“إنها الطّامة الكبرى حلت بالمسلمين، إنها المصيبة و الكارثة الكبرى. ماذا وقع؟ لقد قامت مجموعة من كفار أمريكا بتمثيل فيلم مسيء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و تم تداوله على الإنترنت و تم بثه في أمريكا البلد المعادي للإسلام و المسلمين٠ فأجيبوني، هل بعد هذه المصيبة من مصيبة ؟ “.

بهذه العبارات بدأ البلاغ الذي وزّعه “أنصار الشريعة” أو ما يعبّر عنه بالسلفية الجهادية على المصلين في عديد من الجوامع خلال صلاة الجمعة في 14 سبتمبر الجاري.

“إنها الطّامة الكبرى حلت بالمسلمين، إنها المصيبة و الكارثة الكبرى. ماذا وقع؟ لقد قامت مجموعة من كفار أمريكا بتمثيل فيلم مسيء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و تم تداوله على الإنترنت و تم بثه في أمريكا البلد المعادي للإسلام و المسلمين٠ فأجيبوني، هل بعد هذه المصيبة من مصيبة ؟ “.

بهذه العبارات بدأ البلاغ الذي وزّعه “أنصار الشريعة” أو ما يعبّر عنه بالسلفية الجهادية على المصلين في عديد من الجوامع خلال صلاة الجمعة في 14 سبتمبر الجاري.

الخطب في المساجد كانت بدورها حماسية، إذ حمّل أغلب الأئمّة الحكومة الامريكية مسؤولية بثّ الفيلم «براءة المسلمين»  المسيء للرسول الأكرم وحثّوا المصلّين على نصرة نبيهم.

عقب الصلاة، توجّه المئات من المحتجين نحو السفارة الأمريكية مردّدين عبارات معادية لليهود والأمريكان من نوع: “أوباما، أوباما…كلنا أسامة”، ووقعت مواجهات دامية بين قوات الأمن والمتظاهرين دامت حوالي 5 ساعات، اقتحم خلالها الغاضبون مبنى السفارة وأنزلوا العلم الأمريكي رافعين محّله “علم دولة الخلافة”، كما أحرقوا السيارات الرّاكنة داخل المأوى، أما حصيلة هذه “الغزوة” فكانت أربعة قتلى وخمسون جريحا بين متظاهر ورجال أمن.

هل الحكومة الأمريكية مسؤولة؟

إلى حد يوم المظاهرة الدّموية، لم تحدّد هوية منتج الفيلم بصفة قطعية. ودارت كثير من الأقاويل والتخمينات آخرها أن منتج الفيلم  ناكولا بسلاي ناكولا، قبطي مصري مقيم بكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية وأنه من ذوي السوابق، قبضت عليه السلطات عقب بثّ مقطاع من الفيلم، للتثبّت إن كان احترم إطلاق سراحه المشروط أم لا. أمّا الممثلون فقد أصدروا بدورهم بيانا استنكروا فيه قيام المنتج بتغيير سيناريو الفيلم وإضافة مقاطع لم يتّفقوا عليها.

رغم كل هذه الضبابية بدا من البديهي للمتظاهرين في تونس، أن الحكومة الأمريكية مسؤولة عن هذا الإنتاج، لكن الأمر ليس بهذه البساطة لسببين، أوّلهما يتمثّل المفهوم “شبه الشمولي” للحريات في الولايات المتحدة، حيث يحظر التعديل الأوّل من الدّستور أي رقابة أو تضييق على حرية التعبير.

ليس بمقدور الحكومة الأمريكية نفسها منع أي إنتاج فني ما لم تكن النية وراءه، حسب ما حدده فقه القضاء الأمريكي، القتل أو العنف. وهو ما أكّدته هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية عندما صرّحت يوم الخميس 13 سبتمبر “نحن لا نمنع المواطنين الأفراد من التعبير عن رأيهم مهما كان مقززا”.

من جهة أخرى ألحّ راشد الغنوشي، زعيم حزب النّهضة الإسلامي الحاكم، على تفسير الأحداث بغياب قانون أمريكي يجرّم التعدي على المقدسات، وهو نفس القانون الذي تحاول حركة النهضة إدراجه في الدستور التونسي الجديد. يبدو هذا المطلب – أقلّه في أمريكا- صعب المنال، لكن إشارة الغنوشي تندرج على الأرجح  في سياق تسجيل نقاط سياسية على خصومه العلمانيين الذين يعتبرون  مثل هذه القوانين مضيقة على الحرّيات.

السبب الثاني سياسي حيث يشير العديد من الملاحظين إلى أنّ إصدار هذا الفيلم في غمرة التنافس الانتخابي لا يخدم صورة أوباما الذي هلّل طويلا للرّبيع العربي و بارك صعود الإسلاميين للحكم. من ناحية أخرى فإن هذا الفيلم وضع أوباما في مكان حرج، بما أنّ منافسه استغل الأزمة لإظهار خصمه في ثوب الرئيس الضعيف غير القادر على حماية مصالح بلده الخارجية.

 ماذا جنى المتظاهرون من اقتحام السفارة؟

 لم يتوان عديد السياسيين، خاصة ذوي التوجهات الإسلامية، بعد إدانتهم لأحداث العنف ، عن الإشادة بالغرض النّبيل الذي خرج من أجله المتظاهرون و المتمثّل في نصرة النّبي.

بعد مرور العاصفة يتوضح مدى الخسائر المترتبة عن المواجهات. فبسبب فيلم مشبوه لمخرج مغمور قضى أربعة تونسيين حتفهم وأصيب  العشرات على أرض بلدهم و في مواجهة مع أبناء بلدهم.  فتح كذلك المتظاهرون المجال لعصابات النهب والتّخريب للانضمام للمظاهرة و تشويه هدفها الأصلي.

باقتحامهم مبنى السفارة و إضرامهم النار في المدرسة الأمريكية، أكّد المتظاهرون جانبا من الصورة التي أراد مخرج الفيلم أن يعطيها عن المسلمين. لقد برزوا في ثوب المتعصّبين العنيفين الكارهين للغرب في حين أنّ الأغلبية الساحقة للتونسيين كانت تشاهد الأحداث بكل أسف على شاشة التلفزيون . جاءت هذه الأحداث كتأكيد للصورة النمطية التي أصبحت تلازم تونس بعد الثورة، و هي صورة البلد غير الآمن الذي يتحكم فيه المتشدّدون دينيا.

من جهة أخرى، سيكون لهذا الحدث  نتائج وخيمة على المستوى الإقتصادي. فالدّولة التي ظهرت بمظهر غير القادرة على حماية سفارة قوة عظمى كالولايات المتحدة، سيصعب عليها إثبات قدرتها على توفير الأمن للمستثمرين.

ففي سابقة أولى، حثّت الولايات المتحدة الأمريكية  يوم السبت مواطنيها  على عدم زيارة تونس كما قامت بإجلاء جميع طواقمها غير الأساسيين من تونس، من غير المستبعد أن تسير بلدان أخرى على خطاها.