“مبلغ 150 دولار شهريا كافٍ لإقناع أي شاب بنجلاديشي للهجرة،” يقول إسلام بعربية مفهومة عن سبب مجيئه من موطنه بنجلاديش إلى الإسماعيلية للعمل فيها قبل ثماني سنوات. كان هذا الشاب قد حضر مع مستثمر بنجلاديشي افتتح أكبر مصنع للملابس الجاهزة في المنطقة الحرة مستفيدا من الخصوم الضريبية التي تتيحها القوانين المصرية. 

يقول إسلام أن المستثمر كغيره من المستثمرين الآسيويين في الإسماعيلية فضّل الاعتماد على العامل الآسيوي لثقته فيه ولعدم معرفته بأوضاع العامل المصري، وهو ما يفسر الخلفية الآسيوية لمعظم العمالة الأجنبية في مصر.

“مبلغ 150 دولار شهريا كافٍ لإقناع أي شاب بنجلاديشي للهجرة،” يقول إسلام بعربية مفهومة عن سبب مجيئه من موطنه بنجلاديش إلى الإسماعيلية للعمل فيها قبل ثماني سنوات. كان هذا الشاب قد حضر مع مستثمر بنجلاديشي افتتح أكبر مصنع للملابس الجاهزة في المنطقة الحرة مستفيدا من الخصوم الضريبية التي تتيحها القوانين المصرية. 

يقول إسلام أن المستثمر كغيره من المستثمرين الآسيويين في الإسماعيلية فضّل الاعتماد على العامل الآسيوي لثقته فيه ولعدم معرفته بأوضاع العامل المصري، وهو ما يفسر الخلفية الآسيوية لمعظم العمالة الأجنبية في مصر.

خلال العقد الماضي الذي شهد ازدهارا لمصانع النسيج في المنطقة الحرة وصل عدد العمال الآسيويين القادمين للعمل في الإسماعيلية إلى أكثر من ثلاثة آلاف عامل، وفقا لعاهد منصور مدير مكتب عمل المنطقة الاستثمارية، أما اليوام فتراجعت أعدادهم إلى نحو 600 عامل فقط.

العمال الآسيويين يحصلون على رواتب لا يقبل عليها العمال المصريين، فهي تتراوح عادة ما بين 150 دولار شهريا إلى 200 دولار. وبالرغم من ذلك فإنها تحقق لهم هامش ربح بسيط بسبب انخفاض عملة بلادهم أمام الدولار أو الجنيه المصري، كما يقول “صن جي” المدير الهندي لأحد مصانع الملابس الجاهزة في الإسماعيلية.

ويوضح أن الجنيه المصري يصل مثلا لما يزيد عن 10 روبيه في بنجلاديش، أما الدولار فيتجاوز 60 روبية هندية، مما يجعل العمل بتلك المرتبات بمثابة المغنم لهم خاصة وان دول الخليج ذات الدخول المرتفعة لا تعطى مرتبات للعمالة الآسيوية تتجاوز كثيرا ما يحصلون عليه في مصر.

صعوبات الواقع

إسلام البنجلاديشي الذي سافر وعمره 18 عاما لم يكن يعرف الكثير عن مصر مثله مثل معظم العمال الآسيويين في مصر، وفضل السفر إلى أي دولة عن البقاء في بنجلاديش التي لم يجد عملا فيها. غياب أية معرفة بأوضاع الحياة في مصر ومدى تناسب ما يحصل عليه العمال مع مستوى المعيشة في مصر يضع بعضهم في ظروف صعبة.

فعلى سبيل المثال يشتكي العامل رافي الهندي من عدم تناسب الراتب مع متطلبات الحياة في مصر، قائلا إنه لولا أن الإقامة والوجبات على حساب مصنعه لم يكن ليدخر أي أموال يعود بها إلى بلاده وهو ما يجعله يتنازل عن بعض الترفيه الذي يحتاج إليه أي شخص مغترب.

