وخزة دبوس واحدة تكفي كي تفقد مريم ثلاثة لترات من دمها. فالطفلة ذات الأعوام الستة التي تنحدر من ولاية قفصة، جنوبي غربي البلاد، ولدت مصابة بمرضٍ “الناعور” أو “الهيموفيليا”، أي أن دمها يستمر بالنزيف مع كل جرح صغير لمدة طويلة دون أن يتخثر، ما يعرضها لخطر الموت.

وخزة دبوس واحدة تكفي كي تفقد مريم ثلاثة لترات من دمها. فالطفلة ذات الأعوام الستة التي تنحدر من ولاية قفصة، جنوبي غربي البلاد، ولدت مصابة بمرضٍ “الناعور” أو “الهيموفيليا”، أي أن دمها يستمر بالنزيف مع كل جرح صغير لمدة طويلة دون أن يتخثر، ما يعرضها لخطر الموت.

[ibimage==2634==Small_Image==none==self==null]

الملكة فكتوريا

هذا المرض لطالما ارتبط بالعائلة المالكة البريطانية وتحديدا الملكة فكتوريا، ومنها انتقل إلى عائلات نبيلة أخرى في ألمانيا واسبانيا حتى سمّي “مرض الملوك”، لكنه استهدف اليوم واحدة من أفقر العائلات التونسية وأكثرها بؤسا.

[ibimage==2640==Small_Image==none==self==null]

ألكسي نيكولايفتش، ابن التسار في روسيا

رحلة طويلة  

والد مريم عاطل عن العمل وبالكاد يؤمن نفقة إطعامها مع أخويها الصغيرين المصابين أيضا بالناعور. فيما يقول أن النفقات تزداد وتتضخم خصوصا أن المرض غير قابل للعلاج.

ويضيف “إن مصاريف مداواة أطفالي الثلاثة تعجز عنها حتى العائلات الغنية”.

وبينما كان ينتظر دوره بالدخول إلى “جمعية رعاية مرضى الهيموفيليا” في ريف ولاية قفصة لتسلم محفظة مدرسية وبعض الكتب كنوع من المساعدة، كانت مريم تجلس على أحد الكراسي تهزّ رجلها الملفوفة بالضماد، وإلى جوارها آخرون ينتظرون ربما الحصول على بعض عبوات الدواء.

أحمد عجمي والد لتوأم مريض يتحدث عن صراع ولديه مع هذا المرض فيقول “كنت أعرف القليل عن الهيموفيليا فأحد أقاربي توفي بسببه وهو في الثلاثين من عمره ولكن أبدا لم أتصور أنه سيصيب إبنيّ”.  

ويضيف “عندما كان عمرهما قرابة العام نزف أحدهما كثيرا ولم ينفع في ذلك نقل الدمّ.. حينها عرفنا أنه مصاب”.

ويصف عجمي ما يعيشه بأنه “رحلة طويلة ومضنية” لكنه يستدرك أن “أسرتي لم تبخل عليّ بالمساعدة وتحمّل الأعباء المادية ولولاها لكانت حالة الطفلين بالغة السوء”.

ألف مصاب

يعرف أصحاب الاختصاص مرض الهيموفيليا بأنه اضطراب وراثي في تخثر الدم يتميز بنزيف لفترة طويلة داخل جوف المفصل أو في العضلات ، بالإضافة إلى نزوف شديدة تالية للرضوض والجروح أو العمليات الجراحية. وتختلف درجة الإصابة فيه بين حالة وأخرى تبعا لعامل تخثر الدم، كما قد يحمل الشخص المرض دون أن يصاب به.

ويوجد حوالي 355 ألف مصاب بالهيموفيليا  في جميع أنحاء العالم، أما في تونس فإن الجمعية التونسية لمرضى الهيموفيليا تتحدث عن 1000 حالة معلنة، لكنّ تلك غير المعلنة أكبر من هذا العدد.

ويقول أحمد عجمي والد التوأم إن مريض الهيموفيليا يتوجب عليه توفير عبوات الدواء من الجمعية أو أحد مستشفيات العاصمة و المكوث أربعة أيام تحت المراقبة مما يعني أنه مطالب بترك عمله وكلّ مصالحه حتى يستطيع العناية بطفليه.

ويشير بهذا الخصوص إلى أن “كثير من المرضى استسلموا للمرض ولم يواصلوا العلاج لهذه الأسباب، فتُركوا للوجع أو الموت”. ويقول أن الدولة “لا تتحمل المسؤولية في مصاريف العلاج والمراقبة وترى فيها عبئا كبيرا عليها  نظرا لغلاء الأجهزة والأدوية”.

سرّ عائلي

على الصعيد الاجتماعي، تتحاشى العائلةَ الحاملة للمرض بقية العائلات خاصة عند النّسب. لذا يفضل بعض المصابي الحفاظ على مرضهم كسرَ عائلي، بل إن بعضهم لا يسلك طريق العلاج حتى لا يعلم غيره بالمرض.

ويقول أحمد عجمي “عندما أقدم أخي على الزّواج أصرّت خطيبته على إجراء الفحوصات اللاّزمة للتأكد من سلامته من الهيموفيليا”.

أحد الشبّان المصابين رفض ذكر اسمه، يحمل شهادة جامعية، قال لـ”مراسلون” إن “أبناء ملوك توفوا عندما لم يكن هناك علاج للهيموفيليا والآن يوجد أدوية لكن الفئات الشعبية تموت مرضا”.  وأضاف”كأنها لعنة أو حقد دفين حملته الملوك لهذه الفئات الفقيرة”. ويشير الشاب إلى أن المرضى “يعيشون على فتات ما تقدمه الجمعية، والأغلبية استسلمت”.

عشرية مليكي هي امرأة مسنّة (70 سنة) كانت تعمل في الفلاحة، أقعدها المرض. زارها فريق “مراسلون” إلى منزلها للتحاور معها لكنّها لم تكن هناك.

“لقد سبقكم إليها الموت” قال محمد، أحد أبنائها بنبرة حزينة وأضاف “لقد تعكّرت حالتها فنقلناها إلى المستشفى لكنّ الطّبيب طلب إرجاعها إلى المنزل لأنه قد فات الأوان”.