قبل أشهر قليلة، أعلنت جماعات إسلامية منتشرة في مدينة العريش شمال سيناء تشكيل قوات مكونة من ستين ألف جندي لتطبيق وتنفيذ أحكام شرع الله. جاء ذلك على لسان قاضي قضاة مدينة الشيخ زويد، في إشارة لبدء اضطلاع المحاكم الشرعية بمهام تنفيذ أحكامها عبر قوة مسلحة.

في بيت بقلب بمدينة العريش، وفي شارع 26 يوليو يسكن المهندس الزراعي أسعد البيك ذو الستين عاما، والذي أعلن نفسه قاضي قضاة شمال سيناء الشرعي.

قبل أشهر قليلة، أعلنت جماعات إسلامية منتشرة في مدينة العريش شمال سيناء تشكيل قوات مكونة من ستين ألف جندي لتطبيق وتنفيذ أحكام شرع الله. جاء ذلك على لسان قاضي قضاة مدينة الشيخ زويد، في إشارة لبدء اضطلاع المحاكم الشرعية بمهام تنفيذ أحكامها عبر قوة مسلحة.

في بيت بقلب بمدينة العريش، وفي شارع 26 يوليو يسكن المهندس الزراعي أسعد البيك ذو الستين عاما، والذي أعلن نفسه قاضي قضاة شمال سيناء الشرعي.

[ibimage==1275==Small_Image==none==self==null]

المتخاصمون يعرضون حججهم امام الشيخ

البيك الذي التقيناه بصعوبة شديدة، والذي يحتشد في صالة منزله عشرات المتقاضين قال لـ “مراسلون”: “نحن نريد تطبيق شرع الله لا أكثر، نبتغي مرضاته دون تفكير في مقابل مالي”، موضحا أن القاضي الشرعي خلافا للقاضي العرفي لا يتقاضى أتعابا لقاء حكمه بين المتخاصمين.  

القاضي الشرعي الذي نجح مع آخرين في افتتاح ثلاثة دور للقضاء الشرعي في مدينة العريش بتمويلات ذاتية وتبرعات رجال أعمال على حد قوله، نفى أي علاقة بين محكمته وبين تصريح قاضي قضاة الشيخ زويد عن “تنفيذ أحكام الله”. فالشرع وفقا لأسعد البيك مطبق في سيناء منذ الثمانينات دون إقامة الحدود، وتم استبدال الحدود كقطع اليد بالغرامات المالية والتي تصل أحيانا إلي الملايين.

دولة الإسلام

في مدخل شقة المحكمة يخلع المتخاصمون أحذيتهم ثم يجلسون في صالة ضيقة. تمتد الكراسي المتقابلة في انتظار الإذن لهم بالدخول وعرض مظالمهم. سكرتير الجلسة يجلس جانبا وينادي المتقاضين أن يدخلوا حسب أولوية الحجز، فيتقدمون حاملين كالمحاكم العادية ملفا يحتوي أدلة أحقيتهم بالتقاضي.  

تدور القضايا عادة حول خلاف علي قطعة أرض، أو شكوى من تجاوز جار، وقد يصحب البعض شهودا. نحن أمام محكمة تتبع نفس طرق المحاكم التقليدية.

“تطبيق شرع الله الكامل بحدوده لن يتم إلا بعد تمكن الإسلام بالكامل من الأرض، أي بعد إقامة دولة الإسلام الحقيقة”، يقول أسعد البيك دون أن يحدد موعدا أو ظرفا لإعلان دولة الإسلام كما يتمنى. حتى هذا الحين ينافس القضاء الإسلامي الجديد القضاء العرفي على مشروعية تنظيم حياة الناس في سيناء. لكن لماذا تراجع دور القضاء العرفي أصلا؟

قضاء مستورد

الوصول لقاضي عرفي على النمط القديم كان صعبا، فالكثيرون اعتزلوا هذه المهنة وأغلقوا “دواوينهم”، منهم قضاة مشهورون تقلصت وظيفتهم إلى حدود صالة منزلهم، ومنهم الشيخ حسن محسن.

[ibimage==1269==Small_Image==none==self==null]

القاضي العرفي حسن محسن ورث المهنة أبا عن جد

قابلناه في منزله الخالي إلا من عدد قليل من المتخاصمين يحكم بينهم دون طلب “الرزقة”، وهي مقابل مادي متعارف عليه بين الاهالي يمنح للقاضي العرفي بعد كل جلسة.

يعزو محسن قلة عدد الجلساء إلى انهيار القضاء العرفي الذي لم تقدم له الدولة الاحترام الذي يستحق، ويضيف: “الدولة لم تحمِ القضاء العرفي المستمر منذ آلاف السنين، والذي كان عاملا لتوازن القوى بين القبائل، ويحترم العادات الثقافية لأهالي سيناء، فليواجهوا الآن القضاء الشرعي المستورد”.

الفارق بين نظامي القضاء كبير، كما يوضح الشيخ محسن، “فالقضاء العرفي مهنة متوارثة لدى عائلات ذات باع في التقاضي وخبرة اجتماعية تناقلتها أجيال، تتضمن طرقا في الاستدلال والاحتكام لشرائع وحكمة المجتمع القديم”.

محسن أشار إلى أن القضاء العرفي مازال حتى الآن الأقدر علي حل أزمات لا يستطيع الشرعي حلها، فهو أسرع في التحرك لحل القضايا مثل الصدامات بين العائلات، كما أنه يقبل التخفيف في الأحكام، ويقول “نحكم أحيانا بغرامة مالية كبيرة ثم يلجأ المحكوم عليه بطلب تخفيف غالبا ما نقبله، أما في حالة القضاء الشرعي لا يتم تخفيف الأحكام فهو حكم إسلامي نافذ”.

تشكك سيناوي

ورغم السطوع البالغ لسلطة المحاكم الشرعية الجديدة إلا أن عددا من القضاة الذين تحمسوا في البداية لشغلها عادوا لتركها، منهم الشيخ قطب والشيخ عبد الكريم بدوي.فكثير ممن حكم بشأنهم لم يفوا بالتزامات الأحكام الشرعية المالية، لا هم ولا ضامنيهم، الأمر الذي قسم الشارع السيناوي نفسه حول جدوى استبدال القضاء العرفي بالشرعي.

صبري السوركي من شباب البادية يؤكد أن أهالي منطقته غالبا ما يتجنبون القضاء الشرعي، وإن اضطروا فغالبا ما يذهبون للشيوخ الكبار الضامنين إذا وكلهم أحد.

أغلب الأهالي-وفقا للسوركي- يرفضون فكرة التنفيذ الجبري للأحكام، إذ يفاجؤون بمسلحين إسلاميين ينفذون حكما لا يعرف المتهم ما دار فيه من احتكام بين الكفيل والقاضي الشرعي.

محمد حسن فلسطيني مقيم في العريش يوضح أن ثمة قاضي شرعي في العريش لأبناء جنسيته، لكنه يشير إلى صعوبة توكيل شخص متكلم (محامي) يقوم بمهمة الترافع عن المتهم، ويقول “لو كانت الخصومة مثلا مع عائلة كبيرة غالبا ما تستأجر متكلم أفضل”. أي أن سلبيات القضاء العادي قد انتقلت بالتبعية إلي القضاء الشرعي الوليد، فالعدل قيمة نسبية لن يحسمها تسمية القضاء بالإسلامي أو الشرعي أو العرفي.