إثر إقامة لم تتجاوز أربعة أيام بغرفة الإنعاش في مستشفى خاص بتونس العاصمة رحل حسن السعيدي في 29 أيار (مايو) الماضي عن عمر ناهز خمسين سنة، تاركا خلفه زوجته راضية وابنته آية. وكان السعيدي تناول نحو 60 قرصا مهدئا للأعصاب لم يتوقع الكادر الطبي أن تكون بطاقة عبوره إلى العالم الآخر.

تقول عائلة هذا الرجل إن حالته النفسية تدهورت قبلها بسبب التشكيك في أحقيته بلقب “جريح الثورة”، فيما قال شقيقه أنه تعرض قبل أسبوع من وفاته لتوقيف ومن ثم ضرب واعتداء جنسي دفعه للانتحار بعد مشادة كلامية مع رجل أمن، الأمر الذي نفته وزارة الداخلية.

إثر إقامة لم تتجاوز أربعة أيام بغرفة الإنعاش في مستشفى خاص بتونس العاصمة رحل حسن السعيدي في 29 أيار (مايو) الماضي عن عمر ناهز خمسين سنة، تاركا خلفه زوجته راضية وابنته آية. وكان السعيدي تناول نحو 60 قرصا مهدئا للأعصاب لم يتوقع الكادر الطبي أن تكون بطاقة عبوره إلى العالم الآخر.

تقول عائلة هذا الرجل إن حالته النفسية تدهورت قبلها بسبب التشكيك في أحقيته بلقب “جريح الثورة”، فيما قال شقيقه أنه تعرض قبل أسبوع من وفاته لتوقيف ومن ثم ضرب واعتداء جنسي دفعه للانتحار بعد مشادة كلامية مع رجل أمن، الأمر الذي نفته وزارة الداخلية.

وأينما تكمن الحقيقة، فإن قصة انتحار السعيدي أعادت لفت الأنظار إلى ملف “العدالة الانتقالية” الذي تعهد رئيس الحكومة الانتقالية التونسية حمادي الجبالي أواخر العام الماضي بأن يكون شغل حكومته الشاغل، ومن اجله أنشئت وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.

خمس مراحل

لم يتفق الفرقاء السياسيون وخبراء القانون في تونس على تعريف مشترك للعدالة الانتقالية، الأمر الذي زاد من حدّة الخلافات وساهم في خلط الأوراق.

ويشدّد الدكتور وحيد الفرشيشي الناشط بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية على أن قيام مسار العدالة الانتقالية يشتمل خمس مراحل أساسية لا يمكن ان تستثنى منها مرحلة.

وهي تبدأ على الترتيب بتقصي الحقائق، ومن ثم التتبع القضائي فالمحاكمة، وصولا إلى تعويض الضحايا وجبر الضرر لتنتهي أخيرا بإرساء مصالحة وطنية والقيام بإصلاحات قانونية ومؤسساتية.

وتشير البيانات المتعددة للتنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية ومركز تونس للعدالة الانتقالية إلى أن التمشي المذكور سابقا لم يقع احترامه في تونس.

اعتذارات مبكرّة

رئيس الجمهورية منصف المرزوقي كان قد توجه في خطاب بمناسبة عيد الاستقلال في 20 آذار (مارس) الماضي باعتذار رسمي الى كل من انتهكت حقوقه منذ استقلال البلاد سنة 1956 وطالب بطي صفحة الماضي ودعا إلى المصالحة الوطنية.

لكن خبراء في مجال العدالة الانتقالية رأوا أن هذا الاعتذار كان متسرعا، وأشاروا الى ان الدولة تعتذر في آخر مرا حل مسار العدالة الانتقالية عقب إتمام عملية المحاسبة التي انطلقت في تونس منذ فرار بن علي مع حكومة محمد الغنوشي (آخر رئيس حكومة في عهد بن علي) واستمرت مع حكومة الباجي قائد السبسي (في الفترة الانتقالية الأولى) وهي متواصلة مع الحكومة الحالية.

استعجال مرحلة الاعتذار ليس هو الاستثناء فقد انطلقت مبادرات للمصالحة مع عدد من رجال الاعمال الذين كانت لهم علاقة بالنظام السابق واستفادوا من التقرب إليه، وتبناها راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ذات الأغلبية الحاكمة.

