بدأ صالح جعودة الحياة السياسية سنة 1970 وكان خلال مسيرته من أبرز المعارضين لنظام القذافي. دخل معارك شرسة مع النظام، بدءا من فصله من جامعة بنغازي ومشاركته في المظاهرات الطلابية عام 1976 التي منع على إثرها من مغادرة البلاد وأودع السجن، ثم اطلاق سراحه فمغادرته ليبيا ليلتحق بالمعارضة الليبية في الخارج، وانتهاءً بمشاركته الفاعلة في ثورة شباط/ فبراير التي عاد بعد انتصارها ليترشح لانتخابات المؤتمر الوطني العام ويحصد أكثر من أربعين ألف صوت في بنغازي. موقع “مراسلون” التقاه ليحدثنا حول تجربته ورؤيته للمشهد الليبي.

بدأ صالح جعودة الحياة السياسية سنة 1970 وكان خلال مسيرته من أبرز المعارضين لنظام القذافي. دخل معارك شرسة مع النظام، بدءا من فصله من جامعة بنغازي ومشاركته في المظاهرات الطلابية عام 1976 التي منع على إثرها من مغادرة البلاد وأودع السجن، ثم اطلاق سراحه فمغادرته ليبيا ليلتحق بالمعارضة الليبية في الخارج، وانتهاءً بمشاركته الفاعلة في ثورة شباط/ فبراير التي عاد بعد انتصارها ليترشح لانتخابات المؤتمر الوطني العام ويحصد أكثر من أربعين ألف صوت في بنغازي. موقع “مراسلون” التقاه ليحدثنا حول تجربته ورؤيته للمشهد الليبي.

 س- دعنا نبدأ أولا من نتائج انتخابات المؤتمر الوطني، كيف كانت قراءتك لها وهل جاءت وفق التوقعات؟

ج- أنا لا أدعي أنها جاءت وفقاً لتوقعاتي. فوز تحالف القوى الوطنية (برئاسة الدكتور محمود جبريل) مثلاً بهذه النسبة العالية كان مفاجأة، ولكن هذه النتائج وقعت بسبب قانون الانتخابات الذي وضعه المجلس الوطني الانتقالي وما يعتريه من شوائب قانونية، وتحديداً فيما يتعلق بنظام الصوت المتحول وغير المتحول، آمل حقاً أن يكون قانون الانتخابات القادم المصاحب للدستور خالي من مثل هذه الشوائب.

س- هل سوف يتمسك المؤتمر الوطني المنتخب باختصاصاته المتعلقة بتشكيل لجنة وضع الدستور، أم أنه سيرضخ لرغبة المجلس الانتقالي ويجري تشكيل لجنة أخرى بالاقتراع المباشر؟

ج- لا أشك في أن المؤتمر الوطني سيتمسك بهذا الاختصاص الأصيل، فما لاحظته من خلال النقاش مع بقية الزملاء المنتخبين من أفراد وكيانات، بل وحتى مع أعضاء المجلس الانتقالي نفسه. الجميع متفق على أن القرار الذي أصدره المجلس بأن يتم اختيار لجنة الستين التي ستضع الدستور بالاقتراع المباشر فيه خلل قانوني واضح، خاصة أن القرار صدر في ذات الليلة التي بدأ فيها تصويت الليبيين في الخارج، وما أراه أنا شخصياً على الأقل أنه باطل شكلاً ومضموناً، ولكنني أظل عضواً من مائتين غيري سنرى ما سنتفق عليه جميعا.

س- ألا تعتقد أن المجلس الانتقالي حاول بهذا القرار إرضاء طرف دون أخر؟

ج- هذا الأمر ليس سراً، ففي أحد المنابر الإعلامية التي تمثل رأي إخواننا الفيدراليين، وبالتحديد في لقاء مع السيد زياد الدغيم القيادي في التيار الفيدرالي، أقر الدغيم بكل وضوح بوجود اتفاق بينهم وبين المجلس الوطني الانتقالي لإصدار مثل هذا القرار، والمجلس برأيي حاول تصدير هذه المشكلة ضمن جملة من المشاكل ليتولاها المؤتمر الوطني العام، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الأولوية لملفات أكثر أهمية وتعقيداً.

س- كيف تقيم أداء الحكومة الانتقالية والمجلس الانتقالي وطريقة تعاطيهما مع دعاة الفيدرالية؟

ج- مسألة المطالبة بتغيير نظام الحكم في الدولة إلى النظام الفيدرالي هو أمر يدخل ضمن الاختصاصات التشريعية، أي أن التعاطي مع الإخوة الفيدراليين يختص به المجلس الانتقالي مباشرة وليست الحكومة، أما السبيل الذي أتخذه المجلس لمعالجة هذه المشكلة لم يكن برأيي هو المطلوب لحلها.

