ما إن قاربت شمس يوم السابع من يوليو على المغيب معلنة إقفال صناديق انتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام في ليبيا(البرلمان)، حتى بدأت تقارير الإعلام العربي والعالمي في الحديث عن فوز ساحق يلوح في الأفق لما سمته “بالتيار الليبرالي”، ممثلاً في تحالف القوى الوطنية الذي يضم حوالي 60 حزبا ليبرالياً، بزعامة المرشح السابق لرئاسة الوزراء الدكتور محمود جبريل، على حساب تيار الإسلام السياسي ممثلاً في حزب العدالة والبناء المتدثر بعباءة جماعة الإخوان المسلمين الليبية.

ما إن قاربت شمس يوم السابع من يوليو على المغيب معلنة إقفال صناديق انتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام في ليبيا(البرلمان)، حتى بدأت تقارير الإعلام العربي والعالمي في الحديث عن فوز ساحق يلوح في الأفق لما سمته “بالتيار الليبرالي”، ممثلاً في تحالف القوى الوطنية الذي يضم حوالي 60 حزبا ليبرالياً، بزعامة المرشح السابق لرئاسة الوزراء الدكتور محمود جبريل، على حساب تيار الإسلام السياسي ممثلاً في حزب العدالة والبناء المتدثر بعباءة جماعة الإخوان المسلمين الليبية.

ودعمت النتائج النهائية للانتخابات هذه التقارير الأولية، فقد حصد التحالف 39 مقعداً من أصل المقاعد الـ80 المخصصة لكيانات سياسية، وحل حزب العدالة والبناء ثانياً بـ17 مقعداً، فيما نال حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا 3 مقاعد فقط. جدير بالذكر أن المؤتمر الوطني العام يتكون من مائتي مقعد، منهم ثمانون مقعدا مخصصة لمرشحين عن أحزاب وتيارات سياسية، و120 مقعدا للمستقلين.

لكن ميزان القوى داخل البرلمان لا يسير وفقا لهذه النتائج، فقد تمكن مرشح حزب الجبهة الوطنية، الذي يُعد التشكيل السياسي الأقدم على الساحة الليبية، والذي نفذ محاولة اغتيال القذافي عام 1984، تمكن مرشحه الدكتور محمد المقريف من الفوز برئاسة المؤتمر الوطني العام(البرلمان)، حيث نجح حزب الجبهة في الحصول على دعم تيار الإسلام السياسي عامة في مواجهة تحالف القوى الوطنية.

فشلُ تحالف القوى الوطنية، الفائز الأكبر في الانتخابات، في الفوز برئاسة المؤتمر، قلص كثيراً من حظوظه في لعب دور هام في الحياة السياسية الناشئة في البلاد. وازداد موقفه ضعفاً بعد فشله في الحصول على رئاسة الوزراء، رغم ترشيحه لرئيسه الدكتور محمود جبريل الذي وقف وحيداً في مواجهة تيار الإسلام السياسي، وخسر رئاسة الحكومة لصالح مصطفى أبوشاقور المدعوم كذلك من حزب الجبهة الوطنية.

صفقة الجولة الثانية

الدكتور محمود جبريل خسر سباق الفوز برئاسة الحكومة لصالح المرشح المدعوم من الجبهة بفارق صوتين في جولة الإعادة، رغم حصوله في الجولة الأولى على 86 صوت مقابل 55 لمنافسه، في تكرار لسيناريو(صفقة الجولة الثانية) الذي تم في انتخابات رئاسة المؤتمر، حيث صبٌت الأصوات الـ41 التي حصل عليها مرشح الإخوان المسلمين الخاسر بالكامل لصالح الدكتور مصطفى أبوشاقور، الذي أصبح أول رئيس وزراء ليبي يتم انتخابه من قبل هيئة منتخبة ديمقراطياً .

عصام الماوي نائب رئيس تحالف القوى الوطنية يقول لمراسلون، إنه “بالنظر إلى إرادة الناخب التي منحت الثقة لتكتل معين، فإنه يمكن القول أن الأمور انقلبت رأساً على عقب، فالأكثرية خارج السلطة، أو ربما تكون على مقاعد المعارضة، في حين أن الأقلية هي التي تجلس على مقاعد الحكم أو السلطة “.

و هذا الأمر – بحسب الماوي – لا يحتمله المنطق السياسي، وسيؤثر بقوة على المشهد العام في المستقبل القريب، وأضاف “من جهة أخرى يجب على من قبل بقواعد العملية الديمقراطية أن يقبل بنتائجها، لذلك بادرنا فور ظهور النتائج بتهنئة السيد بوشاقور، ولن نتردد في دعم أي موقف وطني للحكومة القادمة يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار”.

إلا أنه لم ينفي احتمال أن يلعب التحالف دوراً بارزاً في المستقبل، مؤكداً أنه “سوف يكون هناك تغير على مستوى الأداء وفقاً لما تتطلبه المرحلة القادمة، علينا الاستفادة من تلك التجربة في قراءة المشهد السياسي داخل قبة المؤتمر، فالاصطفافات السياسية أصبحت أكثر وضوحاً، إلا أنه لازال بمقدور التحالف لعب دور أساسي ومؤثر مستقبلاً”.

