لا ينقطع دوي عربات الإسعاف أمام قسم الاستقبال بمستشفى المنصورة العام (شمال القاهرة). تأتي العربة ويحيطها أهل المصاب بلوعتهم واضطرابهم. آخر المتجمهرين حول إحدى عربات الإسعاف كانوا من أبناء قرية الجمالية، أما الجرحى فهم زوجان أصيبا خلال حفل زفاف “صيني”.

عنبر خاص

من على سرير الإصابة يقول المدرس محمد محيي أبو المعاطي إن زفة العروسين كانت تتكون من 100 موتوسيكل صيني قادمة من قرية ميت سلسل، يقوم سائقوها بعمل استعراضات خلال الزفة.

لا ينقطع دوي عربات الإسعاف أمام قسم الاستقبال بمستشفى المنصورة العام (شمال القاهرة). تأتي العربة ويحيطها أهل المصاب بلوعتهم واضطرابهم. آخر المتجمهرين حول إحدى عربات الإسعاف كانوا من أبناء قرية الجمالية، أما الجرحى فهم زوجان أصيبا خلال حفل زفاف “صيني”.

عنبر خاص

من على سرير الإصابة يقول المدرس محمد محيي أبو المعاطي إن زفة العروسين كانت تتكون من 100 موتوسيكل صيني قادمة من قرية ميت سلسل، يقوم سائقوها بعمل استعراضات خلال الزفة.

وكان أبو المعاطي وزوجته يركبان “التوك توك” عائدين إلى منزلهما حين أقدم أحد راكبي الموتوسيكلات فجأة على أداء حركة استعراضية خطرة فاصطدم بهما، فأصيب أبو المعاطي بكسر في القدم وزوجته بخلع في كتفها. ثم يضيف: “الزفة الصيني أصبحت عادة في قريتنا”.

ويشير الدكتور بكر المشرف على قسم استقبال الطوارئ في مشفى المنصورة إلى أن حالة عبد المعاطي بسيطة بالمقارنة مع ضحايا آخرين، ويضيف “نستقبل يوميا عشرات المصابين في حوادث الموتوسيكلات، بعضهم يفقد حياته والبعض يدخل العناية المركزة، لدينا هنا عنبرا كاملا أسميناه “عنبر الموتوسيكل الصيني” من بينهم أطفال في غيبوبة”.

١٢ حادث يوميا

[ibimage==1781==Small_Image==none==self==null]

طفلة مصابة في حادث “صيني”

يصطحبنا الطبيب إلى عنبر “حوادث الموتوسيكلات الصيني” في الدور الرابع بالمستشفى، لنلتقي سماح السيد، والدة الطفلة سلمي محمود (4 سنوات) أصغر المصابين.

حاولت سلمى عبور الطريق أمام حضانتها، فأطاح بها موتوسيكل طائر ففقدت وعيها ونقلت للمستشفى حيث ما تزال في غيبوبة. تقول والدتها سماح “أتمنى من الله أن تفيق، هي ابنتي الوحيدة بعد انتظار الحمل لسنوات، ولم نتعرف علي الجاني”.

في مكتب مدير مستشفى الطوارئ الدكتور وائل خفاجي، تكشّف لنا حجم الظاهرة المفجع بأرقام تقريبية حملتها شهادته، حيث يقول: “تستقبل المستشفى يوميا نحو 12 حالة من إصابات الموتوسيكلات، معظمها حالات خطيرة إلا فيما ندر، تموت حالتان على الأقل، تصلان وقد فارقتا الحياة أو على وشك، معظمهم لشباب لا يتجاوز العشرين”.

ويتابع الطبيب أن المصاب غالبا ما يقع في غيبوبة خاصة لو كان قائدا للموتوسيكل، “لأن معظمهم لا يرتدي الخوذة الواقية، وغالبا ما يكون السقوط على الرأس فيصاب بنزيف داخلي بالمخ. وأضاف “أصحاب الحظوظ الجيدة يصلون مهشمي العظام وغالبا ما نبتر القدمين”.

إشباع كاذب

[ibimage==1793==Small_Image==none==self==null]

موتوسيكلات صينية للبيع

يشرح مهدي محمد القصاص أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنصور ظاهرة الموتوسيكل الصيني بقوله: “تقوم السلع الصينية على فكرة بسيطة هي إشباع تطلعات شرائح واسعة بأقل تكلفة، إشباع كاذب قائم على البهجة المباشرة لفعل التملك، بعيد عن كفاءة أو قدرة هذا المنتج على البقاء أو القيام بواجباته”.

ويضيف “الموتوسيكل الصيني رخيص يغطي كخيار فردي أزمة التنقل في ظل تدهور بيئة النقل الجماعي، كما يسمح لراكبه بالتباهي أمام راكبي العربات. وهو ملفت لإنتباه البنات، ومع كاسيت ستيريو يصبح مجالا لاستعراض عام”.

وبحسب هذا الباحث، فإن وجود هذا الموتوسيكل أيضا يرتبط بالجرائم المكشوفة، فمعه عادت ظاهرة السرقة بالإكراه أو خطف مشغولات النساء، وهو يوفر لتشكيلات عصابية سرعة الإنسحاب من مسرح الجريمة.

ومن ناحية أخرى، فإن بيعه بالتقسيط – يقول الباحث- أدخل شرائح من الصنايعية والفقراء في مجال استثمار سريع لثروات بسيطة، “فماذا يفعل فقير بألف أو ألفين من الجنيهات؟ سيشتري فورا موتوسيكل صيني”.

