الوالج إلى “المستعمرة” يختار بين بوابات ثلاث رئيسية، تبتعد كل واحدة عن الأخرى قرابة ال100 متر، وتطل كلها على الطريق السريع بين مدينتي طنطا والمحلة. البوابات عبارة عن ثغرات في السور الواطئ الذي يحيط بالمستعمرة من جميع الجهات، وهى غير مغلقة، ورغم وجود عناصر من أمن الداخلي لشركة الغزل والنسيج على كل بوابة، إلا أنه لا يمنع أي مواطن من الدخول أو الخروج ولا يقوم بالإطلاع على هويته.

الوالج إلى “المستعمرة” يختار بين بوابات ثلاث رئيسية، تبتعد كل واحدة عن الأخرى قرابة ال100 متر، وتطل كلها على الطريق السريع بين مدينتي طنطا والمحلة. البوابات عبارة عن ثغرات في السور الواطئ الذي يحيط بالمستعمرة من جميع الجهات، وهى غير مغلقة، ورغم وجود عناصر من أمن الداخلي لشركة الغزل والنسيج على كل بوابة، إلا أنه لا يمنع أي مواطن من الدخول أو الخروج ولا يقوم بالإطلاع على هويته.

داخل المستعمرة. محمد وادي، أحد قدامى العاملين بالشركة والذي أُحيل إلى التقاعد منذ سنوات بعد أن بلغ الستين، يلتقي يوميا بزملائه من العاملين القدامى أمام منزل زميلهم شمس المغربي، ليس للتسامر، بل لبحث الأحكام القضائية التي أقامتها إدارة الشركة لطرد نحو 750 أسرة من المدينة بعد إحالة أربابها إلى التقاعد، وذلك في إطار مشروع تحويل جزء من مساكن المنطقة إلى وحدات تجارية.

 

ملك للعمال

يبدو محمد وادي منهمكا في إعداد المستندات لتقديمها إلى المسئولين الحكوميين، في محاولة جديدة منه لوقف حكم الطرد. يسحب مستندا ويشير إليه قائلا: “هذا عقد أُبرم بين الحكومة المصرية وشركة غزل المحلة عام 1976، والذي يكشف تاريخ المدينة العمالية وحقيقة ملكيتها، ويبطل إدعاءات إدارة الشركة بملكيتها للمدينة بأكملها.”

[ibimage==2607==Small_Image==none==self==null]

وقفة سابقة لعمال المحلة قاطنى المستعمرة

يستطرد وادي في سرد تاريخ المستعمرة فيقول: “المدينة العمالية مشيدة على مساحة 69 فدانا، خصصتها الحكومة لشركة الغزل والنسيج بدون مقابل عام 1945، مع الاحتفاظ بملكيتها رسميا. ثم أشترت الشركة مباني المدينة عام 1976، وهنا مربط الفرس. فالشركة سددت قيمة الشراء من حصص العمال في الأرباح، حيث كان يُخصم من العمال نسبة 15% من الأرباح السنوية وحتى عام .1991 وبذلك تكون المباني ملكا للعمال، أما ما حولها من أراض وحدائق ومرافق فمازالت ملكا للحكومة المصرية، وهو ما يعنى أن الشركة ليس لها الحق في طرد العمال من مدينتهم.”

الحدود بين عالمين

مع ذلك فإن الحصول على إذن بشغر وحدة سكنية في المدينة العمالية ليس بالأمر الهين، وهكذا ينضم إلى فئة المتذمرين من المهددين بالطرد عدد لا بأس به من عمال الغزل والنسيج الذين حرموا مزايا السكنة بالمستعمرة ابتداء.

نلتقي العامل محمد فتحي بصحبة زملائه على مقهاهم المفضل داخل المستعمرة، فيحكي لنا مشوار معاناة امتد لسنوات قبل أن ينتهي من إجراءات تسلم وحدة سكنية هاهنا. وهو امتياز لا يستهان به، إذ يوفر عليه قيمة الإيجار الشهري خارج المستعمرة، مشيرا إلى أن التزايد المستمر في أسعار الإيجار في المحلة دفع العديد من العمال إلى استئجار وحدات سكنية بالقرى المجاورة للمدينة توفيرا للنفقات.

