سيناء قبل أن تكون موطنا للقلاقل الأمنية أو للتهريب، أو حيزا انتقاليا ساخنا بين مصر وفلسطين، هي أرض بدوية تعمل بها عوامل الصور التقليدية عن حياة الصحراء.

قبل أسابيع أرسل الجيش قواته إلى صحراء سيناء ونشر دبابات ووحدات مسلحة لمكافحة الإرهاب المتسبب بمقتل 16 جندي مصري. وعلى عكس السلوك البدوي التقليدي الكاره للموظفين والعسكر وكل ما يتصل بالمركز أبدى المقيمون في سيناء ترحيبا وعرضوا التعاون مع الدولة لإعادة الهدوء إلى المنطقة.

سيناء قبل أن تكون موطنا للقلاقل الأمنية أو للتهريب، أو حيزا انتقاليا ساخنا بين مصر وفلسطين، هي أرض بدوية تعمل بها عوامل الصور التقليدية عن حياة الصحراء.

قبل أسابيع أرسل الجيش قواته إلى صحراء سيناء ونشر دبابات ووحدات مسلحة لمكافحة الإرهاب المتسبب بمقتل 16 جندي مصري. وعلى عكس السلوك البدوي التقليدي الكاره للموظفين والعسكر وكل ما يتصل بالمركز أبدى المقيمون في سيناء ترحيبا وعرضوا التعاون مع الدولة لإعادة الهدوء إلى المنطقة.

هذا التغير ليس الأول من نوعه الذي يطرأ في السلوك القبائلي وربما لن يكون الأخير، وليس هناك أفضل من شاعر بدوي تقليدي يحدثنا عن ما اعترى سيناء من تحولات على مستوى المجتمع وقيمه. موقع “مراسلون” التقى الشاعر حسونة فتحي وكان هذا الحوار:

س: هل ما زلنا نستطيع الحديث عن شخصية السيناوي بنفس التخيل القديم عن ساكن الصحراء؟

ج: ابن سيناء بدوي، والبدوي لين كالبحر، قوي كالصحراء، صلب كالجبال، سريع كالريح، هو المنحوتة لطبيعة قاسية، علمته حكم الحياة الصافية، حيث قصرت احتياجاته على البسيط، وشكلت ثقافته بما يوازي التنوع الحادث حوله في التضاريس، وتباعد العنصر البشري، واختلاف أماكن الإقامة باختلاف فصول العام. لازال عنصر الطبيعة حاسما في تركيبة المواطن السيناوي مهما زاد التحضر وتعقدت السياسة.

[ibimage==1179==Small_Image==none==self==null]

الشاعر حسونة فتحي

س: يتزايد سؤال الهوية إلحاحا في ظل القلاقل السياسية، وليس أكثر من مواطني سيناء في علاقتهم بالوطن الأم تعلقا بسؤال الهوية، كيف أثر التجوال والبداوة علي قيمة الهوية؟

ج: البداوة نسق يحمل كل قيم التسامي، ولابد أن نفرق بين البداوة والقبلية، أي العرق والنسب. فقيم كالفروسية خرجت من الصحراء وأكسبت البدوي قيم تقبل الآخر ومضايفته. ويرتبط بالتجوال أيضا قيمة الحرية، فالقضاء العرفي مثلا لا يحتوي أحكاما بالسجن أو تحديد الإقامة، نجده علي ندرة الموارد المالية يعوض أحكامه بالممتلكات المادية ولا يسلب حرية البدوي. حرية البدوي هي حياته، لذا نجد صعوبة في فهم الدولة المركزية عندما تصمم علي سلب حرية أبنائنا عبر السجن.

س: الشعر البدوي المتوارث يبدو الآن بعيدا عن واقع الحياة المدينية والمتغيرة للمواطن السيناوي، نحن مثلا نجد شعرا علي لسان نساء بينما الواقع ينكر دور النساء؟

ج: المرأة البدوية بالفعل تقلصت مكانتها حتى حدود المنزل، دورها أصبح أسريا، على الرغم من حضور صوتها غالبا في الشعر البدوي الموروث، ستجد مربوعات غناءها حاضرة في الأعراس التقليدية، يغنيها الرجال ولا تنسب مربوعاتها إليها، بل تنسب للموروث عموما.

س: لكن أفراح سيناء الحالية لايوجد بها أصلا غناء، وغالبا ما استبدلت الأفراح التراثية الشهيرة بالأفراح الإسلامية حيث لا غناء ولا شعر؟

ج: بالفعل، جري تبدل في طقوس الزواج، وبدلا من حضور مطرب القبيلة وشاعرها وبطانته، حيث تغني الجموع ما حفظ من التراث، وحيث حضور النساء والرجال بلا فاصل، استبدل ذلك بالفرح الإسلامي، حيث مكبرات الصوت التي تنقل الأناشيد الدينية والعزل الصارم بين النساء والرجال، لكن نساء البادية في الخلاء لازلن يغنين وحدهن، وينقلن لبناتهن وأبنائهن بعضا من أشعار الزمن القديم، فيما لا يظهر ذلك في مناطق الحضر الشمالية حول العريش.

س: تتسرب من لغتك حنين إلي زمن ما قبل سيطرة التقليد الإسلامي علي فضاء العلاقات الإجتماعية في سيناء، هل الأمر مرتبط فقط بتحول في المزاج السياسي؟

ج: التغير سبق الظاهرة الإسلامية، المجتمع افتقد إلى البهجة والفرح بنفسه منذ زمن، لدرجة أن الأفراح أصبح يجلب لها من يفرح للناس من خارجهم (الدي جي)، شباب هذه الأيام يخجلون من الغزل، والذي كان غرضا شعريا ثابتا في الشعر البدوي. التغيير بدأ حين ركب البدوي السيارة بدلا من الهجين(الجمل)، وحين انتصرت القبلية الوهابية القائمة على الإجبار، على فكرة البداوة المبنية على القيم الحرة، استبدلنا إبداع الفرد الحر بالإرتباط بالنسب والعرق، منذ هذه اللحظة أصبحت حياتنا مهيئة للقيم المستوردة.