طرق خطرة

الأمر لا يرتبط فقط بخيار فردي إستهلاكي، بل بظاهرة تمدين الخدمات وتسهيلها. فناقلو الخدمات العاجلة الذين يُطلق عليهم اسم “الطيارون” أصبحوا جزءا من مشهد تمدين الريف. كل محلات الوجبات الجاهزة، والصيدليات، بل ومحلات اللحوم والخضروات يشغلون من يملك “فيسبا” أو موتوسيكل صيني في خدمات التوصيل حتى المنزل.

منهم أحمد عادل، الذي يعمل بأحد المطاعم الكبرى بالمدينة، والذي يقول: “أعمل بهذا المحل من 6 أشهر، واحد من 15 عامل طيار ديليفري، المطعم يسلمنا الموتوسيكل، وهناك مطاعم تشترط لتوظيفك أن يكون معك موتوسيكل مرخص”.

عادل الذي يوصل حوالي 15 طلبية طعام في النوبة الواحدة من 12 ظهرا وحتي الثامن مساءً، يقول إن “شوارعنا ضيقة والتكدس المروري يصيب المدينة بالشلل، والموتوسيكل يحل الأزمة “.

مواسم الشراء

حملتنا الرحلة إلي شارع السلخانة بالمنطقة الشعبية بمدينة المنصورة، حيث تنتشر معارض بيع الموتوسيكلات الصينية، بل والبائعين المتجولين لها على الأرصفة.

يقول أحمد العيني الذي يعمل بأحد المعارض إن الموتوسيكلات الصيني مصر لأول مرة عام 1996، لكن “عصرها الذهبي” بدأ منذ خمس سنوات تحديدا عندما أصبح سعرها في متناول شرائح كثيرة.

ويضيف أن الإقبال عليها يزيد في مواسم صرف المال كرمضان والعيد، حيث ترتفع أثمانها نتيجة الطلب الزائد، لافتا إلى أن “أقل محل يبيع مثلا في رمضان نحو 200 موتوسيكل، والأسعار تبدأ 3900 جنيه وصولا إلي 4200 جنيه، تصل في الشهر الكريم إلي 5000 جنيه”.

يقسم العيني زبائن الموتوسيكل إلى شرائح أولهم الشباب، وهم الأكثر إقبالا على شراء “الدايو مسطرو” فالمقود فيه على مستوى السائق، بينما يقبل الحرفيين وأصحاب محلات الدليفري على موتوسيكل”الهوجن”، لأن رأس الماكينة بحسب قوله كبير، ودورة زيتها أطول وأكثر تحملا للأعمال الشاقة، كما أن مقودها أعلى من جسد الماكينة مما يعطي “وقارا” لسائقها.

وأخيرا ظهر نوع يقلل نسبيا من السرقات، وهو الموتوسيكل “حلاوة”، الذي لا يصدر تصريحه الجمركي سوى ببطاقة السائق الشخصية، فيصعب سرقته، لذا هو الأغلى حيث يبدأ سعره من 4700 جنيه.

ويظهر الآن على خجل منافس للموتوسيكل الصيني، هو الموتوسيكل الهندي، “أمتن وأقوي لكن سعره أغلى ويبدأ من 7000جنيه” بحسب العيني.

خمسين ألف موتوسيكل

انفجار المشهد بالموتوسيكل الصيني يعود في جزء منه إلى تغاضي أو تسامح سلطات المرور معه، خاصة مع سهولة ترخيصه. وتحولت سرقته واستخدامه في السرقات إلى جزء من السلوك المديني، وهو ما يعكسه مشهد مئات القطع منه التي تفترش ساحة إدارة الحراسات بإدارة مرور المنصور.

[ibimage==1799==Small_Image==none==self==null]

معظم هذه الموتوسيكلات شااركت في الزفة الصيني

ففي مساحة تصل إلى 500 متر مربع تفترشها مئات الموتوسيكلات، وعلى باب الإدارة نلتقي محمد محمود، بينما كان يسترد موتوسيكله الذي صودر من قبل الشرطة.

يقول هذا الشاب “أمسكت بي الشرطة في شارع بورسعيد دون أن يكون معي ترخيص للموتوسيكل. دفعت الغرامة (400 جنيه) وأنهيت الترخيص بنحو 350 جنيها وسأتسلم الرخصة خلال يومين”.

[ibimage==1805==Small_Image==none==self==null]

اقبال العشرات يوميا لاستعاده الموتوسيكلات الصينى غير المرخصه

وفي مكتبه بإدارة المرور، يرصد اللواء أسامة بكر الظاهرة رقميا حين يقول إن هناك نحو 50 ألف ترخيص لموتسيكلات صينية بمدينة المنصورة وما حولها، أضف إليها عدد مضاعف من الموتوسيكلات غير المرخصة والتي يتم ضبطها في حملات يومية. لكنه الضابط المسؤول يتهرب من سؤال حول استعداد طرق المدينة هندسيا لاستيعاب هذا العدد من المركبات.

[ibimage==1787==Small_Image==none==self==null]

اللواء أسامة بكر

أما خارج مكتبه، فيقول ضابط صغير رفض ذكر أسمه: “لا استعدادات خاصة في الطرق لتحمل الموتوسيكلات، فالطرق أصلا دون علامات استرشادية أو حارات مرورية أو إشارات”.

ويشير إلى إن المحافظ أصدر قرارا بوقف ترخيص العربات ذات الثلاث عجلات المسماة “التوك توك”، لكنه “لم يجرؤ على عمل ذلك مع “مصيبة” الموتوسيكل الصيني لأنه يرتبط بحياة المواطنين اليومية في التنقل، وجزء من دورة عمل المحلات الكبرى”.