ما ان صدرت الأوامر العلنية من خيرت الشاطر، الرجل القوي في جماعة”الإخوان المسلمين”، حتى سارع عادل الإنصاري، رئيس تحرير صحيفة “الحرية والعدالة”، إلى تنفيذ الأمر بالاعتذار إلى جماعات الألتراس بعد أقل من يوم من هجوم الصحيفة عليها، فأصدر بيانًا يؤكد فيه أن “لا يمكن لأحد أن ينكر أو يجادل في الدور التاريخي، الذي قام به شباب الألتراس مع غيرهم من الثوار في إنجاز ثورة يناير”، مضيفًا “هم فصيل وطني لا يزايد أحد على وطنيته”.

ما ان صدرت الأوامر العلنية من خيرت الشاطر، الرجل القوي في جماعة”الإخوان المسلمين”، حتى سارع عادل الإنصاري، رئيس تحرير صحيفة “الحرية والعدالة”، إلى تنفيذ الأمر بالاعتذار إلى جماعات الألتراس بعد أقل من يوم من هجوم الصحيفة عليها، فأصدر بيانًا يؤكد فيه أن “لا يمكن لأحد أن ينكر أو يجادل في الدور التاريخي، الذي قام به شباب الألتراس مع غيرهم من الثوار في إنجاز ثورة يناير”، مضيفًا “هم فصيل وطني لا يزايد أحد على وطنيته”.

نـُشر الإعتذار في عدد يوم الإثنين (10 أيلول/سبتمبر الجاري)، أما يوم الأحد فكانت الصحيفة قد كتبت عنوانًا رئيسيًا “الألتراس من الإبداع في المدرجات إلى صناعة الأزمات”، وتساءل العنوان الفرعي “كيف نقضي على شغب الألتراس؟”، مع تحذير من “تحولهم إلى ميليشيات”.

“تكوين الميليشيات” كان التهمة التي طالما وجهها نظام مبارك إلى شباب الإخوان المسلمين، وحاكم تحتها عددًا كبيرا من قيادات الجماعة التي أورثتها الثورة مقعد الفرعون. حتى الآن تستمتع الجماعة باستخدام قوانين مبارك نفسها ضد معارضيها، بدءً من “إهانة رئيس الجمهورية” وصولا إلى “إثارة الفتن الطائفية”، بينما تكفلت صحيفة الإخوان بالهجوم على”الألتراس”، وقبلها “حركة شباب 6 أبريل” و”تيار الإشتراكيين الثوريين”، وعلى اختلاف مشارب وأحجام وقوة الجماعات الثلاث، إلا أن ثمة شيئًا واحدة تشترك فيه، هو “التنظيم”.

“العمل الجماعي” واحدة من الصفات التي يتحسر المصريون دائمًا على افتقارهم إليها. نظرة إلى التاريخ السياسي المصري الحديث تلقي المزيد من الضوء على تلك الحقيقة. الانقسام والتشتت الحزبي كانا سمة العمل السياسي المصري في عهديه الملكيّ والجمهوري، إلى درجة جعلت من “قوة التنظيم” العامل الأهم في السياسة المصرية.وتأتي بعده بمسافة طويلة عوامل الأفكار والشعبية والقدرات المالية.

هكذا انتهت مصر الملكية –وتبخرت أحزابها-  على يد تنظيم وحيد هو “الضباط الأحرار” في انقلاب 1952، ظلّ طوال ستين عام يصارع التنظيم الحديدي الآخر “الإخوان المسلمون”، ثم قفز الأخير إلى السلطة على إثر ثورة ظلت تفخر بأنها “بلا قائد وبلا تنظيم”.

يستعد الإخوان لحكم طويل في مصر، لكن الجماعة تنظر بحذر إلى أي “تنظيم” يبرز بين المنافسين، وعلى الرغم من أن جماعات الألتراس ليست مؤدلجة، إلا أنها أثبتت فعالية سياسية كان لها الأثر الأكبر في أيام ثورة يناير، ثم في الصدامات التالية مع جنرالات المجلس العسكري. إنها مجموعات منظمة جيدا، متفانية وشجاعة، متمردة، وخبيرة بالصدام مع قوات الأمن، وكل ذلك يجعل منها كابوسًا لأي جالس في قصر الرئاسة.

