في منتصف شارع الإصلاح بحي الرمل كانت تقف سيدة سمراء طويلة القامة ترتدي عباءة سوداء وتغطي رأسها بحجاب أسود، ممسكه بعصا وطبلة كبيرة وسلسلة مربوطة في عنق كلب صغير “لولو” يرقص كلما دقت علي الطبل وهي تغني “توت حاوي حاوي، توت خش أتفرج هرج فوت، زاحم قرب والحق نفسك قبل ما يلعب جوه الملعب..”. 

حاوية من أجل زوجها

في منتصف شارع الإصلاح بحي الرمل كانت تقف سيدة سمراء طويلة القامة ترتدي عباءة سوداء وتغطي رأسها بحجاب أسود، ممسكه بعصا وطبلة كبيرة وسلسلة مربوطة في عنق كلب صغير “لولو” يرقص كلما دقت علي الطبل وهي تغني “توت حاوي حاوي، توت خش أتفرج هرج فوت، زاحم قرب والحق نفسك قبل ما يلعب جوه الملعب..”. 

حاوية من أجل زوجها

إنه مشهد متكرر من عمل أم محمد، 45 عاما، حاوية، من محافظة الإسكندرية، تستنسخه يوميا حتى تعود لأسرتها بما يسد الرمق.فالحاوي مهنة يهيمن عليها الذكور، وكذا كان زوج أم احمد هو صاحب الصنعة الأصلي، لكنه عندما أصيب في الثورة بطلق ناري في قدمه جعله قعيد الفراش اُضطرت إلى الحلول محله.

وتشرح أم محمد كيف تمكنت من اقتحام عالم الحواة السكندري خلفا لزوجها فتقول “قبل أن يصاب زوجي كنت أتجول معه في الشوارع كمساعدة. هكذا تعلمت منه كل الألعاب: ترقيص الكلب والقرد واللعب بالأقراص الحديدية، إلا الألعاب الصعبة مثل إشعال النار داخل فمه وإيلاج السيف في بلعومه، تلك لم أتقنها أبدا، فكلها ألعاب خطيرة تحتاج لمحترف مثله”.

ولئن اقتصر عمل أم محمد على ترديد بعض الأغنيات البسيطة برفقة كلبها، والتي أكثر ما تجذب الأطفال، إلا أنها اصطدمت بجماعات سلفية في المدينة تحرم مهنة الحاوي بدعوى أنها “مهنة شيطانية”.

وتقول “في يوم كنت أمارس عملي في شارع الإصلاح بمنطقة باكوس والمعروفة بأنها معقل للجماعة السلفية، الأطفال والكبار حولي يصفقون، عندما فوجئت بشيخ ملتح يرتدي جلبابا أبيض يقول: توقفي أيتها السيدة المجنونة عن هذه الأفعال الشيطانية، ألا تعرفين دينك يا كافرة. ثم ركل معدّاتي بقدمه وانصرف”.

وتواصل أم محمد:”لا آبه لما فعله هذا الرجل ولكني امتنعت عن الذهاب إلي نفس المنطقة مرة أخرى خوفا، فأنا أمرأة وحيدة في النهاية”.     

صعود الإسلاميين يهدد الحُواةٌ

أم محمد ليست الوحيدة التي تشعر أن مهنتها ومصدر رزقها باتا في خطر. فالمسألة لا تقتصر على من يكسر القاعدة من النساء.

“أحمد العجيب” واسمه الحقيقي أحمد جودة، 52 سنة، أحد أشهر حُواةٌ الإسكندرية، يتجول هو الآخر بين المقاهي والشوارع، بين يديه حقيبة سوداء تحوي أدواته السحرية المبهرة. يتوقف بضعة دقائق أمام كل مقهى وفي كل شارع لتقديم بعض الاستعراضات، وحين ينتهي يخرج طبقا صغيرا يجمع فيه القروش حصيلة المشاهدة.

أحمد العجيب يؤكد أيضا تصدي مجموعات اسلامية لأرباب مهنته في مناطق مختلفة، بدعوى أن السحر بدعة ومن أعمال الشيطان، ويضيف “جعلنا ذلك نتوقف عن ممارسة أعمالنا في بعض المناطق التي تعد معاقل للجماعات الإسلامية مثل باكوس والرمل حتى لا نتعرض للمشاكل”.

أما الحاوي لطفي المصري، الشهير بـ “عم بقلز”، 50عاما، فيشتكي ممن يسميهم “أصحاب اللحى”، ويقول “المهنة مهددة بالانقراض بسبب حملات التكفير التي يشنّوها”.

خشية من السخرية

ما العمل؟ لحاجة في نفوسهم، يتوجس الحواة من الإستغاثة بالأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة، فيقول “عم بقلز” إنه يعلم جيداً أنه لو لجأ إلى الجهات الرسمية فلن يتحرك لها ساكن لحمياته، “خاصة بعد سيطرة الإسلاميين علي الدولة” بحسب رأيه.

ويشاركه في الرأي أحمد العجيب، متوقعا أن يكون رد فعل المسؤولين السخرية من مهنته ولومه على تضييع وقتهم الثمين، ولا يرى مخرجا من الأزمة سوى اعتراف نقابة المهن التمثيلية بمهنته، “فكما هناك شعبة بالنقابة للرقص الشعبي لابد أن يكون هناك شعبة للألعاب السحرية،” ما يحميها من الهجمات المتواترة عليها ناهيك عن ضمان الحقوق الاجتماعية لأربابها.