انقضت عليها المخابرات السودانية بضراوة، ورمتها في غياهب السجن بعد أن نشرت قصة “الشهيدة عوضية” في صحيفة “الوطن” المصرية التي تعمل بها.

وما أثار حفيظة النظام السوداني ضدها هو أن القصة جاءت تحت عنوان “حكاية عوضية.. الشهيدة التي أشعلت الاحتجاجات السودانية” فيما جاء العنوان الفرعي: “قصة خالد سعيد تتكرر بكل تفاصيلها في الخرطوم.. والبشير يكرر نفس أخطاء مبارك”.

إنها الصحفية المصرية شيماء عادل مراسلة صحيفة “الوطن”، والتي اصطدمت بعد أسبوع واحد فقط من إقامتها في الخرطوم بحدود العمل الصحفي في السودان.

 

انقضت عليها المخابرات السودانية بضراوة، ورمتها في غياهب السجن بعد أن نشرت قصة “الشهيدة عوضية” في صحيفة “الوطن” المصرية التي تعمل بها.

وما أثار حفيظة النظام السوداني ضدها هو أن القصة جاءت تحت عنوان “حكاية عوضية.. الشهيدة التي أشعلت الاحتجاجات السودانية” فيما جاء العنوان الفرعي: “قصة خالد سعيد تتكرر بكل تفاصيلها في الخرطوم.. والبشير يكرر نفس أخطاء مبارك”.

إنها الصحفية المصرية شيماء عادل مراسلة صحيفة “الوطن”، والتي اصطدمت بعد أسبوع واحد فقط من إقامتها في الخرطوم بحدود العمل الصحفي في السودان.

 

موقع “مراسلون” حاور شيماء عادل الصحفية المصرية الصاعدة بعد أن أفرجت عنها السلطات السودانية بوساطة من الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، الذي اصطحبها علي متن طائرته الرئاسية في رحلة عودته إلي القاهرة منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي بعد حضوره قمة الاتحاد الإفريقي بإثيوبيا.

 

س: ما الذي دفعك للذهاب إلي السودان تحديدا، بينما توجد مناطق أخرى ساخنة يسلط عليها الإعلام الأضواء ليل نهار؟

ج: ذهبت للسودان لسببين، الأول: لم أجد تغطية إعلامية كافية لما يحدث هناك، وكنت أريد أن أعرف حقيقة ما يجري، وانقله بدوري إلي الرأي العام، أما السبب الثاني فهو أن لدى السودان نظام إسلامي، وقد تولي حكم مصر رئيس ينتمي لجماعة إسلامية، لذا كنت أرغب في مشاهدة التجربة السودانية عن قرب، ومعرفة كيف ستكون العلاقات بين البلدين بعد تولي مرسي للسلطة.

 

س: ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين النظامين على ضوء ما شاهدتيه في السودان؟

ج: لا توجد أوجه تشابه، أولا لأن الوضع في مصر لم يستقر بعد، وملامح الدولة الإسلامية لم تتجسد، أما النظام الحاكم في السودان فهو موجود من عام 1989، وهو نظام إسلامي عسكري، جاء خلاله البشير بانقلاب، بينما الرئيس في مصر منتخب.

 

س: ما هو الدرس المستفاد من تجربتك؟

ج: التجربة جعلتني أقوى مما كنت، اليوم جلست أفكر مليا في عملي الصحفي علي مدار الخمس سنوات الماضية، تذكرت القتل والدمار والتخريب الذي رأيته في غزة، وليبيا، وسوريا، وبعدها اعتقالي في السودان، فوجدت نفسي لا أشعر بالخوف من أي شيء، لا يوجد لدي شيء أخاف عليه سوى أسرتي. تعلمت أنه يجب علي أن آخذ حذري في المرات التالية، وألا أثق في أحد بسهولة.

 

س: ما هي النصائح التي تسديها للصحفيين الذين قد يتعرضون لمواقف مشابهة؟

ج: لابد أن يكونوا علي وعي بقوانين الدول التي يذهبون إليها، خاصة ما يتعلق بحقوقهم الشخصية والمهنية كأجانب، ولا بد من الاتصال باستمرار بجهة عملهم بشكل منتظم، مثلا كل ثلاث ساعات لو كان عملهم في منطقة نزاعات.