أما سانتوس الفلبيني فيقول إن الراتب يزيد دون لوائح ثابتة من إدارة المصنع الذي يعمل فيه، ولكن يكون طبقا لرؤية صاحب المصنع نفسه وهو ما تسبب في ضيق الكثير من العمالة واضطراهم للعودة مرة أخرى لبلادهم، وذلك قبل أن يعود المئات عقب الثورة نتيجة انخفاض معدلات الإنتاج في المصنع وعدم حاجة المستثمرين إلى عمالة جديدة بعد إلغاء العديد من أوامر التوريد والتصدير.

إضافة إلى ذلك فإن العامل الآسيوي مضطر للعمل نحو عشر ساعات يوميا، كما أن الكثير من أصحاب المصانع لا يقوم بعمل تأمينات للعمالة الأجنبية مما يجعلهم بدون مظلة حقوقية تحميهم في حالة وقوع مكروه لهم.

العمالة الرخيصة مطلوبة

رخص المرتبات وانخفاض تكلفة التأمينات جعل أصحاب المصانع حتى من المصريين يتجه إلى استقدام العمالة الأجنبية لأنها أوفر من العمالة المصرية. لكن ما هي الأرضية القانونية التي يقف عليها هؤلاء العمال؟

السيدة منى فايز مدير عام القوى العاملة بالإسماعيلية تقول إن القرار الوزاري رقم رقم 700 لسنة 2006 بشأن القواعد والإجراءات التنفيذية للترخيص بالعمل للأجانب يسمح لأي منشأة بوجود نسبة عمال أجانب لا تزيد عن عشرة في المائة من إجمالي عدد العاملين بشرط تمتعهم بالخبرة اللازمة.

من ناحية أخرى اعترفت بوجود تجاوزات من بعض أصحاب المصانع بزيادتهم للنسبة وعدم استيفاء معظمهم شرط الخبرة، وهو ما سيلحظه من يقوم برحلة في المنطقة الاستثمارية الحرة بالإسماعيلية.

استقدام العمالة الأجنبية من قبل أصحاب المصانع المصريين يتم عبر مكاتب استقدام العمالة الأجنبية من دول شرق آسيا والتي انتشرت بصورة كبيرة جدا خلال الفترة الأخيرة.

أحمد رمضان الذي يدير مكتبا لاستقدام العمالة أكد في اتصال مع “مراسلون” أن شرط الخبرة ليس له أي داعٍ عند استجلاب العمال لان جميعهم يستخرجون شهادات تفيد بذلك من بلادهم، ولكن لابد من بعض الأوراق اللازمة أبرزها البطاقة الضريبية لصاحب المصنع والسجل التجاري، وشهادة تأمينات للعمالة المصرية.

ويضيف رمضان أن “من المسموح استقدام ما نسبته عشرة بالمائة من حجم العمال من العمالة الأجنبية، ولن يتم التأمين عليهم طبقا للقانون المصري، وهذا أول الأسباب ما يدفع أي مستثمر للاستعانة بهؤلاء”.

كفاءة العامل الآسيوي

مكتب رمضان يحصل على عمولة من المستثمر تبلغ مرتب شهر على كل عامل عقب وصوله. ونفى رمضان ما يتعلق بتنفيذ قرار لوزير القوى العاملة السابق احمد البرعي بخصوص إيقاف تراخيص العمالة الأجنبية للحد من نسبة البطالة بين المصريين، مؤكدا أن تلك التصريحات “كانت ضحك على الذقون لان معنى تنفيذها تعطيل مصالح كل المستثمرين في صناعات الغزل والنسيج الذي يعتمدون كليا على تلك العمالة نظرا لمميزاتهم بالمقارنة بنظرائهم المصريين”.

