في هذا اللقاء الحصري مع “مراسلون” تؤكد الفتاة المغتصبة أنها لن تتنازل عن حقها في متابعة الجناة. وأن وزارة الداخلية عملت بكل الوسائل على تبرئة المغتصبين وطمس الحقيقة. في ما يلي نص الحوار:

س: كيف تعرفين نفسك؟

في هذا اللقاء الحصري مع “مراسلون” تؤكد الفتاة المغتصبة أنها لن تتنازل عن حقها في متابعة الجناة. وأن وزارة الداخلية عملت بكل الوسائل على تبرئة المغتصبين وطمس الحقيقة. في ما يلي نص الحوار:

س: كيف تعرفين نفسك؟

[ibimage==2325==Small_Image==none==self==null]

“هي”

ج: أكيد لا استطيع التعريف بنفسي ككل الناس، ولا أستطيع إظهار هويتي الحقيقية. فالمجتمع الذي أعيش فيه لا ينسى مثل هذه الاحداث باعتبار أني ضحية اغتصاب. أنا عمري 27 سنة مستوى جامعي متحصلة على أستاذية في المالية وبصدد التحضير للمرحلة الثالثة، عاطلة عن العمل من عائلة ميسورة ومتماسكة.

س: هل يمكن لك أن تحكي لنا حادثة الاغتصاب؟

ج: كنت أنا وخطيبي في سيارتي، نتجاذب أطراف الحديث وفجأة ظهرت سيارة مدنية خرج منها ثلاثة أشخاص بلباس مدني تقدم أحدهم لمرافقي وأمره بالنزول بعد أن عرف نفسه بأنه شرطي. أما الشخصين الأخرين أمراني بالنزول ووضعاني في سيارتهما. وقد طلب منا الأعوان نقودا مقابل إخلاء سبيلنا أو أنهم سيلفقون لنا قضية.

أخدوا اربعين دينارا، وهي كل ما كان معي من مال. وطلبوا المزيد وتحديدا ثلاث مائة دينارا، فرافق خطيبي أحدهم في سيارتي لجلب المال من الموزع الالكتروني. وبقيت أنا مع الاثنين الآخرين.

لم أكن اتوقع حدوث ضرر، باعتباري في حضرة رجال أمن، لكن ما حدث كان فظيعا، فقد تداولا على اغتصابي لمدة ساعة وربع وكنت وقتها في حالة غيبوبة وكان عقلي قد انفصل عن جسدي في لحظة اختلط فيها الرعب والوجع المهانة.   

وبعد ما انتهوا من فعلتهم الشنيعة ارجعوني إلى خطيبي وتركونا وذهبوا إلى حال سبيلهم. وما لاحظته أن هؤلاء متعودون على ارتكاب مثل هذه الجرائم لأن التنسيق بينهم كان محكما ودون أي تردد وهذا ما قلته لقاضي التحقيق.  

س : وماذا حدث بعد ذلك؟

ج: عند رجوعي لاحظ خطيبي اضطرابي في البداية قلت له لم يقع شيء لأنهم مازالوا قريبين منا وعند ذهابهم اجهشت بالبكاء وكنت في حالة هستيرية وقلت له ما حدث فأخذني الى المستشفى لاثبات الاغتصاب والحمد الله كنت واعية ولم أتركهم يزيلون اثار فعلتهم لانهم طلبوا مني ان اغتسل.

كما ذهبت إلى أقرب مركز شرطة، حيث جاء المغتصبون إالى هناك. تفاجأوا بوجودي لإنهم اعتقدوا باني سأخاف ولن اشتكي إلى السلطات. وحاولوا مع زملائهم في المركز التاثير علي واخافتي لأتنازل عن حقي. فحتى العون الذي كان يدون اقاويلي كان يقول لي “لن تجني شيء من هذا وحفاظا على شرفك تنازلي عن القضية” والاخر يقول لي ” كفاك تمثيل وتنازلي عن القضية”.

وقد كانت حينها الساعة الثالة صباحا من يوم 4 سبتمبر, وقضيت ليلة ويوم إلى حد الساعة السابعة مساء، من اليوم التالي في مكان واحد مع الاعوان الثلاثة وزملائهم وهم يضغطون حتى أتنازل عن الشكاية.

س: تمت محاكمتك بتهمة التجاهر بما ينافي الحياء، وتحولت من صاحبة دعوى الى متهمة كيف تقبلت هذا الامر؟

ج: كلما استمعت الى تعليقات تلمح بأنني مذنبة أشعر أني اُغتصب مرة اخرى. مثل تصريح الناطق الرسمي لوزارة الداخلية خالد طروش الذي قال بأني في وضعية مخلة بالآداب. ولمح إلى أنني كنت في  وضع شجع رجال الشرطة على اغتصابي.

لقد حاولت الانتحار بعد سماع هذا التصريح الذي جاء كالصاعقة. كنت انتظر معاقبة الفاعلين وتجريمهم، وأن تتحمل وزارة الداخلية مسؤوليتها، لكنهم حولوني إلى مذنبة ومتهمة فقط ليفلتوا من العقاب. لن يهدأا لي بال حتى يأخذ المغتصبون جزائهم.  