انتماءات غامضة

التحليلات الإعلامية التي أظهرت تحالف القوى الوطنية على أنه التيار المهيمن استندت إلى نتائج مقاعد الكيانات السياسية، غير أن هذه الصورة تغيرت بعد إعلان نتائج مقاعد المستقلين. فمراقبو الشأن الليبي يرون أن المشهد تحت قبة المؤتمر الوطني العام يشوبه بعض الغموض، خصوصاً وأن المقاعد الـ120 المخصصة لمرشحين مستقلين لا تزال الانتماءات السياسية لأغلبهم غير محددة على وجه الدقة، في حين أعلنت مجموعة من المستقلين داخل المؤتمر الوطني في وقت سابق عن تشكيل تكتّل يضم 35 عضواً، في محاولة لخلق توازن بين التكتلات السياسية.

من جهته لمح المحلل السياسي محمود شمام في مقال تحليلي نشره على صفحته في موقع فيس بوك، إلى احتمال أن يكون تشكيل كتلة المستقلين المستحدثة تكتيكاً من الإسلاميين لتوسيع رقعتهم، مبيناً أن قوام هذه الكتلة إسلاميون مستقلون وبعض من نواب الجبل الغربي .

وأوضح شمام أن التحالف الوطني يملك كحد أقصى 80 مقعداً قوامها 39 مقعداً من قائمته، 2 من التيار الوسطي الذي يتزعمه المسؤول السابق لملفي النفط والمالية في المكتب التنفيذي السابق علي الترهوني، و 4 من كيانات صغرى.

فيما يملك حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين بحسب شمام 35 مقعداً، 17 من قائمته والباقي مستقلون ينتمون للحزب، و أضاف أن هناك تكتلاً سلفياً داخل أروقة المؤتمر الوطني يضم 15 عضواً.

وفق هذه الحسبة يتبقى 35 مقعداً لا يُعرف توجهها، ولا حصة الجبهاويين الذين صرح رئيسهم السابق محمد المقريف – بعيد انتخابات المؤتمر الوطني – بأن حزبه من المتوقع أن يحصل على 12 مقعد، هي لـ3 مرشحين من حزبه، و9 لمستقلين ينتمون إليه، أو نتيجة تفاهمات مع آخرين لم يحددهم.

تناحر سياسي

أما حزب العدالة والبناء فقد عوض خسارته في الانتخابات بتحالفات عقدها مع مستقلين وكتل، وحدت من سيطرة غريمه التقليدي – تحالف القوى الوطنية – لكنها لم تأتِ له بإحدى الرئاستين (المؤتمر و الحكومة).

يقول نزار كعوان عضو كتلة العدالة والبناء “لا أبرئ نفسي وفريق العدالة والبناء ولا تحالف القوى الوطنية، فقد فشلنا في أن نرشح شخصية وطنية مستقلة، تخرجنا من مأزق الاستقطابات ومنطق السراديب السياسية”.

ويضيف كعوان في تصريحه لمراسلون ” لنكن صرحاء.. لقد أخفقنا في هذا الاستحقاق، لكن لعلنا لا نخفق في أن ندفع لتشكيل حكومة وحدة وطنية”، رغم أن تشكيل حكومة كهذه لايتأتى إلا بالجلوس مع قوى التحالف، التي يعتبرها كعوان “لاعباً وشريكاً أساسياً لا يمكن إغفاله”، و”التواصل والتفاهم والدخول في تحالف لكل القوى الوطنية من أجل ليبيا” بحسب قوله.

حزب الرئاستين

وجود كتلتين متنافستين في المؤتمر صب في صالح الجبهاويين أصحاب المقاعد الثلاث. في هذا الصدد يرى ابراهيم صهد الأمين العام السابق للجبهة الوطنية أن فوز مرشحهم برئاسة الحكومة جاء نتيجة حسابات دقيقة، ويؤكد لمراسلون “تضافر أكثر من طرف معنا خاصة في الجولة الثانية، وشارك مستقلون وإحدى الكيانات مع كيانات صغرى في دعم مرشحنا”.

ونفى صهد أن يكون الدكتور مصطفى بوشاقور عضواً في حزب الجبهة، مؤكداً في الوقت عينه أن الجبهة دعمت ترشيحه، ورفض أن يكون فوز بوشاقور برئاسة الحكومة بفارق صوتين (مطعونا فيه)، لأن الانتخابات برأيه “جرت بشفافية وبحضور الأعضاء ولجنة فرز ومندوبين عن المرشحين لم يعترض أي منهم على النتائج”.

ويعتقد صهد أن سبب الغموض الذي يحيط بالخارطة السياسية للمؤتمر الوطني العام هو أن الكتل تتشكل بالاتفاق على سياسات وقضايا لاعلى إيديولوجيات، لأنه لا رابط إيديولوجي يربط الكتل باستثناء كتلتين، وأردف “تتشكل كتل حول قضية ما ثم ينفض التكتل بمجرد انتهاء بحثها، فالتكتلات وقتية وحسب القضايا”.

حكومة توافقية

من جانبها قالت الناشطة السياسية الزهراء لنقي في تصريح لمراسلون “بغض النظر عن من يرأس الحكومة فالتحدي ما زال قائماً، نحتاج لحكومة توافقية لا حكومة محاصصة”.

وأضافت لنقي “وزارتا الدفاع والداخلية أهم وزارتين، لابد أن ندفع جميعا باختلاف خلفياتنا الإيديولوجية والجهوية جانبا لاختيار قيادات فاعلة تديرها، لتنجو بالبلاد من حالة تسيب الأمن والفوضى”.