تعتمد مصر بشكل رئيسي على نهر النيل كمورد للمياه. إذ تُغطي مياه النهر نحو 90 بالمائة من احتياجات مصر السنوية من المياه، والتي بلغت نحو 60 مليار متر مكعب. أما المياه الجوفية والأمطار فلا تمنح مصر سوى نسبة بسيطة من احتياجاتها نظرا لقلتها. السياسات المائية في مصر لا يبدو أنها مدركة لأهمية إدارة هذه الموارد الشحيحة وفقا لعبد المولي إسماعيل عضو حملة نقطة مياه والخبير في السياسات المائية، الذي يرى أن السياسات المائية في مصر تهدر الكثير من المياه، وتوزع حصص المياه على أساس طبقي.

تعتمد مصر بشكل رئيسي على نهر النيل كمورد للمياه. إذ تُغطي مياه النهر نحو 90 بالمائة من احتياجات مصر السنوية من المياه، والتي بلغت نحو 60 مليار متر مكعب. أما المياه الجوفية والأمطار فلا تمنح مصر سوى نسبة بسيطة من احتياجاتها نظرا لقلتها. السياسات المائية في مصر لا يبدو أنها مدركة لأهمية إدارة هذه الموارد الشحيحة وفقا لعبد المولي إسماعيل عضو حملة نقطة مياه والخبير في السياسات المائية، الذي يرى أن السياسات المائية في مصر تهدر الكثير من المياه، وتوزع حصص المياه على أساس طبقي. كما يرى أن المسؤولين المصريين ارتبكوا أخطاء عديدة في مفاوضاتهم حول حصة مصر في مياه نهر النيل، ستؤدي لتهديد موارد مصر المائية. موقع “مراسلون” أجرى معه الحوار التالي. 

 

مراسلون: بعض المسئولين يرجعون سبب أزمة المياه في مصر إلى تزايد عدد السكان، فهل هذا صحيح؟

إسماعيل: يحمل هذا الحديث جانبا من الصحة ، لاسيما وان المياه فى مصر تتسم  بالندرة الشديدة حيث لا يتجاوز نصيب الفرد 860 متر مكعب سنويا وفقا لتقديرات 2003، وفى 2012 تناقص الرقم إلى حوالي 725 متر مكعب سنويا،  ولا يتوقع أية زيادات في حصة مصر من إيراد النهر التي لا تتجاوز 55.5 مليار متر مكعب وفقا لاتفاقية 1959 مع دول حوض النيل، ناهيك عن أن استخداماتنا  الفعلية للمياه الآن تتجاوز حدود الحصة المقررة لمصر. غير أن أهم أسباب أزمة المياه من وجهة نظري هي النظر إلى المياه على أنها سلعة وليست حق، رغم أن الحق في المياه يرتبط ارتباطا وثيقا بالحق في الحياة، لانه بدون المياه يموت الإنسان ومن ثم يتساوى الحق في المياه مع الحق في الحياة.

 

هل يعني ذلك أن أزمة المياه ستتفاقم خلال الفترة القادمة؟

بالتأكيد، خاصة وأن مصر سوف تحتاج إلى 87.7 مليار متر مكعب بعد خمس سنوات وفقا لاستراتيجية وزارة الري عام 2017، ما يفرض تحديات كبيرة على المسئولين عن إدارة الملف.

 

[ibimage==863==Small_Image==none==self==null]

الخبير المائي عبد المولى إسماعيل

وهل ستنجح السياسات المائية في تجاوز تلك الأزمة؟

مصر تتبع سياسات خاطئة في إدارة الموارد المائية، فالمياه مورد يتسم بالندرة الشديدة والمسئولين يتصرفون في الواقع العملي عكس تلك الحقيقة، وهناك المزيد والمزيد من التفاوت في الوصول للمياه بين سكان مصر ، فإذا صدقنا أن المياه مورد يتسم بالندرة فإنه من العبث السماح مثلا بإنشاء ملاعب جولف، كما يحدث في بعض المناطق السكنية الجديدة، فالملعب الواحد يكفى لإشباع حاجة حوالي 150 ألف نسمة، نفس الحال بالنسبة للبحيرات الصناعية التي يجرى إنشاؤها في بعض المدن السكنية ذات الطراز الفخم.

 

هل يعني ذلك أن هناك توزيع طبقي للمياه؟

بالطبع، فهناك غياب واضح لمقتضيات العدالة في توزيع المياه، ورغم ندرة الدراسات التي تتناول الموضوع فإن المسح القومى للعقد الاجتماعي في مصر عام 2005 أشار إلى أنه بالنسبة لأفقر 20% من السكان في مصر فإن منهم 62% لديهم “حنفية”(صنبور ماء) واحدة داخل المسكن، بينما يوجد 30.5 % منهم لا يتصلون بأي مرفق للمياه، في حين أن فئة الــ20% الأغنى من السكان يتمتع 98.3% منهم بصنابير مياه داخل المسكن، ومن مظاهر التفاوت الشديد في مصر ما يتعلق بتسعير المياه، فمن يحصل على ملايين الأمتار المكعبة يدفع مثله مثل المواطن العادي الذي يحصل على أقل من عشرة أمتار في الشهر الواحد، وهناك العديد من الأمثلة في هذا الشأن حيث نجد بعض شركات الكهرباء تستهلك 150 ألف متر مكعب في الساعة الواحدة في عمليات التبريد بموافقة وزارة الري، ومصانع البتروكيماويات تستهلك كميات كبيرة من المياه، وبالمثل صناعات الحديد والصلب حيث يُشار في تقرير حديث أن مصانع عز تستهلك 275 مليون متر مكعب من المياه  في السنة الواحدة أي تكفي حوالي ثلاثة ملايين شخص.

