يصف المصريون أي تصريحات أو معلومات غير منطقية أو قابلة للتحقق بأنها “كلام جرايد”، التعبير يعكس غياب مصداقية الصحف المصرية عبر عقود طويلة بسبب التحكم الدائم من النظام في سياساتها التحريرية. ورغم أن صحف مبارك لم تحميه من ثورة يناير، لكن ما زالت السيطرة على الصحف هدفا للنظام الجديد في مصر وبأساليب قد تكون متطابقة مع تلك التي استخدمها نظام مبارك وإن اختلفت التفاصيل بعض الشئ حتى الآن.

يصف المصريون أي تصريحات أو معلومات غير منطقية أو قابلة للتحقق بأنها “كلام جرايد”، التعبير يعكس غياب مصداقية الصحف المصرية عبر عقود طويلة بسبب التحكم الدائم من النظام في سياساتها التحريرية. ورغم أن صحف مبارك لم تحميه من ثورة يناير، لكن ما زالت السيطرة على الصحف هدفا للنظام الجديد في مصر وبأساليب قد تكون متطابقة مع تلك التي استخدمها نظام مبارك وإن اختلفت التفاصيل بعض الشئ حتى الآن.

الصحف في مصر لها ثلاث تصنيفات فقط لا غير، الأول الحكومية أو ما يطلق عليها القومية أي المملوكة للأمة ، تلك الصحف باتت تحت سيطرة اخوانية شبه مطلقة لكن بطريقة مستحدثة تليق بمصر بعد الثورة كما توهم أصحابها.

فهناك لجنة من شخصيات صحافية وبرلمانيين من داخل مجلس الشورى تختار رؤساء التحرير الجدد، والقائمة الجديدة صنفت ما بين موالين للإخوان حتى لو لم يكونوا أعضاء في الجماعة، أو غير مؤدلجين سياسيا. والصحفي الذي لا يمتلك أي اتجاه سيتبع كما هو العرف من اختاره للمنصب.

النوع الثاني هو الصحف الحزبية، وهي ومن قبل سقوط مبارك غير مؤثرة أيا كان اسم الحزب. والمفارقة أن الكيانات الحزبية الجديدة والتي تحظى باهتمام الشارع ما بين مؤيد ومعارض لا تمتلك صحفا تعبر عنها مثل “حزب المصريين الأحرار” و”الحزب المصري الاجتماعي الديموقراطي” و”حزب الدستور” و”التيار الشعبي”، لتبقى أحزاب الاخوان والسلفيين هي فقط التي نجحت في إطلاق صحف لا يزال تأثيرها عند القارئ غير الاسلامي محل شك.

يبق إذن التصنيف الثالث وهي الصحف الخاصة التي تعد الأكثر تأثيرا على الرأي العام سواء من خلال نسخها المطبوعة أو الالكترونية، سواء تلك التي عرفها الجمهور قبل الثورة مثل “المصري اليوم” و”الشروق” و”اليوم السابع”، أو بعدها كـ”التحرير” و”الوطن” وأخيرا “الصباح”، ليصبح السؤال الكبير هو كيف سيتعامل معها النظام وممثلوه في إطار الرغبة في السيطرة على الاعلام وخصوصا الصحافة المطبوعة التي يخاصم معظم العاملين فيها التيارات الدينية منذ سنوات طويلة.

[ibimage==2661==Small_Image==none==self==null]

في مكتب تحرير جريدة ”المصري اليوم” 

فهل تطال الصحف الخاصة الأخونة بأسلوب مختلف عن ذلك المستخدم في عهد مبارك؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب أولا نظرة إلى ماضي تلك الصحف القريب. باختصار شديد يمكن القول أن تلك الصحف لم تنجو من الدعاية الموجهة في مواقف عديدة حسب توجهات رأس المال وشخصيات القائمين عليها.

جريدة “المصري اليوم” على سبيل المثال رأس تحريرها في البداية أنور الهواري الذي كان يصنف بأنه صاحب اتجاه اسلامي، وخرج منها بعد أزمة نشر إعلان لشركة خمور لم يوافق هو عليه.

لكن المفارقة أن الهواري عمل لاحقا رئيسا لتحرير جريدة “الوفد” الحزبية قبل أن ينتقل لمجلة “الاهرام الاقتصادي” الحكومية التي غادرها قبل شهرين ليكون رئيس التحرير الوحيد الذي تولي صحف خاصة وحزبية وحكومية في السنوات الست الأخيرة.

خلفه في “المصري اليوم” مجدي الجلاد ولم يكن معروفا للوسط الصحفي قبلها ثم انتقل بعد الثورة لتدشين جريدة “الوطن” المملوكة لمجموعة من رجال الأعمال، وسياسته دائما ضد الإخوان قبل وبعد الثورة، لكن المفارقة أن من خلف الجلاد في “المصري اليوم” ياسر رزق قادم من جريدة “الأخبار” الحكومية ومحسوب على العسكر كونه من أبرز المحررين العسكريين وله مواقف مضادة لجماعة الاخوان المسلمين. الأمر الذي يصعّب على أي باحث رصد سياسة تحريرية مستقرة للجريدة في ظل إدارة رؤساء التحرير الثلاثة.

تظل “المصري اليوم” هي أبرز جريدة مصرية خاصة، ويقول أصحابها إن توزيعها يقترب من حاجز ربع مليون نسخة يوميا، في حين أن جريدة “الشروق” بقيت مرتبطة دائما بتوجهات ناشرها إبراهيم المعلم القريب من النظام السابق وخصوصا سوزان ثابت حرم الرئيس المخلوع حسني مبارك بحكم عمله في مجال النشر.