أما جليسه فيصل لقوشة – أحد القيادات العمالية – فقد آثر عدم الدخول في “معمعة” طلب وحدة سكنية داخل المستعمرة، يقول: “أنا فضلت أن أسكن في منزل العائلة،  فالإقبال على الواحدات السكنية داخل المدينة العمالية ضخم، وكثيرا ما لا تتم الموافقة إلا عن طريق الواسطة.”

داخل المستعمرة، خارج المستعمرة. الحدود هنا مرنة، والسور الواطئ يغري بتخطيها أكثر ما يأمر باحترامها. عقب انتهاء جلسة السمر على المقهى، يودع عبد القادر الديب رفيقيه لقوشة وفتحي في مشوار يومي، فشراء وجبة العشاء لأسرته يستلزم الخروج من المدينة العمالية إلى أحد الأحياء المجاورة. فبرغم ما تحويه الأولى من قائمة طويلة من المرافق الحيوية كمكتب البريد ومدارس عدة ومقاهي ومكتب لجوازات ومساجد وحدائق ومستودع للغاز ومخبز ومحطة لمياه، إلا أنها تكاد تفتقر تماما للمحلات التجارية.

داخل المستعمرة، خارج المستعمرة. هناك مسألة واحدة ترتسم حيالها الحدود بين العالمين بوضوح وجديدة الحدود الدولية: مسألة السكن.  

فالإيجارات المرتفعة خارج “المستعمرة” تدفع العمال المهددين بالطرد للتمسك بمحل إقامتهم، فإلى أين المآل والشركة لا توفر سكنا مدعما بديلا؟ شمس المغربي – من قدامى العمال – يؤكد أنه من المفترض أن توفر الشركة سكنا بديلا للعامل الذي يقطن بالمدينة العمالية في حالة تقاعده، وهو ما لا يحدث منذ سنوات وهو أيضا ما خلق الأزمة. ويوضح المغربي أن قيام الشركة بطرد المتقاعدين من مساكنهم دون توفير بديل يخالف قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1996 الذي يقر بأحقية ورثة الموظف والعامل بالسكن الإداري، ويخالف قرار رئيس الوزراء عام 1996 الذي يجرّم إخلاء أي سكن خاص بأرباب المعاشات دون توفير البديل.

 

القوى السياسية تتضامن

هذا وقد تضامنت العديد القوى السياسية، ونشطاء من الحركات الشبابية – وجميعهم يقطنون خارج أسوار المستعمرة – مع قضية متقاعدي المدينة العمالية. من هؤلاء ممدوح صلاح، عضو الحزب المصري الديمقراطي، وهو يقطن بمنطقة المنشأة الجديدة خلف سور المدينة العمالية. وعن علاقته بال”مستعمرة” يقول ممدوح: “أمر يوميا بالمدينة العمالية لكي أصل من مكان عملي إلى منزلي،” ويضيف: “أسوار المدينة العمالية الخرسانية لا تأثر على العلاقة بين سكان المدينة الأم والعمال القاطنين داخل الأسوار، فالعلاقات ودية، خاصة أن أطفال المناطق المجاورة يستخدمون المساحات الخالية داخل المستعمرة في اللهو ولعب كرة القدم، بالإضافة إلى الصلاة داخل المسجد، والحصول على اسطوانات الغاز من مستودع المدينة العمالية، وإنهاء إجراءات السفر للخارج من مكتب الجوازات الذي يخدم جميع سكان المحلة. أضف إلى ذلك أن مدارس مدينة العمال تقبل أيضا أطفال من خارجها، وأنا شخصيا لي العديد من الأصدقاء بداخلها، فطبيعي أن أتضامن معهم، فهم من سكان وعمال المحلة.”

 

إلى أين؟

الملفت أن صفحات أزمة المستعمرة كانت بالفعل قد طويت عندما انحاز عادل الموزى، وزير الاستثمار في عهد رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف، لأرباب المعاشات وقرر وقف تنفيذ أحكام الحجز والتعويضات. إلا أنها عادت لتشتعل في عهد الحكومة الحالية إثر تصريحات لرئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج عبد العليم حسان، أكد فيها نيته بيع أرض المستعمرة بقيمة 2 مليار جنيها وضخها فى الشركة لانعاش الصناعة بها. وبينما تبقى تصريحات حسان دون تعقيب من قبل المسئولين الحكوميين، يقف أصحاب المعاشات بالمستعمرة مرة أخرى أمام مستقبل مجهول لا حق لهم فيه.