 

س: كيف كانت رحلتك علي متن طائرة الرئاسة؟

ج: أكثر من اهتم بي طوال الرحلة هن المضيفات، كادوا يحملونني علي رؤوسهن، ولم أكن أفهم حينها لماذا يعاملني الناس بحفاوة؟! حتى نزلت إلى المطار، وذهلت حين رأيت أن “الدنيا مقلوبة من اجلي”، خاصة حين رأيت اثنين من المصورين يلتقطون الصور لي. وستجد بعض الصور لي وأنا مندهشة مما يحدث، لقد تعودت أن أكون أنا الصحفية التي تغطي الحدث، ولست الحدث نفسه.

 

س: كيف رأيت وضع الإعلاميين في السودان؟

ج: هناك تضييق شديد على الإعلاميين، ومضايقات أمنية لهم، إلى حد يدفع بعض المراسلين الأجانب لاستخدام حيل ماكرة للتمكن من إرسال المواد الإعلامية المصورة والمكتوبة إلى مؤسساتهم الصحفية، وهذا التضييق والتعتيم يحرم العالم من معرفة حقيقة الوضع داخل السودان.

 

س: يصعب على الإعلام السوداني إذن نقل الحقائق أو حتى انتقاد الأوضاع في السودان؟

ج: هناك رقيب يقرأ كل كلمة قبل نشرها، ولا أحد يجرؤ علي الاقتراب من الرئيس عمر البشير، إلى حد أن بعض الصحف لم تعد تصدر أصلا بسبب مقص الرقيب، وكذلك بعض الجرائد تنشر مبتورة المعنى، أو على نحو غير الذي وضعه الصحافيون المسئولون عن تحريرها.

 

س: وماذا عن صحافة المواطن؟ هل لها حضور وتأثير؟

ج: تأثيرها محدود بسبب القمع الذي يمارسه النظام علي النشطاء والمعارضين، كما أن هناك ما يسمي بكتائب “الجهاد الالكتروني” التي تقوم باختراق المواقع، والمدونات، والحسابات الشخصية التي تنشر وتتداول الصور ومقاطع الفيديو والمعلومات الخاصة بالاحتجاجات أو انتهاكات نظام البشير، كما تحجب المواقع الحقوقية، والصحف والمدونات الالكترونية المعارضة للنظام الحاكم، فلا يستطيع السودانيون رؤيتها، ولكن مع هذا فإن مقاطع الفيديو والصور التي يلتقطها المواطنون، تشكل مصدرا أساسيا للتقارير الصحفية التي تنشر في بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية عن الاحتجاجات السودانية، كالتقارير التي بثتها قناتي العربية وسكاي نيوز وكانت محركا أساسيا لرغبتي في معرفة ما يدور في هذا البلد المجاور لمصر.

 

س: كم أمضيتي من الوقت في ممارسة عملك الصحفي في السودان؟

ج: أسبوعا واحدا.

 

س: وكم بقيتي داخل المعتقل؟

ج: (ضحكت) أمضيت أسبوعين.

 

س: هل كان السبب هو تغطيتك للاحتجاجات؟

ج: خلال فترة عملي بالسودان، أجريت حوارا مع القيادي المعارض الصادق المهدي، وغطيت إحدى التظاهرات، وذهبت إلى منزل الشهيدة عوضية، وهي فتاة ذاع صيتها بعد مقتلها علي يد رجال الشرطة السودانية، وكتبت في صحيفة “الوطن” قصة أثارت سخط النظام السوداني، لأنني شبهت قتلها علي يد الشرطة، بقصة خالد سعيد هنا في مصر، كما ذكرت أن البشير يكرر نفس أخطاء مبارك، وهو ما أغضبهم بشدة، وجعل المحققين السودانيين يتهمونني بعدم الموضوعية، بل وصل الأمر إلى حد قولهم لي “أنت لست صحفية أصلا”، ووجهوا لي اتهام بمحاولة قلب نظام الحكم، وتدريب المعارضين السودانيين. وقالوا أيضا إنني ذهبت إلى ألمانيا للحصول علي تدريبات خاصة، وما أجج غضبهم أيضا أنني سافرت إلى سوريا وليبيا، ولم يفلح توضيحي لهم أن ذهابي إلى ألمانيا كان للمشاركة في مهرجان برلين للأفلام، وأن كل التدريب الذي تلقيته هو تدريب يتعلق بمهنة الصحافة، وسفري لليبيا وسوريا سببه العمل على تغطية الأحداث بهما.