وعن الشركة التي يديرها المعلم تنطلق جريدة “التحرير” التي تحول رئيس تحريريها إبراهيم عيسى ليكون ضد الاخوان تماما وبعنف منذ قيام الثورة حتى أن الجريدة اُتهمت كثيرا بالمبالغة في العناوين الصحفية الموجهة ضد الاسلاميين وبالانحياز السافر للتيار الليبرالي والتسامح مع النظام السابق إذا كان ذلك سيصب في خانة نقد الاسلاميين.

لكن المتابع لمسيرة عيسى الصحفية يدرك أن علاقته بالاخوان المسلمين كانت ايجابية خلال فترة ادارته لجريدة “الدستور”، حتى أنه لم يتناول مسلسل الجماعة بالنقد عندما عرض في رمضان 2010. وكانت الهمسات تتوالي في السوق الصحفي حول اتفاق غير مكتوب بدعم الاخوان المسلمين للجريدة من خلال شراء عدد كبير من النسخ يوميا مقابل الاهتمام بأخبار الجماعة.

المفارقة أن عيسى خرج من “الدستور” في تشرين أول/ أكتوبر 2010 بعد صفقة شراء السيد البدوي رئيس حزب الوفد ورضا ادوارد رجل الأعمال للجريدة بحجة تطويرها قبل أن ينقلبا على عيسى وتناصر الجريدة حتى الآن نظام مبارك وتعادي جماعة الاخوان المسلمين وسط تسريبات عن محاولات لشرائها بنفس السيناريو الذي استخدمه البدوي وادوارد مع مالكها الاصلي عصام اسماعيل فهمي قبل عامين، بالتالي ستظل تلك الصحف تحت سيطرة من يمولها ومدى علاقاته بالنظام الحاكم في مصر.

الأمر نفسه ينطبق على جريدة “الصباح” المملوكة لرجل الاعمال احمد بهجت والتي تعد أحدث الصحف اليومية في مصر وبهجت يعد نموذجا لاستخدام سلاح المال للسيطرة على المضمون الاعلامي حيث عانى طويلا من مضايقات لمنع شخصيات صحافية وإعلامية من الظهور على شاشة “دريم” أبرزهم محمد حسنين هيكل. بالتالي يمكن تحليل السياسة التحريرية لجريدته “الصباح” حسب المصالح الاقتصادية التي تربطه بالنظام الجديد.

الضغط الاقتصادي سيظل السلاح الفعال كما يقول الكاتب الصحفي عبد الله السناوي، الذي يرى أن “غياب القواعد الديموقراطية يعني في المقابل سهولة السيطرة على رأس المال”.

هذا السلاح كان فعالا في عهد مبارك، وبعد الثورة لازال هناك من رجال أعمال مبارك من هو مؤثر في الساحة الاعلامية مثل منصور عامر القريب من مجموعة قنوات “سي بي سي” على الرغم من النفي المستمر لإدارة المجموعة.

ويرى السناوي أن تحليل ما تنشره الصحف كل يوم يكشف بعد أيام قليلة خطوطها الحمراء، وهو ما ينطبق على القنوات بكل تأكيد، مشيرا إلى أن الصحف الخاصة تعاني حاليا من مأزق حقيقي بسبب عدم القدرة على إعلان سياسة تحريرية واضحة وسط غياب تام “لشرط الضمير الذي من المفترض أن يحكم العمل الصحفي”، كما يقول رئيس التحرير السابق لجريدة العربي الناصري عبد الله السناوي. لكن ما يحدث أن تغيير قيادات كل صحيفة يعني تغيير تام في سياساتها التحريرية وهنا مكمن الخطر على الصحافة المصرية أيا كان تصنيفها.

من الزاوية نفسها يبدأ تحليل الكاتب الصحفي مؤنس زهيري لما قد يطال الصحف الخاصة في المرحلة الحالية بعد الانتهاء من تدجين الصحف الحكومية وانهيار الحزبية، يرى زهيري الكاتب بمؤسسة أخبار اليوم أن الاخوان المسلمين ليسوا بحاجة للسيطرة على الصحف الخاصة بشكل مباشر لأن لديهم سلاح فعال يمكن استخدامه في أي وقت وهو الوكالات الاعلانية التي تتعاقد معها الصحف لبيع مساحات اعلانية تسوقها الوكالة للمعلنين داخل وخارج السوق المصرية. هنا يحق للوكالة أن تتدخل في السياسة التحريرية ولو باستخدام لغة النصيحة.

ويشير زهيري إلى أن تكوين وكالة اعلانية اخطبوطية أمر ليس بالصعب على جماعة تمتلك موارد اقتصادية استهلاكية كبيرة يمكنها توفير رأس مال سريع وإن كانت الوكالات الموجودة حاليا تعرف كيف تتكيف مع أي نظام سياسي جديد.

لكن الخطر الأكبر يحيط بالصحف الحكومية التي قد يشكل سقوطها في براثن “دب الخصخصة الأسود” كما يسميه زهيري، ما يعني انهيار تام للصحافة المصرية التي تحتاج لاستمرار المنافسة كي تصمد في وجه الاستخدام السياسي المستمر لها عبر كل الأنظمة.

ويشير زهيري إلى أن ما تتعرض له الصحف الحكومية من انهيارات اقتصادية متتالية يجعل من السهل عرضها للبيع لاحقا بدعوى انقاذها والحد من نزيف الخسائر. عندها يظهر في الصورة رجال أعمال حتى لو اخفوا توجهاتهم السياسية فلن يكونوا ببعيد عن النظام السياسي القائم، “ووقتها سيكون الاخوان المسلمين قد سيطروا على الحجر بعدما حاصروا البشر فلتصبح الصحف الخاصة بعدها مجرد مهمة سهلة أمام دب الخصخصة الأسود”.