ويبرز التوجه نحو المصالحة مع رجال الأعمال في الفصل الثالث من قانون الميزانية التكميلي الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي والذي يعفي رجال الأعمال من التتبع القانوني ومحاسبتهم، وهو ما اعتبرته المعارضة أمرا “يبعث على الحيرة والقلق” من إمكانية تواصل نهج الإفلات من العقاب.

جدل يساري- إسلامي

وتقر الحكومة بتعويض الجرحى والتكفل بمعالجة الأضرار المتكبَّدة بما فيها الأضرار المادية التي اقرها مرسوم العفو التشريعي العام الذي يحمل الرقم 1 في 19 شباط (فبراير) 2011 وأيضا المرسوم 97 المؤرخ في 24 تشرين اول (أكتوبر) 2011.

وكلا المرسومان نص على التعويضات النقدية أو الخدمات الصحيّة المجانية وتوفير تكاليف التنقل فضلاً عن نواحي رمزية كإطلاق أسماء الشهداء على الساحات العمومية والشوارع.

غير أن قوى اليسار تعيب على حركة النهضة إسراعها في معالجة ملف المساجين الإسلاميين في مقابل تأخرها في معالجة تعويضات ضحايا الثورة، حيث لا زال العشرات من الجرحى ينتظرون تسفيرهم للخارج لتلقي العلاج فيما يكابد المئات منهم ظروفا اقتصادية قاسية.

ومن خلال تصريحات لها، تعارض الأحزاب اليسارية صرف تعويضات مالية للمساجين السياسيين المقدر عددهم بثلاثين ألفا، الذي يثقل حسب تعبيرها كاهل الدولة بالأعباء المادية، وتدعو في الوقت نفسه إلى تأجيل الملف إلى حين معالجة ملف شهداء وجرحى الثورة الذين يناهز عددهم 1380 جريح.

الحكومة ملتزمة

سمير ديلو، وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية اعتبر أن سلوك اليسار “مزايدة” هدفها الظهور بمظهر الحريص على مصالح البلاد وإظهار الإسلاميين الذين هم في الحكم وكأنهم راغبون في المال ولا تهمهم مصلحة البلاد.

كما أكّد ديلو التزام الحكومة بإسناد القسط الثاني من التعويض المادي لعائلات الشهداء والجرحى التي تأخرت نتيجة تسجيل ثغرات تم التفطن إليها على حد قوله، حصلت في الحكومات السابقة.

لكن هذه التصريحات لم تمنع العديد من مكونات المجتمع المدني من انتقاد طريقة معالجة الوزارة للملف.

ويصف محسن مرزوق، أمين عام المؤسسة العربية للديمقراطية، مسار إرساء العدالة الانتقالية بـ “المسار الفوضوي” وعلل ذلك بغياب خارطة طريق واضحة و”لخبطة” يتسم بها عمل الوزارة.

وقال مرزوق إن “بعض الإجراءات التي كان من المفروض أن تحصل في نهاية المسار نراها اليوم في أوله”.

المحاسبة

على المقلب الآخر المتعلق بمحاسبة الجناة، ألقت السلطات الجديدة القبض على أصهار بن علي وعدد من أفراد عائلته وكبار مسؤوليه، يمثلون جميعا امام المحاكم، وصدر حكم على عدد من رجال الأمن بالسجن لمدة عشرين سنة بعد أن أدانتهم المحكمة بقتل متظاهرين أثناء الثورة.

ولكن في الفترة الأخيرة أصبحت هذه المحاكمات موضع شك ومساءلة من قبل القوى السياسية، خصوصا بعد الإفراج عن جليلة الطرابلسي شقيقة ليلى زوجة الرئيس السابق وسفيان بن علي ابن شقيقه قبل أن يصدر القضاء أمرا بإيقافه من جديد.

كما تطرح مسألة محاسبة الذين أجرموا بحق التونسيين خلال سنوات الاستبداد مشكلة أساسية تتمثل في تحديد الأفعال التي سيحاسب المجرمون على أساسها إضافة إلى إشكالية الفترة الزمنية التي ارتكبت فيها الانتهاكات، فهل سيقتصر الأمر على عهد بن علي أم سيمتد الأمر إلى حكم بورقيبة وكيف سيقع تحديد الضحايا المفترضين.