بالنسبة للحكومة أعتقد أنها أخطأت عندما حاولت إمساك العصا من الوسط محاولةً إرضاء الجميع، وهو النهج الذي لا يمكن أن تسلكه جهة تتصدى لعمل وطني في المراحل الانتقالية، وبدايات التأسيس للدولة ما بعد الثورة، فالقرارات التي تخدم الوطن لها الأولوية وان لم ترضى بها أطراف بعينها.

س- ما هي أهم الملفات المطروحة على طاولة المؤتمر الوطني العام؟

ج- حسب رؤيتي يجب أن تكون البداية للتعامل مع الإعلان الدستوري المؤقت سواء بالتعديل أو الإضافة أو حتى  الإلغاء، فهو حق واختصاص للمؤتمر الوطني العام، وحتى لا يمثل سكوتنا أو تأجيلنا لهذا الأمر موافقةً ضمنيةً على ما صدر من قوانين وتشريعات وإعلان دستوري لم يعرض على أي استفتاء شعبي، بل لم يؤخذ فيه حتى رأي المختصين وجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها.

بعد ذلك يجب تشكيل لجنة استلام مكونة من أعضاء المؤتمر الوطني، تتولى تسلم المهام والمستندات من المجلس في مدة يحددها المؤتمر الوطني العام.

الأمر الثالث والأهم يتمثل في تكليف شخصية وطنية بتشكيل الحكومة، وأن تكون قادرة على المضي قدماً بالبلاد، وتحقيق ما يصبو إليه الشعب الليبي في هذه الفترة التأسيسية.

هذه جميعها  تمثل الخطوط العريضة لأولويات المؤتمر، تأتي معها ملفات لا تقل أهمية كإعادة تشكيل البيت الأمني الليبي بشقيه الدفاع والداخلية، والتعامل مع التسلح العشوائي الحادث الآن، والنظر في ملف الفساد وما إلى ذلك من ملفات حيوية.

س- من هو الشخص الذي ترى فيه القدرة على قيادة الحكومة الليبية في الفترة المقبلة، وما هي الملامح العامة لهذه الحكومة؟

ج- أصدقك القول بأنه لا يوجد في ذهني رجل بعينه، ولكن سيتم التشاور مع بقية الأحزاب والقيادات الوطنية لاختيار سياسي محنك، قادر على الاستجابة لمتطلبات المرحلة، يجب أن تحاكي مواصفات الشخص المطلوب طبيعة الفترة، ولا بد أن نأتي بالشخص الذي يقارب التصور العام لهذه المواصفات.

رئيس الحكومة يجب أن يكون رجلاً وطنياً لم يكن من رجالات العقيد أو تولى مناصب سيادية في عهده كاللجنة الشعبية العامة أو ما يعرف بالمؤتمر الشعبي العام، وينبغي ألا يمت للجان الثورية أو الكتائب الأمنية بصلة، وأن يخلو من شبهة التلاعب بأموال الشعب الليبي وقضايا الفساد، مثل هذه الشخصية ستعطي انطباعاً لدى الشارع الليبي والمجتمع الدولي عامةً بأن البلاد تسير على الطريق الصحيح.

تم تداول اسم الدكتور”مصطفى أبوشاقور” نائب رئيس الوزراء الحالي، وهو رجل تربطني به علاقة قديمة في صفوف المعارضة الليبية التي تشرفت بالانتماء إليها، ولكني لا أجزم بأنه هو الشخصية التي سأطرحها لأن الأمر يحتاج للتشاور والنقاش المستفيض، لأن اختيار الحكومة من بعد سيقع على عاتق هذا الشخص الذي سنتفق عليه كأعضاء مؤتمر وطني.

س- السلاح المنتشر في ليبيا يشكل أكبر عائق أمام بناء الدولة. كيف يمكن جمعه والسيطرة عليه برأيك؟

ج- جمع السلاح باعتقادي يبدأ بإغلاق ملف المطلوبين في الخارج من رجالات العقيد أو أبنائه والمقربين من هذه الدائرة، إما بتسلُّمهم أو التحفظ عليهم في أماكن هروبهم، ومن ثم تقديمهم لقضاء عادل ونزيه والحكم عليهم سواءً غيابياً أو بحضورهم، وعند إغلاق هذا الملف بالسرعة الممكنة تبدأ عودة الفارين والنازحين غير المطلوبين وتتحقق مبادئ المصالحة الوطنية.

