“سيبونى آكل عيش، أنا ماليش دعوى”، يقول أحمد عبد العظيم، لحّاد قرية “ميت الكرماء” مبديا رغبة واضحة في أن ينأى بنفسه عن المسألة برمتها بتعقيداتها الفقهية. لكنه يعود ويعلن رأيه في عملية الدفن متعدد الطوابق صراحة: “هذا دفن غير شرعى!”.

يقف عبد العظيم وسط مساحة أشبه بالمنطقة السكنية في القرية، بيوت صفراء وخضراء من طابقين فأكثر لها نوافذ مقوسة، إلا أنه مع تدقيق النظر تتضح ماهيتها الحقيقية.

فالبيوت قبور، والنوافذ مغلقة بالطوب الأحمر، فهي مداخل حجرات صغيرة تأوي أجساد الموتى.

“سيبونى آكل عيش، أنا ماليش دعوى”، يقول أحمد عبد العظيم، لحّاد قرية “ميت الكرماء” مبديا رغبة واضحة في أن ينأى بنفسه عن المسألة برمتها بتعقيداتها الفقهية. لكنه يعود ويعلن رأيه في عملية الدفن متعدد الطوابق صراحة: “هذا دفن غير شرعى!”.

يقف عبد العظيم وسط مساحة أشبه بالمنطقة السكنية في القرية، بيوت صفراء وخضراء من طابقين فأكثر لها نوافذ مقوسة، إلا أنه مع تدقيق النظر تتضح ماهيتها الحقيقية.

فالبيوت قبور، والنوافذ مغلقة بالطوب الأحمر، فهي مداخل حجرات صغيرة تأوي أجساد الموتى.

يشرح لنا أحمد عبد العظيم عملية الدفن، الصعود بسلم حديدي كبير، ثلاثة رجال يحملون الجثمان إلى الدور الثاني أو الثالث أو الرابع بينما ينتظر هو أمام الحجرة المقصودة. وتنفيذا لتوصيات وزارة الأوقاف، يفرش رملا على الجثامين الموجودة بالفعل ثم يضع فوقها الجثمان الجديد.

أزمة أراض أم موضة؟

القول الغالب في “ميت الكرماء” هو إن نقصا حادا في الأراضي دفع أهالي القرية إلى ابتداع طريقة الدفن تلك الغريبة على المجتمع المصري، والذي يصر فقهاؤه على أن الدفن لا يكون إلا “تحت التراب”.

أما أهالي القرية فقد استكانوا إلى قاعدة فقهية أخرى هي أن الضرورات تبيح المحظورات، خاصة وأن وزارة الأوقاف في المحافظة منحت التجربة صك الشرعية. فيقول وكيلها سعد الفقي: “طالما الغسل شرعى يدفن الجثمان فى مكان آمن ومغلق عليه تماما ويتم تعويض التربة بوضع الرمال فيه.”

لكن للتربي عبد العظيم قول آخر في ذلك، “فالأراضي بميت الكرماء كثيرة والأهالي أثرياء وقادرون على شراء أراضي إضافية للدفن، إلا أنهم يتباهون بمقابرهم ذات الطوابق العالية”.

إتهام غريب، وغير مسنود، إلا أن جولة صغيرة بالقرية تؤكد على الأقل شطره الأول: فالثراء سمة واضحة من سمات “ميت الكرم”، هناك تزاحم ملفت للقصور والفيلات الكبيرة، ربما لأن عددا لا بأس من أبناء القرية سافروا للعمل بأوروبا. المقابر متعددة الطوابق إذن: قصور للأموات تيمنا بقصور الأحياء؟

شاب فضل عدم ذكر إسمه من عائله ابو جلال، وهي صاحبة أعلى مقبرة في “ميت الكرماء”، إذ يصل ارتفاعها إلى 4 طوابق، ينفي نظرية أحمد عبد العظيم بشدة، ويقول: “غير صحيح أننا نبني قبورا متعددة الطوابق بدافع التباهي، بل بالفعل توجد أزمة في حجم المساحة المخصصة للدفن بالمنطقة”.

استراتيجيا القبور

حل اللغز يختبئ، كما هو الحال كثيرا في مصر، خلف مصطلح “المساحة المخصصة”، فالتربي أحمد عبد العظيم كان محقا عندما انتبه إلى غرابة الإدعاء بنقص الأراضي في منطقة ريفية.

لكن ليس كل مساحة تصلح لاستخدامها كمقبرة، فلابد من تصريح أي “تخصيص” مساحات إضافية للدفن، وهو ما لم يتم منذ تدشين مقبرة القرية في منتصف القرن الماضي.  

وفاء السندوبى، وكيل مديرية الإسكان بالدقهليه، وهي الجهة المختصة بإصدار تصريحات تخصيص مساحات جديدة للدفن، صرّحت بأن المشكلة قد تم رصدها بالفعل وتداركها فى المخططات “الإستراتيجية القادمة”، وهو ما يعني في لغة البيروقراطية المصرية: المشكلة مستمرة إلى أجل غير مسمى. بينما لم يفت المسئولة التأكيد، كما فعل الكثيرين قبلها، على أن المقابر ذات الطوابق “محرمة شرعا وقانونا”.