بعد أشهر قليلة من استيلاء زين العادين بن علي على الحكم، وتحديدا في كانون الثاني (يناير) 1988، كتبت الناشطة السياسية والصحفية نزيهة رجيبة مقالها الشهير “نشاز” الذي تحدّت فيه بن علي وتنبأت فيه بأنه مشروع دكتاتور سيبطش بالتونسيين وقرّرت مواجهته. أم زياد التي رفضت منصب وزيرة في الحكومة الحالية، ترى أن الإسلاميين في طريقهم لإقامة دكتاتورية. في ما يلي نص الحوار:

 

س- كيف تقيّم الكاتبة والناشطة السياسية نزيهة رجيبة أداء الترويكا بعد ستة أشهر من توليها مقاليد الحكم  في تونس؟

بعد أشهر قليلة من استيلاء زين العادين بن علي على الحكم، وتحديدا في كانون الثاني (يناير) 1988، كتبت الناشطة السياسية والصحفية نزيهة رجيبة مقالها الشهير “نشاز” الذي تحدّت فيه بن علي وتنبأت فيه بأنه مشروع دكتاتور سيبطش بالتونسيين وقرّرت مواجهته. أم زياد التي رفضت منصب وزيرة في الحكومة الحالية، ترى أن الإسلاميين في طريقهم لإقامة دكتاتورية. في ما يلي نص الحوار:

 

س- كيف تقيّم الكاتبة والناشطة السياسية نزيهة رجيبة أداء الترويكا بعد ستة أشهر من توليها مقاليد الحكم  في تونس؟

ج- لقد كنت من بين الذين أبدوا حسن الظن في الترويكا فأنا الى تاريخ قريب كنت جزءا من هؤلاء الناس باعتبار انتمائي السابق لحزب المؤتمر شريك الترويكا في الحكم ولم أعلّق اهتماما كبيرا على مستوى الأداء التقني للوزراء واعتبرت ان كل من يتولى السلطة في تلك الظروف وبعد الخراب الذي تركه بن علي ستكون مهمته صعبة بالتأكيد.واليوم أجد نفسي أنظر إلى  الأداء السياسي والأداء التقني للحكومة فأجد فشلا كبيرا على المستوى التقني خاصّة وأن ملف البطالة مثلا والذي اندلعت من أجله الثورة لم يتقدّم قيد أنملة.

طبعا انا لم اكن انتظر أن تشغّل هذه الحكومة جميع العاطلين عن العمل ولكن لا أرى تناولا جديا في هذا الملف. وبصراحة لاحظت عجزا تاما في إدارة الشأن العام. وأعزو فشل الحكومة المدوي الى انعدام الكفاءة وتغليب الترضية والمحاصصة الحزبية في تقاسم الحقائب الوزارية. وأحمد الله أني رفضت المنصب الوزاري الذي عرض علي.

وقد فات هذه الحكومة أن تبني صورتها بالعمل لا بالترضيات كما أن حزبي التكتل والمؤتمر حليفي النهضة في الحكم كانا مجرّد تابعين قدّما تنازلات لا حصر لها للنهضة وأساءا  لنفسيهما وللبلاد.

وأتوقع أننا سنجد مشاكل كبيرة إن لم أقل انفجارات ثورية. ثم إن قطار الديمقراطية وقطار الجمهورية الثانية متوقّف وما كنت أتوقعه واتمنى ان لا يحصل هو بصدد الوقوع. فالحزب الاسلامي الفائز في الانتخابات السابقة يحاول أسلمة الفضاء السياسي ليس بالقوة ولكن بالتدرّج.

س- هل تعتقدين أن موجبات اندلاع ثورة ثانية في البلاد باتت قائمة؟

ج- تقليديا الثورة لا تقع مرة واحدة هذا لاحظناه في الكثير من الثورات ومن اهمها الثورة الفرنسية. فالثورة كالزلزال لها هزات ارتدادية حتى تستقر الأرضية. لا يجب أن نستخف بقيام ثورة من جديد أنا أتمنى ان لا تقوم ثورة من جديد فستكون مكلفة لكن بين الاماني والواقع هناك بون. اذ لا ننسى السلاح الذي تسرّب وتكدّس في تونس ويقال أن جهات اسلامية هي التي خزّنت السلاح، وعموما لا يمكن ان تكون جهات ديمقراطية وراء ذلك فالديمقراطيون لا يخزنون الأسلحة لأنّ سلاحهم الرأي والكلمة. على كل، تونس مازالت ثائرة وموجبات قيام ثورة جديدة مازالت قائمة.

