“فقدت مصدر رزقي بالكامل منذ اندلاع الثورة المصرية وحتي الآن، لم أعد أستطيع تدبير أمور أسرتي المالية، فقبل الثورة كنا نحصل شهريا علي ما يقرب من خمسة عشر ألف جنية(2500 دولار أمريكي)، ولكن بعد ذلك لم يتعدى مصدر دخلي بضع مئات من الجنيهات شهريا فنحن كبش الفداء الأول للثورة”. هكذا بدأت إيمان الليثي المرشدة السياحية (44 عاما) حديثها معنا واصفةً حالها وحال العاملين مثلها في مجال السياحة، وموضحةً أنه يوجد ما يقرب من ستة عشر ألف مرشد سياحي بمصر يعانون من نفس الظروف العصيبة التي تمر بها.

ففي الوقت الذي أثارت فيه الثورة المصرية انبهار العالم أجمع خاصة خلال 18 يوم الأولى منها، جاءت المرحلة الانتقالية مليئة بالأحداث القاتمة البالغة الأسي، لتقضي علي الصورة الجميلة التي رسمها ميدان التحرير للثورة المصرية. وبذلك دفعت السياحة المصرية فاتورة الخسارة الاقتصادية الأكبر الناجمة عن الثورة المصرية، والتي أدت إلى تسريح الآلاف من وظائفهم، وإغلاق العديد من الفنادق، وأصبحت السياحة في مصر صناعة راكدة بعد كانت الداعم الأكبر للاقتصاد المصري قبل الثورة.

الفترة الانتقالية مسؤولة عن خسائر السياحة

عادل عبد الرازق الخبير السياحي وعضو الاتحاد المصري للغرف السياحية يرى أن العيب ليس في الثورة وإنما التصرفات التي حدثت بعد الثورة من اعتصامات وإضرابات وقطع طرق وسكك الحديد، إضافة إلى عدم عودة الأمن بقوة واختطاف بعض السياح من قبل خارجين عن القانون. كل ذلك أدى إلى استمرار الوضع المتردي للسياحة  فهي صناعة حساسة شأنها شان البورصة، كما يقول عبد الرازق.

وأشار عبد الرازق إلى أن خسائر القطاع السياحي منذ اندلاع الثورة تجاوزت 10 مليارات دولار، فقد كان من المفترض تحقيق ما يزيد عن عشرين مليار دولار خلال 18 شهر الماضية، موضحا أن نسبة الإشغال الفندقي في القاهرة لا تتعدى الآن 25%، ومحافظة الأقصر التي يطلق عليها متحف التاريخ نسبة الإشغال بها لا تتعدي 7%، إضافة إلى أن المراكب العائمة التي تصل إلى 283 مركب في مصر يعمل منها 5 مراكب فقط.

“خسائر السياحة الحالية لم تحدث منذ نكسة 67”

في السياق ذاته عبر فرنسيس أمين وكيل المرشدين السياحين بالأقصر وصاحب بزار سياحي عن الوضع المتأزم الذي يعيشه الآن جميع العاملين بالسياحة، موضحا أن السياحة المصرية في مصر لم تتعرض لهذه الخسائر الفادحة منذ نكسة 1967 التي تعرضت فيها السياحة المصرية إلى هزة عنيفة، قائلا “جميع ما حصلنا علية من أمول خلال 18 شهر الماضي لا يساوي ربع ما كنا نحصل عليه في شهر واحد قبل الثورة. فقد كنا متفائلين جدا بعد الثورة ولدينا آمال بأن تعود السياحة إلى وضعها الطبيعي وأكثر خاصة بعد الصورة الجميلة التي انطبعت لدي العالم عن ثورتنا. لكن المرحلة الانتقالية بددت أحلامنا”.

لكن الدكتور هشام إبراهيم أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة القاهرة لا يشارك العاملين في قطاع السياحة تشاؤمهم، ويرى أن خسائر القطاع السياحي والانخفاض الكبير في أعداد السائحين أمر منطقي بعد الثورات، والسياحة المصرية تعودت علي الهزات العنيفة بين الحين والآخر ولكنها تقوم بعد الانكسار علي وضع اقوي مما كانت، حسبما يقول. ويتابع “ما كسبناه خلال الثورة فقدناه خلال المرحلة الانتقالية نتيجة لضبابية المشهد السياسي وأعمال العنف التي راح ضحيتها عشرات الشباب.”

“يجب على مرسي القيام بجولات سياحية تنشيطية”

“إعادة السياحة لدروها يعود بالنفع علي المصريين جميعا، وسيكون علي رأس أولويتنا في المرحلة المقبلة، فنحن نؤمن بدور هذا القطاع في إنعاش الاقتصاد.” هكذا جاءت كلمات الرئيس محمد مرسي بجامعة القاهرة عقب توليه منصب رئاسة الجمهورية، وانتهاء المرحلة الانتقالية بتسليم السلطة لرئيس منتخب، إلا إن القطاع السياحي لم يشهد أي تغير ملحوظ حتي بعد انتخاب رئيس مدني للبلاد.

وتعقيبا علي وصول الدكتور محمد مرسي ذو الخلفية الإسلامية لمنصب رئيس الجمهوري، أكد عادل عبد الرازق الخبير السياحي نحن لا يهمنا اللون السياسي بقدر ما يهمنا التصرف السياسي، ولكن في الوقت نفسه طالب الرئيس مرسي بضرورة دعم السياحة التي تبحث عن طوق نجاة من النظام الجديد، مطالبا إياه القيام بجولات سياحية خاصة في شرم الشيخ والغردقة لبث رسالة ثقة للعالم توضح إن الإسلام السياسي لا يعارض السياحة كما يشاع في وسائل الإعلام، حسبما يقول عبد الرازق.

علي عكس ذلك أرجعت إيمان الليثي المرشدة السياحية استمرار تردي  الأوضاع السياحية علي عاتق الرئيس مرسي الذي لم يهتم مطلقا بالقطاع السياحي حتي الآن وتجاهل العاملين فيه تماما في الخطاب الأول له عقب فوزه بمنصب الرئاسة، وعدم قيامة بأي خطوة تحفيزية لعودة السياحة إلى البلاد مرة أخرى، وفقا لما ذكرته الليثي.

صورة خاطئة في الإعلام

من ناحيته طالب الدكتور هشام إبراهيم الرئيس مرسي بضرورة القيام بجولات سياحية من أجل دعم وتنشيط السياحية، خاصة بعد تراجع أعداد السائحين إلى ما يقرب من 7 مليون سائح  مقارنة بنحو 14 مليون سائح قبل الثورة، وقيام وسائل الإعلام المحلية والأجنبية برسم صورة خاطئة عن تيار الإسلام السياسي تضعهم في إطار الرافضين للسياحة والسائحين علي حد قوله، موضحا أن التيار الإسلامي لم يصدر منه حتى الآن فعل سيئ يضر بالسياحة أو السائحين، علي العكس فقد قام بعض أنصار حزب الحرية والعدالة  بتوزيع  هدايا علي السائحين أمام المتحف المصري بهدف بث رسالة تطمينية إلى العالم أن مصر كانت ولا زالت ترحب بالسائحين علي ارضيها.

وطالب فرانسيس بضرورة عقد الرئيس مرسي لمؤتمر صحفي سريعا لجذب أنظار العالم لمصر مرة أخرى خاصة قبل قدوم الموسم السياحي في أغسطس القادم، قائلا “الوضع أصبح الآن فوق الاحتمال، وأتمنى أن يفي الرئيس مرسي لما وعد به العاملين بالسياحة قبل فوزه بمنصب رئيس الجمهورية”.