يوصف ناديا الأهلي والزمالك بأنهما قطبا الرياضة المصرية، هما الأكثر حصدًا للبطولات والأكبر شعبية والأغزر جمهورا، لم يكن غريبا أن يكون مشجعو الناديين أول من استحدث روابط الألتراس في مصر، بعد مخاض سنوات تأسس في 2007 ألتراس الزمالك “White Knights”، وألتراس الأهلي “UA07 “، ومعهما بدأ المشجعون لأول مرة رد ضربات الشرطة التي اعتادت التعدي الشرس على جمهور كرة القدم.

لكن سريعًا ما اكتسب ذلك الصدام فحوى سياسيًا. كانت المواجهة الأولى في عام 2009، عندما رفع الألتراس شعارات تضامن مع الفلسطينيين إبّان الهجوم الإسرائيلي على غزة “عملية الرصاص المصبوب”، ثم رفعوا شعارات تنتقد إسرائيل أثناء مباراة الأهلي والإسماعيلي في العام نفسه، قبل أن يقرروا الاحتفال بذكرى الانتفاضة الفلسطينية في مباراة “الأهلي والزمالك” بعد أيام قليلة، لكن بوليس مبارك –الحليف الوثيق لإسرائيل- شن هجومًا استباقيا قبل المباراة.

في كتابه الألتراس” (دار دوّن) يقول محمد جمال بشير “بدأت حملة اعتقال واحتجاز ليلة المباراة لنواة المجموعتين الكبار (وايت نايتس – أهلاوي) لمنعهم من حضور المباراة في اليوم التالي، بل طاردت قوات الأمن أفراد من ألتراس وايت نايس في شوارع القاهرة (..) والقبض على أي مشجع يرتدي الزي الخاص بالمجموعات داخل الاستاد”. يشرح الكتاب تصاعد العنف الأمني ضد الألتراس حتى بعد مشاركتهم في الثورة، أو بسبب تلك المشاركة، فيصف الفترة من 2009 إلى 2011 بأنها  تميزت بـ”الاعتداء واستخدام العنف والقبض والاحتجاز العشوائي حتى التقديم إلى النيابة والعرض على المحاكم”.

لكن ما لم يحكه الكتاب، لأنه وقع بعد صدوره، كان المأساة الهائلة التي لحقت بألتراس أهلاوي في مدينة بورسعيد، مساء الأربعاء 1 شباط/فبراير الماضي، عندما اندفع جمهور “نادي المصري” المضيف نحو مدرجات النادي الأهلي، ولقي 74 مشجعا من ألتراس الأهلي مصرعهم بسبب الاعتداء والتدافع. وعلى الرغم من أن الحدث روّج له في الإعلام وقدّم للقضاء بوصفه “شغب ملاعب”، إلا أنه ينظر إليه من جانب الألتراس بوصفه حادثا انتقاميًا دبرته قوات الأمن، للخلاص من القوة الضاربة في تظاهرات شباب الثورة.

لا زالت المحاكمة مستمرة، المتهمون خليط من مشجعي النادي المصري وبعض الإداريين في ملعب المأساة، وعدد قليل من رجال الشرطة اتهموا بالتواطؤ وبالإهمال، وقد تسببت الحادثة في وقف النشاط الكروي.

وحين قرر اتحاد كرة القدم بدء الموسم الجديد بإقامة مباراة “كأس السوبر”، تصدى له ألتراس الأهلي معلنًا رفضه عودة الكرة قبل “القصاص للشهداء”، حاصر الألتراس فندق اللاعبين، وذهب مشيًا على الأقدام إلى الاستاد فوجد آلاف الجنود، أصرّ اتحاد الكرة على إقامة المباراة حفاظًا على “هيبة الدولة”، لكنها اضطر إلى إقامتها بلا جمهور وتحت الحراسة وفي أبعد ملعب ممكن عن العاصمة.

نأى الرئيس الإخواني بنفسه عن الأزمة، وترددت شائعات عن ذهاب “شباب الإخوان” إلى الاستاد لحمايته من الألتراس، لكن الجماعة نفت الخبر سريعًا. وحدها جريدة الجماعة ” الحرية والعدالة” هاجمت ألألتراس، قبل أن تتراجع معتذرة بعد أن واجهت غضبة من الرأي العام، فقد اكتسب مشجعو الكرة المتحمسون شعبية ونفوذا وتأييدا بين أنصار الثورة، وقبل ذلك راكموا قدرة متزايدة على العمل التنظيمي، تبدت في حصارهم اتحاد الكرة والنادي الأهلي وفندق اللاعبين وملعب المباراة في وقت واحد، ومن بعيد يراقب التنظيم الإخواني بحذر فطري متزايد ذلك التنظيم الكروي الذي يتسيّس كل يوم ويزداد خطورة.