 

البعض يطرح خصخصة المياه كحل للأزمة فما رأيك؟

ارفض قطعا ذلك الاتجاه واعتبره إهدارا لحق أساسي من حقوق المصريين في الحياة، لاسيما وأن هناك اتجاه بالفعل للقائمين على السياسة المائية ينظرون فيه إلى المياه باعتبارها سلعة ومن ثم يجب أن تخرج من مجال الملك العام إلى مجال الملك الخاص. وبدأ الاتجاه إلى خصخصة مياه الشرب في مصر مع صدور قرار رئيس الجمهورية رقم “135” لسنة 2004 بإنشاء الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وبموجب هذا القرار تم تحويل الهيئات الاقتصادية في 14 محافظة بمصر من بين 28 محافظة  إلى شركات قابضة وتم إضافة باقي المحافظات تباعا حتى عام 2007 ، ورغم أن قرار رئيس الجمهورية سالف الذكر اكتفى بتحويل هيئة مياه الشرب والصرف إلى شركة قابضة، إلا أنه في العام التالي مباشرة “2005” صدر قرار وزير الإسكان رقم 14 ليضع التصور الكامل لتلك النوعية من الشركات في إطار الخصخصة بتأسيس الشركات التابعة وغيرها من الشركات المساهمة. ولم يقف هذا القرار عند تأكيده على مبدأ الخصخصة بل ذهب إلى تأكيد مبدأ تسليع المياه في المادة الأولى منه والتي نصت على أن  “غرض الشركة هو القيام بتنقية وتحلية ونقل وتوزيع وبيع مياه الشرب”، فلأول مرة يرد بالقوانين المصرية مبدأ الإتجار في المياه سواء بالبيع أو الشراء بغرض الربح، وهو مبدأ ظل غائبا عن القانون المصري والقرارات الحكومية حتى عام 2005 مع صدور هذا القرار.

 

من المسئول عن إهدار الثروة المائية؟

القائمون على الثروة المائية هم المسئولون عن تدهور الموارد المائية، والشركة القابضة لمياه الشرب أحد الجهات المسئولة عن ذلك بالإضافة إلى الوزرات المعنية بذلك وعلى رأسها وزارة الري والموارد المائية ووزارة البيئة، ووزارتي الصحة والكهرباء أيضا، فهناك كميات كبيرة من المياه تستخدم في محطات الكهرباء، وبصورة أساسية فإن سياسات إدارة موارد المياه مع دول حوض النيل أثارت أزمة مؤخرا في ذلك الشان.

 

هل الأزمة مع دول حوض النيل سببت تفاقم أزمة المياه في مصر؟

التوترات تعود إلى تغير النظرة للمياه من كونها حق إلى سلعة يمكن الإتجار فيها ومن الأعجب أن “مصر” وهى البلد الأكثر تضررا من هذه الفكرة هي التي قادت هذه السياسات، وروجت لسياسات البنك الدولي وحفنة من الشركات عابرة القوميات تتاجر في المياه وبعض وكالات المعونة مثل وكالة المعونة الأمريكية، والكندية، والهولندية … إلخ و توجت هذه السياسات بإنشاء مبادرة دول حوض النيل في عام 1999برعاية مباشرة من البنك الدولى.

وفى هذا السياق نعيد التذكير بالتحذيرات التي سبق وأن أطلقها واحد من أهم الخبراء  المصريين وهو الدكتور “رشدي سعيد” منذ سنوات ومفادها أنه بدخول مصر مبادرة حوض النيل تكون وافقت وبطريقة ضمنية على مبدأ اعتبار المياه سلعة تحكمها قواعد السوق، وهو مبدأ قد تكون له تبعات خطيرة على دولة مصب تصلها المياه من دول أخرى قد تجد في هذا المبدأ أساسا للمطالبة بثمن المياه التي تأتى منها في المستقبل. وصدقت نبوءة سعيد عندما وجدنا أحد المسئولين عن ملف المياه بإحدى دول المنبع يقول :”إذا أرادت مصر المياه فعليها أن تدفع”.

 

ما هي تصوراتك للخروج من الأزمة؟

يجب النظر إلى المياه باعتبارها حق عام لا يجوز لأحد الانتقاص منه وأن هذا الحق يقتضى إعمال مبدأ المساواة في الوصول للمياه، وانتفاء هذا المبدأ هو ما يدفع إلى المزيد من الاحتجاجات. كما أن الرشادة المائية تقتضى المزيد من عدالة الوصول لهذا المورد وليس المزيد من التفاوت بين الناس فيما يتعلق بحقهم في المياه. أيضا التأكيد على المشاركة الشعبية في إدارة الموارد المائية باستعادة الملكية المجتمعية لإدارة هذا المورد من خلال إدارات مجتمعية محلية منتخبة مثلما هو الحال في أعتى الدول الرأسمالية مثال الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، إيطاليا، ويجب التأكيد على أن الندرة المائية لا يجب أن يحكمها معيار السوق.