بهذا فقط يثق قادة الثورة الحقيقيون المحتفظون بالسلاح بأن لا أحد يهدد ليبيا من الخارج، ويبدؤون فعلياً بجمع السلاح، وبعدها يتم تكليف وزيرين للدفاع والداخلية من الشخصيات الوطنية التي لا غبار عليها ولا شبهة في كونها من رجال كتائب القذافي الأمنية، وبتعاونهما معاً ومع لجنة الدفاع والحكم المحلي في المؤتمر الوطني العام يبدأ العمل على الأرض لجمع السلاح والسيطرة عليه.

س- هل تعتقد أن هناك تدخلاً أجنبياً في ليبيا في هذه الفترة وخاصة عن طريق الأحزاب ذات المرجعيات الخارجية، وما تقيمك للتجربة الحزبية الليبية ككل؟

ج- من لا يعترف بوجود التدخل الأجنبي في الشأن الليبي هو كمن يواري الشمس بالغربال، هناك تدخل أجنبي في الشأن السياسي جاء مصاحباً للتدخل الأجنبي العسكري الذي فرضه علينا العقيد، وهذا أمر اعتادت عليه ليبيا تاريخياً، ولكن الفرق هنا في طريقة التعامل مع هذا التدخل، و هل ستأتي حكومة تصريف أعمال قادرة على تحقيق السيادة الليبية كاملة.

بالنسبة للتجربة الحزبية من الظلم أن أقول بأن هناك تجربة حزبية في ليبيا، لأن أعرق حزب سياسي على الأراضي الليبية لا يتجاوز عمره الأربعة أو خمسة أشهر، وبالتالي لا يزال من المبكر أن نحكم على التجربة الليبية في هذا الخصوص، ولكننا كأي مجتمع علينا أن نتفاءل بمستقبل هذه التجربة، ويجب على الكيانات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني خاصة أن تبذل المزيد من الجهد لترسيخ الثقافة الحزبية، لأنها أحد أعمدة الديمقراطية.

س-هل من الممكن أن نرى يوما صالح جعودة تحت العباءة الحزبية أم تفضل البقاء مستقلاً؟

ج- من المرجح أنكم لن تروني تحت العباءة الحزبية، وذلك يعود لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية أعترف بها أمامكم، أما بالنسبة للأسباب الذاتية المتعلقة بشخصي فهي كوني أعمل في السياسة لمدة ثلاثين عاماً، خضت خلالها عديد التجارب مع الكيانات السياسية في صفوف المعارضة، تكونت جراء ذلك شخصيتي السياسية التي كانت قليلة الانضباط الحزبي، لذلك أنا أجد صعوبة في أن أقحم نفسي في حزب ما.

أما عن الأسباب الموضوعية فهي تتمثل في تجربتي العملية كشخصية وطنية مستقلة تمكنت من لعب دور توافقي بين الأحزاب الوطنية المختلفة إذا ما واجهتها مآزق، وفي هذا السياق أنا أعترف بأني كنت تلميذاً للزعيم الوطني المُغيب رشيد منصور الكيخيا الذي كنا نسميه شيخ المستقلين في المعارضة.

س- أخيرا، هل تقبل برئاسة المؤتمر الوطني العام إذا تم اختيارك، خاصة في وجود العديد من الأصوات في الشارع الليبي تنادي بهذا؟

ج- هذا السؤال يطرح علي يوميا تقريباً، ولكني أُجيب دائما بأنني مبدئيا أرفض ذلك وأيضا لأسباب موضوعية بحتة مع شكري للجميع، فلو نجحنا بأن نجد شخصية مستقلة لم تكن طرفاً في أي نزاعات أومشاكسات سياسية مثل هذه الشخصية هي التي ستشكل جسراً للمصالحة الوطنية بعيداً عن أي مشاحنات ممكنة.

ولكن نظل جميعاً تحت الخدمة الوطنية فلو ارتأت أغلبية الأعضاء من الزملاء في المؤتمر في شخصي ما يمكن أن أقدمه للوطن أو الحيلولة دون اختلافات أكبر بين ألوان الطيف السياسي فأنا دائما في خدمة ليبيا.

أتمنى أن يتم اختيار رئيس المؤتمر بالتوافق شأنه شأن القرارات المزمع اتخاذها في الكيان المنتخب، فمن وجهة نظري نحن في الفترة المقبلة في حاجة إلى أكبر قدر من التوافق لتكون قراراتنا أقوى وذات جدوى، لأننا الجسر الذي ستعبر عليه ليبيا إلى المستقبل، وعلى عاتقنا يقع رسم ملامح الانتقال من الثورة إلى الدولة.