة السويس وإنشاء مزرعة وبيت عليها.

وهو الحلم الذي يحمل أصداءً من المخيال الناصري القديم حين كانت الإذاعة تصدح في الستينيات بأغنية: “مهندس جاي …مهندس جاي….يا صحرا لمهندس جاي”.  لكن ما انتهى بأخيه الأوسط المتفوق بكلية الصيدلة عاملا بصيدلية لتحسين دخله، انتهى به إلى العمل مندوب أمن في الكلية التي درس فيها. وبين الحلم واليقظة كانت جولاته المكوكية بحثا عن تخصيص قطعة أرض.

كبار رجال الأعمال

أربع سنوات قضاها “الطمني” بين المعامل والأراضي والمزارع السمكية في دراسته، متشوقا ليوم تخرجه وبالتالي يصبح له أحقية في تملك قطعة أرض كما تروج الدولة عبر إعلاناتها.  فكل حلول الأزمة في مصر تبدأ من زيادة الرقعة الزراعية كما تقول الإعلانات، لكن الطمني يقول: “يبدو أن زيادة الرقعة الزراعية كما تتمناه الدولة لا يعني إلا زيادة رقع أراضي ملاعب الجولف التي تمنحها للمستثمرين الكبار”.

بعد عام من تخرجه ولهاثه على أبواب الهيئات التي توزع أراضي دون جدوى، حاول “الطمني” تحقيق نصف الحلم. فعمل بشركة إنتاج زراعي بشرق قناة السويس لنحو أربع سنوات، لم ينقطع خلالها عن زياراته المكوكية في دهاليز هيئات توزيع الأراضي، لكنه في الشركة التي عمل بها لاحظ اللعبة كما يسميها ويشرحها: “وفرت الدولة  كل الخدمات لشركة توزيع واستصلاح الأراضي التي توزع الأراضي في محافظة الإسماعيلية، مياه وكهرباء وبنية أساسية. يملك الشركة قيادة سابقة بجهاز سيادي، وكل أراضي الشركة مملوكة لكبار رجال أعمال النظام القديم، في حين ترفض الدولة تمليك الأراضي لشباب الخريجين مثلي بحجة عدم الجدية، فإن كنت محظوظا أو عندي واسطة وأخذت الأرض، فغالبا ما لا يتوافر لها أي من تلك المقدرات المتوفرة لكبار رجال الأعمال”.

رحلة البحث التي لا تنتهي

عمل “الطمني” بشركة الإنتاج الزراعي أربع سنوات، يتلصص تقريبا على حلمه، لكن عمله كان بعقد مؤقت ودون تأمينات. ولأن لا أمل في إنجاز أي ادخار من عمله بالشركة، ومع تقدمه في العمر دون حتي تلمس أطراف حلمه من بعيد، تقدم لوظيفة مندوب أمن بكليته، فإن  لم يحصل على حلمه لحق بـ”تراب الميري”، ووظيفته الجديدة التي لا تتطلب أكثر من حاصل على الشهادة الإعدادية، ستوفر له التأمين الصحي والمعاش بعد عمر طويل.

صحبنا “الطمني” في جولته الاعتيادية، من مديرية الزراعة حيث استنكر المسؤولون بها سؤال “الطمني ” عن إعلانات جديدة لتمليك الأراضي، ونصحنا مسئول بها بالتوجه إلى مبني ديوان المحافظة في الإسماعيلية، هناك في ديوان المحافظة وجدنا الباب أيضا مغلقا، فتوجهنا إلى هيئة التعمير، الأماكن الثلاثة مسئولة عن توزيع الأراضي وقد يظهر بها إعلان عن تمليك أراضي بشكل مفاجئ كما يشرح “الطمني”. في هيئة التعمير يسلم الطمني على “عم حربي” العامل الذي يقابل “الطمني” بشكل دوري، ثم يشير “عم حربي” إلى إعلان عن مزاد لبيع الأراضي معلق على واجهة الهيئة.

يتأمل”الطمني” لوحة الإعلان ثم يستدير قائلا: “كما تري سيفتح مزاد جديد لبيع أراضي بعد شهر، يتطلب المزاد تأمينا ماليا لا أملكه، وكالعادة ستكون قطع الأراضي كبيرة وبالتأكيد لا أملك أنا أو غيري من شباب الخريجين القدرة على تملكها، سيظهر يوم المزاد وحوش مافيا الأراضي بقدراتهم المالية الضخمة، شركات تستطيع الإنفاق وتملك صلة بالدولة لتسهيل جدولة سعر الأرض وتوصيل المرافق لها، أين أنا بفداديني الحلمية الخمسة ومنزلي الريفي من هذه الدراما؟ لا أعرف”.

قشة الحلم

“لا أعرف ما هي التعاونيات الزراعية، فأي محاولة لجمع أمثالي ستكون صفرا إلى جوار أصفار” هكذا يردف “الطمني”، قبل أن يوضح أن قواعد الشفافية والمنافسة غائبة، فاستصلاح الأراضي بحجم هذه المساحات التي تتطلبها التعاونيات يتطلب استثمارات ضخمة، ولأن عائد الزراعة ضعيف وبطيئ أساسا، ولأن الزراعة  لا تجدي إلا في مساحات ضخمة وبزراعة محاصيل تجارية مربحة، يبدو أن الخمسة فدادين والمنزل التي يحلم بها “الطمني” ستبقى سرابا معلقا في الفراغ، لكنه يضيف: “لا أمل لي ولأبني أياد البالغ ثلاث سنوات إلا التعلق بقشة الأرض، وإلا الاستسلام لنوبات الحراسة المجهدة”.