 

س: وكيف كانت ظروف احتجازك في المعتقل؟

ج: كانت ظروفا صعبة وغير إنسانية، وكان المعتقل داخل سجن جنائي، بهدف التضليل، حتي لا يعرف أنه بالداخل سجناء سياسيون، وقد التقيت داخل المعتقل بالعديد من المعارضات. وكان الأمن يعاملني كأي معتقلة سودانية، ومع هذا كانت المعتقلات يقلن إن سلطات المعتقل تعاملهن بشكل جيد لأنني أوجد بينهن (كصحفية من بلد آخر)، ومع هذا تعد تجربة اعتقال نساء أمرا جديدا علي المجتمع السوداني، وفقا لما سمعته هناك، فقد كان أقصى ما يقوم به الأمن السوداني هو استدعاء المرأة للاستجواب ثم صرفها بعد ذلك، لكن ما يبدو هو أن الاحتجاجات والثورات العربية صعدت من مخاوف النظام الحاكم في السودان وجعلته يشدد من قبضته الأمنية.

 

س: على ذكر الثورات العربية… هل الاحتجاجات في السودان يمكن أن تتحول لثورة مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا؟

ج: في حواري مع الصادق المهدي سألته ذات السؤال تقريبا، وكان جوابه بـ”لا”، موضحا أن “قبضة الأمن في السودان أقوى من المواطنين”، وقد قام الأمن باعتقال كل المعارضين داخل الدولة حين كنت هناك، بل ووصل الأمر إلى أنه حين كان المعارضون يحاكمون، ويصدر القضاء السوداني حكما ببراءتهم، يقبل بعض الناس لتهنئتهم، فيتم اعتقال هؤلاء الناس.

 

س: وهل القضاء في السودان نزيه رغم كل ما يوصف به نظام الحكم السوداني من دكتاتورية وطغيان؟ وهل يُنفذ الأمن القضاء؟

ج: ما لاحظته أن هناك خلافا ما بين القضاء والنظام الأمني السوداني، لذا فهو يصدر أحكامه باستقلالية، وينفذ الأمن تلك الأحكام، لكنه سرعان ما يعيد اعتقال النشطاء مجددا، إن أراد ذلك.

 

س: هل يدعم السودانيون الثورة علي نظام البشير سرا وما يردعهم فقط ضراوة الأمن؟

ج: كان من اللافت أن قطاعات عريضة من المواطنين ترفض الاحتجاجات وفكرة الثورة وإسقاط نظام البشير، ومبررهم هو “من سيأتي ويحكم بعده”. وهو ذات المنطق الذي تبناه بعض المصريين عندما قامت ثورة 25 يناير ضد مبارك.

 

س: هل هذا يعني أن هذه الفئة من المواطنين ليس لديها مشكلة تدفعهم لإعلان الغضب ضد نظام الحكم السوداني علنا أو حتى سرا؟

ج: هناك حالة غضب بالفعل بين الناس، نظرا لارتفاع الأسعار بصورة مبالغ فيها، فقد يتضاعف سعر بعض السلع الأساسية كاللحوم والخضروات والمحروقات مرتين أو ثلاثة خلال أسابيع قليلة، فمثلا قبل ثلاثة أشهر كان سعر اللحم الذي يشكل وجبة أساسية علي مائدة السودانيين 14 جنيها سودانيا وقد بلغ نحو 42 جنيها حين كنت هناك في شهر يوليو الماضي، وحينما غادرت السودان في منتصف يوليو كان سعر الطماطم 15 جنيها، ومع نهاية الشهر بلغ 30 جنيها سودانيا، هذا يجعل حياة المواطن السوداني بالغة الصعوبة، ولا تطاق.

 

س: ألا يري النظام السوداني ومخلبه الأمني هذا الوضع؟ ألا يرون غضب المواطنين الذي بدأ يتفجر في صورة احتجاجات ربما تكون محدودة نسبيا؟

ج: الغريب أن هناك إدراكا لوجود مشكلة متصاعدة، ولكن رجال الأمن يقولون “وماذا يمكن أن يفعل النظام لحلها؟!”، كما أن لهم تبريرات غريبة للمظاهرات الاحتجاجية التي تخرج في بعض المدن السودانية، فردهم هو أن الإعلام يروج “كذبا” لما يطلقون عليه “مظاهرة الرجل الواحد”، فمثلا يقوم المصورون بالتقاط صورة أو مقطع فيديو لرجل يحمل لافتة معارضة، ثم يوجهون كاميراتهم نحو مجموعة من المواطنين خلال خروجهم من المسجد بعد الانتهاء من الصلاة.. هكذا يبررون ما يحدث في السودان.