س- رغم أن تاريخ الانتخابات حدّد تقريبا في مارس القادم الاّ أنه الى اليوم لم تحسم مسألة الهيئة التي ستشرف على الانتخابات؟

ج- أعتقد أنه مقصود من النهضة تحديدا التي استحلت الفوز واستحلت الحكم وهي لا ترى أن هذه السنة كافية لبسط هيمنتها، وترسيخ دكتاتورية دينية على شعب نكب بطبعه لأكثر من نصف قرن بالدكتاتورية. فالإسلاميون كانوا ضحايا الديكتاتورية وهم يريدون اليوم فرض هيمنتهم والسيطرة على المشهد الانتخابي القادم. والنهضة تريد وقتا أكبر لتتغلغل في مفاصل المجتمع وذلك ربّما لشعورها بأنها فقدت الكثير من ثقة الناس ولخوفها من عدم الفوز بالانتخابات المقبلة اذا لم تتحكّم فيها مسبقا.

فعملية تعطيل الهيئة العليا للانتخابات هو تقليص من زخم تسجيل المواطنين للانتخابات. وأعتقد أن النهضة شاعرة بأن جميع مناصريها سجّلوا في الانتخابات السابقة وذلك هو رصيدها ووزنها الانتخابي وبالتالي كل تسجيل جديد يكون في غير صالحها لذلك تحاول التقليص من زخم التسجيل والمؤسف أنها استطاعت التحكّم في كل ذلك مع صمت نعيبه على المعارضة.

س- تصدّر ملف التعويضات المالية الضخمة لضحايا القمع والاستبداد من اسلاميين وغيرهم المشهد العام مؤخرا، فما تعليقك على هذه المسألة؟

ج- التعويض حق وواجب، حق الضحية وواجب الدولة ولكن النهضة عجّلت بفتح هذا الملف وأعطت الانطباع بأنها تريد غنيمة هذه الانتخابات. إن من سيصوّت على هذا القانون في المجلس التأسيسي هم بدورهم سيحصلون على التعويضات.

كان يجب التأني والتحلي بالحياء في هذا الموضوع لأن بهذه الشاكلة نعطي انطباعا سيئا جدّا عن النضال. ثم ان الظروف الاقتصادية الحالية سيئة وهناك فئات أولى بهذا التعويض كما أن الاسلاميين لم يناضلوا من أجل الحريات. أنا احترمهم لأنهم ناضلوا من أجل  فكرة يؤمنون بها ولكن هذه الفكرة ليست ديمقراطية بل دكتاتورية كانوا يناضلون للانقضاض على السلطة وحكم البلاد باسم الدين فلا علاقة لهؤلاء بالثورة والعلاقة الوحيدة التي لهم هي أن هذه الثورة أنصفتهم.

الذين سجنهم بن علي كان فيهم من ضرب بماء النار ومن ألقى قنابل “مولوتوف” وفيهم من خرّب الحياة المدرسية لأن النهضة أو حركة الاتجاه الاسلامي وقتها كانت تمارس الضغط لاستلام الحكم. وإغلاق هذا الملف بصفة عادلة ومنصفة يكون عبر مسار عدالة انتقالية.

س- من هنات النهضة أيضا أنها باتت تتهم بإغراق الادارة التونسية برموز حزب التجمّع المنحل، واخرها تعيين محافظ جديد للبنك المركزي مما أثار زوبعة سياسية كبيرة فما رأيك؟

ج- هذا من دواعي خيبة ظني في حركة النهضة التي أصبحت تمارس ما عانت منه طويلا. هي تعيد الى الصدارة العفن التجمّعي (نسبة الى التجمع الحزب الحاكم سابقا) الذي نخر جسم هذا البلاد وهم يريدون الاستفادة من فساد بن علي ليبنوا فسادا  جديدا.

فمحافظ البنك المركزي الجديد ومهما كانت خبرته لا أقبله في ذلك المكان لأنه دافع عن قانون كان يريد به حبسي. وأعني قانون تجريم المعارضة التي تتصل بجهات أجنبية فأنا كنت من الشخصيات التي كانت تقابل الأجانب، كنت أقابل الناس لأدافع عن بلدي وهذا القانون كان يريد تجريمنا وأنا لا أرى عمى سياسيا أكثر من هذا العمى.

س- بدأت الأنظار تتجه نحو حركة نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي كبديل سياسي محتمل لحركة النهضة فهل تعتقدين فعلا أنها قادرة على المنافسة الانتخابية؟

ج- الخوف من حركة النهضة هو الذي يدفع الناس الى حركة نداء تونس. لكن هذه الحركة فيها دساترة (كانوا ينتمون الى الحزب الدستوري زمن حكم بورقيبة) وقائد السبسي تجمعي و اذا عاد حكم الدساترة فالمذنب الأول هو حركة النهضة التي خلقت خوفا في المجتمع و المذنب الثاني هي المعارضة التي لم تستطع خلق حزب قوي فجاء قايد السبسي واحتل الفضاء السياسي.

وإذا كانت حركة نداء تونس غطاء للدساترة وللتجمعيين فلا أرجو لها حقيقة النجاح لأن تونس بحاجة الى تجديد. فمن المحزن أن تجد تونس بعد ثورة نفسها مخيرة بين تيارين رجعيين لأن التيار الاسلامي رجعي وماضوي والدساترة ماضي يريد أن يعود وكأن تونس لن تخطط أبدا للمستقبل.