“العزل السياسي” هو ما يطالب به مقدموا مسودة قانون يقصي شرائح مختلفة من أبناء الشعب الليبي، ممن عملوا في وظائف قيادية أو مناصب سياسية أو إدارية في عهد القذافي، ويبعدهم عن الحياة العامة في ليبيا.

المقترح تم تقديمه من قبل عدد من مؤسسات المجتمع المدني إلى المجلس الوطني الانتقالي إبان فترة تولي الأخير زمام الأمور في البلاد، إلا أن المجلس أهمله، لتعود وتتبناه كتل محسوبة على التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين داخل المؤتمر الوطني العام المنتخب حديثاً.

مشمولون بالعزل

“العزل السياسي” هو ما يطالب به مقدموا مسودة قانون يقصي شرائح مختلفة من أبناء الشعب الليبي، ممن عملوا في وظائف قيادية أو مناصب سياسية أو إدارية في عهد القذافي، ويبعدهم عن الحياة العامة في ليبيا.

المقترح تم تقديمه من قبل عدد من مؤسسات المجتمع المدني إلى المجلس الوطني الانتقالي إبان فترة تولي الأخير زمام الأمور في البلاد، إلا أن المجلس أهمله، لتعود وتتبناه كتل محسوبة على التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين داخل المؤتمر الوطني العام المنتخب حديثاً.

مشمولون بالعزل

يطال القانون الذي أثار موجة جدل كبيرة في أوساط الشارع الليبي بأحكام جنائية غير قابلة للطعن، كل من شارك في انقلاب القذافي أوتولى منصباً يعادل رئيس وزراء أو وزير أو عضو برلمان أو محافظ بلدية، وكذلك كل من تولى وظيفة نائب عام أو محامٍ عام، أو محافظ مصرف ليبيا المركزي، أو كاتب عام في أي وزارة أو جامعة أو معهد أو أكاديمية، إضافة طبعاً إلى رؤساء تلك الجامعات.

حتى الدبلوماسيين ممن تولوا وظيفة سفير أو مدير مكتب شعبي ومن في حكمهم مشمولون بالإقصاء بحسب المسودة التي لم تستثني رؤساء تحرير الصحف أو المجلات، ومدراء الإذاعات المرئية والمسموعة التابعة للدولة، وكذلك القضاة بمحكمة الشعب أو أي محاكم استثنائية أو مكاتب ادعاء شعبي أو نيابة أمن الثورة، فضلاً عمن عملوا في جهاز الأمن الداخلي جميعاً، و مدراء الإدارات بجهاز الأمن الخارجي.

المؤسسات والمجالس العليا والشركات العامة ومؤسسات الاستثمار بالخارج ومؤسسات وجمعيات القذافي كان رؤساؤها هدفاً لمواد القانون، التي لم ترحم كذلك كل من عمل نقيباً أو عضو أمانة أي نقابة في ليبيا. وإضافة إلى كل هؤلاء يشمل العزل كل من يقوم النائب العام بالادعاء عليه “لمشاركته بإفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، دون تحديد أوجه هذه المشاركة.

وتعني كلمة العزل الواردة في مسودة القانون المذكورة، حرمان من تنطبق عليه موادها من ممارسة العمل السياسي والإداري، وحقه في الترشح أوالترشيح لأي انتخابات تجري في البلاد، وكذلك حرمانه من تأسيس أحزاب أومؤسسات مجتمع مدني، أوعضويتها، أوعضوية الاتحادات والروابط والنقابات والنوادي وما في حكمها لمدة عشر سنوات.

إقصاء جبريل

مراقبون للشأن الليبي يعتبرون تطبيق هذا القانون محاولة من جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا لتصدر المشهد السياسي، بإقصاء المنافس الأقوى لهم محمود جبريل.

إذ إن جبريل الذي كان يشغل منصب وزير التخطيط والمالية في نظام القذافي بين عامي 2007 و2009 شكل هو وتحالفه بعد سقوط نظام الأخير حائطاً منع الاخوان من استكمال سيطرتهم على دول الربيع العربي، بعد أن حقق فوزاً كاسحاً في انتخابات المؤتمر الوطني العام.

حزب العدالة والبناء الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا والمنافس الأقوى لجبريل تبنى مشروع القانون ودعمه بقوة، ويقول المتحدث الرسمي باسم الحزب محمد الحريزي أنه قانون “يحمي ثورة 17 فبراير من أعوان النظام السابق الذين أفسدوا الحياة السياسية والاجتماعية والمالية”.

الحريزي أكد لـ “مراسلون” إصرار حزبه على عدم تمكين هؤلاء من تولي المسؤوليات القيادية لسنوات محددة، “وإتاحة الفرصة للثوار والأحرار من الشعب الليبي لتولي هذه المسؤوليات وإصلاح ما أفسده النظام السابق وإعادة بناء ليبيا على أسس صحيحة وشفافة”، بحسب تعبيره.