لكن مميزات العامل الآسيوي ليست مادية فقط، فقد أوضح لي محمود الموجى صاحب مصنع ملابس جاهزة بالمنطقة الاستثمارية أن صناعته تعتمد بشكل كبير على التصدير والذي يحتاج لمستوي معين من الجودة يرتبط بوجود عمالة دائمة وبالتالي فهؤلاء يرتبطون بعقود محددة المواعيد أما العامل المصري فغير ملتزم لحد كبير، وأغلب العمال المصريين لا يحبون الاستقرار في مكان ويتنقلون من مصنع لآخر وهو ما يثير قلق صاحب المصنع بل لا يتحمسون أصلا للعمل المنتظم داخل المصانع.

ويقول الموجي “الشركات تضع إعلانات طلب عمال ولا يتقدم لها أحد، لذلك ارتبطت صناعات الغزل والنسيج بالعمالة الأجنبية، وخاصة أن تلك الصناعة تشغل معظم المصانع في المنطقة الحرة، بعدما اكتشف المستثمرين الأجانب من دول شرق آسيا أن ظروف المناخ والطبيعة الجغرافية لمصر ستكون العامل الأكبر لنجاح اسثمارات الغزل والنسيج في مصر”.

المركز الأول

قضية العمالة الأجنبية لها وجه آخر في الإسماعيلية، فالمحافظة حصلت على “المركز الأول في البطالة” وفقا لبيان أصدره ائتلاف شباب الثورة بالإسماعيلية مطلع الشهر الجاري بمشاركة مجموعة من الخبراء وبعض القوى السياسية مؤكدين خلاله أن محافظة الإسماعيلية سجلت أعلى نسبة بطالة بين سكانها على مستوى الجمهورية. ارتفاع نسبة البطالة يتسبب في بعض الأحيان في خلق جو من الاحتقان وظهور مطالب بقصر التعيين في معظم الوظائف على أبناء المدنية فقط لحل مشكلة البطالة.

“تدرس” الأندونيسي أوضح انه يلقى معاملة حسنة من معظم زملائه في المصنع الذي يعمل فيه كمشرف إنتاج، إلا أن بعضا من زملائه المصريين يرفضون وجوده ووجود العمال الآسيويين الآخرين بدعوى التضييق على فرص عملهم، رغم أن هناك المئات من الوظائف لا تجد من يشغلها من أبناء الإسماعيلية والمحافظات المجاورة، كما يقول.

أما كمال وجنسيته “هندى” الذي أعلن إسلامه قبل عدة أعوام بمصر ويعمل خياط أبدى استياءه من بعض المظاهرات التي قامت من زملائه المصريين ضد أصحاب المصانع للمطالبة بالحصول على بعض المميزات والحوافز دون مراعاة الخسارة التي يتعرض إليها هؤلاء المستثمرين يوميا بعد الثورة لظروف الانفلات الأمي وصعوبة التصدير.

في الوقت نفسه لم ينفِ كمال حاجته وأبناء موطنه لتلك المزايا أيضا وأهمها التأمين، مضيفا أن “الجميع في انتظار الرئيس الجديد لحل جميع مشاكل المنطقة الاستثمارية سواء للمستثمرين أو أصحاب الشركات”.

إسلام البنجلاديشي ترقى السلم الوظيفي حتى وصل إلى منصب مدير صالة إنتاج بمرتب يبلغ 600 دولار كما يقول وأصبح بمرور الوقت أكثر اندماجا ومعرفة بالمجتمع المصري. لكن الكثيرين من زملاءه غادروا البلاد بعد الثورة بسبب انخفاض الطلب على مصانع النسيج أو بسبب الاحتجاجات العمالية الكثيرة التي تطالب بحقوق العمال فتدفع بعض المستثمرين لتصفية عملهم بحثا عن بقعة جديدة أقل تكلفة.

فهل سيعود من رحل بعد أن تستقر الأوضاع في مصر؟ أم سيبحث عن رزقه في مكان آخر؟