تثير عمليات سبر الآراء في تونس جدلا واسعا يتعلق بمصداقية وبمهنيّة المكاتب والوكالات المختصة في قياس الرأي، ومدى اعتمادها على القواعد العلمية والوسائل المتعارف عليها عالميا في ظل غياب إطار قانوني ينظم عملها.

أكثر عمليات استطلاع الرأي إثارة للجدل تلك التي قام بها مؤخرا مكتب “سيغما كونساي” وصحيفة المغرب وجاء فيها أن 41,7 بالمائة من المستجوبين يعتبرون أن وضع تونس خلال عهد بن علي أفضل مما هو عليه في ظل الحكومة الحالية.

تثير عمليات سبر الآراء في تونس جدلا واسعا يتعلق بمصداقية وبمهنيّة المكاتب والوكالات المختصة في قياس الرأي، ومدى اعتمادها على القواعد العلمية والوسائل المتعارف عليها عالميا في ظل غياب إطار قانوني ينظم عملها.

أكثر عمليات استطلاع الرأي إثارة للجدل تلك التي قام بها مؤخرا مكتب “سيغما كونساي” وصحيفة المغرب وجاء فيها أن 41,7 بالمائة من المستجوبين يعتبرون أن وضع تونس خلال عهد بن علي أفضل مما هو عليه في ظل الحكومة الحالية.

قناة نسمة التلفزية الخاصة بثت خلال شهر تموز (يوليو) الماضي شريطا اتهمت فيه مؤسسة “سيغما كونساي” المختصة في قياس الرأي بالمغالطة عبر نشر نتائج وصفتها بالمزورة، منها شعبية الأحزاب السياسية قبل الانتخابات، وذلك لمحاولة التأثير على الناخب التونسي وتوجيه الرأي العام.

غياب الجودة

واعتبر أغلب المشاركين في استطلاع آراء قامت به وكالة الأنباء الرسمية التونسية خلال شهر أيار (مايو) الماضي أن عمليات قياس الرأي التي تقوم بها بعض المكاتب والجهات المختصة في تونس غير مرضية وتفتقر للجودة.

وأكد نحو 70 بالمائة من المشاركين الذين بلغ عددهم 1589 شخصا، أن عمليات سبر الآراء في تونس غير مرضية ورأى 22 بالمائة أنها متوسطة فيما اعتبرها 7 بالمائة جيدة.

وأعرب حسن الزرقوني صاحب ومدير مؤسسة “سيغما كونساي” المختصة في قياس الرأي عن استغرابه للتشكيك في مصداقية نتائج سبر الآراء وحياد المؤسسات المختصة. وقال في تصريح لموقع “مراسلون” “لا أعرف لماذا يتساءل البعض عن مصداقية نتائج سبر الآراء وحيادية المكاتب المختصة أو مدى إلتزامها بالشروط العلمية، فهل تساءل أحدهم عن مدى التزام طبيب بالقواعد العلمية للطب ومصداقيته عند عرض نتائج فحصه؟”

ويضيف “لكل مكتب طريقته في سبر الآراء فمثلا أنا اعترض على طريقة الاستبيان عبر الإرساليات الهاتفية لأنها غير دقيقة”.

ومنذ انهيار النظام السياسي السابق أطلقت عدد من المؤسسات الإعلامية والجمعيات الفتية عمليات سبر آراء سياسية بقصد التعرف على اتجاهات الشارع التونسي. ويقول الصحفي ورئيس جمعية الوعي السياسي سفيان الشورابي إن “هذا تقليد كنا نفتقده في تونس لكن الملاحظ ان عمليات السبر تلك لم تتخطى مرحلة الهواية ولم تتصف بالعلمية”.

ويرى أن المراكز الخاصة تتعامل مع هذا النشاط بمنطق السوق وتنحاز سياسيا إلى الجهة التي تدعمها  ماليا، في حين أن ما تقوم عدد من الجمعيات من سبر لا قيمة كبيرة له ويفتقد لأية مصداقية بما انه يشتغل وفق آليات غير علمية.

ويستثني الشورابي مركز بحوث ودراسات ينشط في صلب كلية العلوم الإنسانية بالعاصمة باعتباره يعتمد في عمله على مختصين، ويقول إن “أساتذة علوم النفس وعلوم الاجتماع هم الذين يشرفون بعناية على اختيار العينات الاجتماعية التي يقع استجوابها، وعلى صياغة الأسئلة الدقيقة إضافة الى ما يحرصون عليه من تشدد علمي قبل نشر النتائج”.

من جانبه أكد عامر العريض رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة خلال لقاء مع موقع “مراسلون” أنه لا يمكن قياس الرأي العام أو سبر آراء عندما يكون هناك تزييف في المجتمع مثلما كان يحدث في تونس، ولا يمكن التأكد من أن أجوبة الناس صادقة أو مبنية على الخوف وبالتالي لا يمكن اعتمادها.

ويضيف “الآن في مرحلة الحرية هناك قيمة وتأثير أكبر لإستطلاعات الرأي لكن شريطة أن تعتمد على الوسائل العلمية وأن لا تندرج ضمن أجندات سياسية وحزبية لأنها في هذه الحال ستصبح وسيلة للدعاية الإنتخابية والسياسية وليست وسيلة للبحث العملي أو لمعرفة توجهات الرأي العام”.

ودحضت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي أغلب نتائج عمليات سبر الآراء المتعلقة بنية تصويت التونسيين قبل الانتخابات. فقد أكدت الاستطلاعات التقارب بين حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدمي (الحزب الجمهوري حاليا)، لكن الواقع أثبت فوز الحركة الإسلامية بــ 89 مقعدا في المجلس التأسيسي (البرلمان) من مجموع 217 فيما لم يتحصل الحزب الديمقراطي التقدمي سوى على 16 مقعدا.

قياس رأي بشروط

تدعو أطراف في تونس إلى وضع جملة من الشروط وإلزام المؤسسات المختصة في قياس الرأي باعتمادها لتلافي تحول عمليات سبر الآراء إلى أداة لمغالطة الرأي العام ولخدمة مصالح السياسيين.

في هذا السياق يقول عامر العريض إنه يجب وضع جملة من الشروط، أهمها التزام مراكز سبر الآراء بالقواعد العلمية الصارمة، ويضيف “في البلدان الديمقراطية مثلا تتوقف عمليات سبر الآراء بانتهاء فترة الحملة الانتخابية للحيلولة دون التأثير في الرأي العام وتوجيهه”.

من جانبه يؤكد حسن الزرقوني لـ”مراسلون” ان هناك جانبين لتنظيم عمليات سبر الآراء يتمثل الأول في التعديل الذاتي للمهنة بمعنى أن تقوم الأطراف المعنية بقياس الرأي بالإتفاق على مقتضيات تنظيم القطاع من الناحية العلمية والبشرية والمالية وطريقة نشر نتائج سبر الآراء. أما الجانب الثاني فيتمثل حسب رأيه في أن “يكون المجلس الأعلى للإحصاء بمثابة هيئة عليا لها دور مراقبة طريقة إجراء عمليات سبر الاراء والمصادقة على نشر نتائجها”.

ويضيف مستدركا “لكني أفضل الحرية والتعديل الذاتي والتحلي بالمسؤولية المهنية وحتى في حال وجود هيئة عليا لا يجب أن تكون مهمتها الإشراف على القطاع الذي قد يتحول إلى أداة مراقبة ومنع”.