ضرورة ملحة

أما المتحدث باسم حزب “الوطن” المحسوب على التيار الإسلامي محمد الغول يقول “إن العزل السياسي ضرورة ملحة لنجاح التغيير والتحول الديمقراطي”. لكنه يرفض “التعسف والتشدد”، إذ ينادي حزبه بتقليص مدة العزل إلى أربع سنوات على الأقل، وتنتهي بعد سنتين من بدء تقديم دعاوى الفساد المالي أمام النائب العام.

إلا أن “الوطن” على لسان الغول يطالب من جهة أخرى بإضافة فئة جديدة إلى المشمولين بالعزل، وهم الذين كانوا أعواناً لأبناء القذافي، كمدراء مكاتبهم ورفاقهم ومدراء شركاتهم، كما يطالب بإلغاء عقوبة السجن المدرجة بالقانون، وتغيير بدء سريان مواده من سنة 1969 إلى سنة 1977.

حتى عمر الحباسي عضو هيئة النزاهة والوطنية الذي اشتهر بمواقفه الحازمة، يؤيد صدور هذه المسودة، ويرى أن عشرة سنوات هي وقت مناسب جداً لإبعاد “أزلام وأعوان النظام السابق عن الانخراط في تشكيل الدولة التي يسعى لتحقيقها من قاموا بالثورة” بحسب تعبيره.

حق المواطنة

سالمة المدني التي شغلت منصب رئيس تحرير صحيفة “الشط” التي كانت تصدر عن الهيأة العامة للصحافة في عهد النظام السابق، تساءلت في حديثها لـ “مراسلون”: “هل يطمر بئر نفط لأنه كان يضخ في عهد القذافى؟! وهل يجب نفي وحرق وصهر كل الكفاءات الليبية في مجالاتها المختلفة لأنها عملت في عهده الذي استمر ثلاثة وأربعين عاماً؟”.

فهي تعتقد بأن من لم يحمل السلاح في هذا البلد، ومن لم يشي بأخيه، من حقه التمتع بكل امتيازات المواطنة، ولا يحق لأحد حرمانه منها فليبيا “الحضن الدافئ للجميع”، على حد قولها.

الليبراليون مطمئنون

لا يخشى تحالف القوى الوطنية الذي يرأسه محمود جبريل طرح مسودة هذا القانون على المؤتمر الوطني العام، فهم يقولون أنهم لن يسمحوا بتمريره.

توفيق الشهيبي المتحدث باسم كتلة تحالف القوى الوطنية داخل المؤتمر الوطني العام، يؤكد إن مسودة القانون “لن تحصل على تصويت العدد المطلوب من الأعضاء – 120 صوت – بوضعها الحالي لتمرر”، وأن من سيرفضها ليس التحالف وحده.

ويضيف أن التحالف لا يعترض من حيث المبدأ على أي قانون من شأنه أن يضمن “عدم وصول كل من ساهم في فساد ليبيا بأي شكل من الأشكال طيلة العقود الماضية إلى مفاصل الدولة” بحسب تعبيره، ولخص أسباب الاعتراض في انفراد قلة قليلة بصياغة المسودة وعدم طرحها للمشاركة في الإعداد.

الشهيبي لفت إلى أن هذه المسودة إذا تم إقرارها فهي “ستقضي على أي جهود مستقبلية للمصالحة الوطنية، لأنها ستستبعد عدداً كبيراً جداً من الليبيين، حتى الذين لم يتورطوا في إفساد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، من صناعة مستقبلها”، على حد قوله.

تصفية حسابات

وفي الوقت الذي يتهم فيه نشطاء سياسيون هذا القانون بأنه يهدف لتصفية الحسابات السياسية، فإن عقوباته تطال كثر ممن ليسوا على علاقة بالسياسة، ومن كانوا يمارسون أعمالاً تناسب تخصصاتهم ومستواهم العلمي مثل رؤساء ورؤساء الأقسام في الجامعات، وأيضا عدد كبير جداً ممن توالوا على شغل الوظائف التي نصت عليها طيلة أكثر من أربعة عقود. 

ويقول آخرون إنه أقرب ما يكون إلى القانون الذي صدر في العراق وأطلق عليه “قانون اجتثاث حزب البعث”، القانون الذي حرم العراق من خبرات وكفاءات في مجالات كثيرة كانت تضطلع بمهامها وتعرف بحكم الخبرة الطويلة كيف تسير الأمور، ما دفع تلك المجموعات إلى التكتل وتشكيل كيانات ذات ارتباطات سياسية خارجية تهدف إلى إفشال الديمقراطية في البلد.