س: وكيف تشعرين الان؟

ج: وجدت مساندة واسعة ورائعة من كل التونسيين، من منظمات المجتمع المدني وعديد المواطنين. أحسست بالطمأنينة وشيء من الهدوء ولا يفوتني بان أشكر كافة الاساتذة المحامين الذين وقفوا إلى جانبي وكافة الجمعيات والمنظمات وكل من آمن ببراءتي.

س : لقد استقبلك رئيس الجمهورية في قصر قرطاج كيف كانت ردة فعلك؟

ج : لقد سررت بهذه الدعوة من قبل رئيس الجمهورية، رغم انها جاءت متاخرة بعض الشيء. أن اعتذار الرئيس المرزوقي باسم الدولة رد لي الكثير من اعتباري لكن بصراحة كنت انتظر اعتذار رسمي من وزير العدل والمؤسسة القضائية والناطق الرسمي لوزارة الداخلية.

س : اذن هل هذا اقرار منك بعدم استقلالية القضاء التونسي؟

ج: نعم والدليل عندما سمع قاضي التحقيق تصريح محاميتي الاستاذة راضية النصراوي، في إحدى القنوات الفضائية، بأن فتاة اتصلت بها وأعلمتها أنها اغتصبت من طرف شرطيين، قال لي بالحرف الواحد “انصحك بان تبتعدي عن الاعلام وممنوع ان تنشري محتوى التحقيق” رغم أني لم أفصح عن ما جرى في التحقيق.

كما أن تقديم شكوى ضدي من طرف قاضي التحقيق بعد سماع بلاغ وزارة الداخلية دليل على عدم استقلالية المؤسسة القضائية في تونس. لكن رغم كل هذا انا انتظر من القانون أن ينصفني وأن يظهر الحقيقة للجميع وكل مذنب يجازى على ما فعله

س : ماهي ردة فعل عائلتك بعد ما حدث لك؟

ج : والدي لم يعلم إلى حد الآن بالحادثة لكنه شك في الامر وقال لي ” لو ان هذه الفتاة المغتصبة هي أنت فصارحيني لأني أعرف جيد ما مدى فساد الشرطة في تونس وأنا سأقف معك” لكنني أنكرت لأن والدي مسن ومريض وربما لا يحتمل مثل هذه المصيبة.

أما والدتي التي علمت مؤخرا صدمت بالأمر وقالت لي في أول ردة فعل “انصحك بمغادرة تونس والعيش في الخارج”.

كما أن اخوتي البنات بجانبي ويساندنني فهن بمثابة صمام الامان والمحرك الذي يعطيني القوة للمواصلة. اما اخي الكبير الذي يعيش في اوروبا  لا علم له بالامر لانه ذا طباع غليظة وربما ستكون ردة فعله عنيفة معي لأني خرجت ليلا مع خطيبي فهو أكيد لن يتقبل الامر.  

س : هل تعرضتِ للاهانة خلال التحقيق من رجال الشرطة؟

ج : نعم خاصة في الايام الاولى كنت اتعرض للاهانة المعنوية حيث كانوا يريدون الضغط على أعصابي  بشدة لأتنازل عن حقي حتى أن أحدهم تعمد وضعي قرب عائلات المتهمين لاشعر بالخوف لكن من الطاف الله لم يتعرفوا على هويتي.

س : ماهي الرسالة التي تريدين ايصالها للسلطة؟

ج: انتهكت جسديا ومعنويا ومن غير اللائق أن يخرج مسؤول في وسائل الاعلام ليظهر بأني مذنبة لتبرئة المجرمين. فقط أريد ان اقول لهم نحن في تونس بعد الثورة ثورة الشباب الذي وضعكم في الحكم ومن واجبكم الحفاظ على هذا الشباب واحترامه لا اغتصابه.

س : ماهي الرسالة التي تردين تقديمها لكل فتاة اغتصبت وتخاف اللجوء الى السلط؟

ج : لا مجال للخوف الان لان السكوت يقتل المتضررة والافصاح يزعجها في البداية لكن بعد ذلك تشعر بالراحة خاصة بعد أن ينال المجرمون جزائهم. أريد أن أقول لهن في البداية كنت ادافع عن نفسي فقط لكن الآن فأنا أدافع عن كل فتاة انتهكت حرمتها الجسدية حتى أني افكر في النشاط مع بعض الجمعيات لايصال رأيي ومساعدة كل متضررة.  

س : ماذا ستفعلين في المستقبل وبعد الانتهاء من هذا الكابوس؟

ج : سأكرس بقية حاتي لمسألتين، مواصلة دراستي لنيل شهادة الدكتوراه، ومساعدة كل المنظمات والهيئات التي تقاوم كل اعتداء على الإنسان والمرأة المغتصبة بشكل خاص. فقد علمتني محنتي أهمية العمل العام التطوعي. لولا المنظمات والجمعيات التي ساندتني ما كنت سأجد كل هذه القوة والإصرار على المواجهة.