“موظف، مهندس، خبير مائي، رئيس قطاع النيل بالبنك الإفريقي للتنمية، متدرج في وزارة الري، حائز على وسام الجمهورية من الدرجة الثانية.” يمكن بسهولة تخيّل السيرة الذاتية السابقة مدونة في ورقة موضوعة على مكتب الرئيس المخلوع حسني مبارك، من بين أوراق كثيرة، ليختار منها وزيرا جديدا لإحدى حكوماته، لكن على الأغلب لم يكن مبارك ليختار خبير الريّ لمقعد رئاسة الحكومة المحجوز – عادة – لخبراء الاقتصاد، قاعدة لم يغيّرها سوى باختياره خبير المعلومات أحمد نظيف كآخر رئيس حكومة قبل اندلاع ثورة يناير.

“موظف، مهندس، خبير مائي، رئيس قطاع النيل بالبنك الإفريقي للتنمية، متدرج في وزارة الري، حائز على وسام الجمهورية من الدرجة الثانية.” يمكن بسهولة تخيّل السيرة الذاتية السابقة مدونة في ورقة موضوعة على مكتب الرئيس المخلوع حسني مبارك، من بين أوراق كثيرة، ليختار منها وزيرا جديدا لإحدى حكوماته، لكن على الأغلب لم يكن مبارك ليختار خبير الريّ لمقعد رئاسة الحكومة المحجوز – عادة – لخبراء الاقتصاد، قاعدة لم يغيّرها سوى باختياره خبير المعلومات أحمد نظيف كآخر رئيس حكومة قبل اندلاع ثورة يناير.

نظيف كان تغييرا شكليا للقاعدة لأن رئاسة الوزراء كانت قد انتقلت عمليًا إلى نجل الرئيس جمال مبارك من خلال مجموعته الاقتصادية في الحكومة، وعدا ذلك الفارق بين اقتصاد البنك المركزي، واقتصاديات البنك الإفريقي للتنمية، ليس في هشام قنديل رئيس الوزراء المصري الجديد أي ملمح يميّزه عن بيروقراطية مبارك.

يؤكد ذلك أن قنديل خدم طويلا كموظف في حكومات مبارك نفسها، كما أن المصريين “اكتشفوا” أنه خدم كوزير ريّ في حكومتي عصام شرف وكمال الجنزوري، الأمر الذي يمنح قنديل سمتًا آخر مباركيًا مميزًا، هو الوجود الوظيفي دون إثارة أدنى ضجة أو لفت أي انتباه، لا ينتمي ذلك الوجود الهاديء إلى عالم “العمل في صمت” وإنما إلى الخشوع البيروقراطي الكامل، إذ لم يُعرف عن قنديل أي سمة مميزة عن أقرانه، سوى لحية خفيفة مشذبة، يبدو أنها عملت لصالحه في النهاية.

عند ظهور نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، خيّم على محافظات مصر صمت اكتئابي ثقيل،  نصف المصريين كان قد قاطع  الانتخابات، والذين شاركوا لم يختار نصفهم مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ولا مرشح النظام القديم أحمد شفيق. وعندما أعلنت اللجنة القضائية المحصّنة ترشّح كليهما إلى النهائيات، مطيحة بأحلام ومناظرات وخلافات عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى وحمدين صباحي، بدا الإسمين – مرسي وشفيق-  كإشارتين مستفزتين إلى الماضي بوجهيه المتصارعين على أثآر تخصهما.

نزل المصريون بزخم أكبر في جولة الإعادة يحركهم الخوف أولاً، فاز المرشح الإسلامي وبعد فوزه بدأ المصريون يتعرفون إليه، وسرعان ما اكتشفوا أن مبارك الذي ظل موصومًا بانعدام “الكاريزما” مقارنه بسلفيه السادات وعبد الناصر، يكاد يبدو وجهًا جذابًا مقارنة بالرئيس الإخواني المتلعثم الذي وعد باختيار رئيس وزراء من بين “الشخصيات الوطنية المستقلة”.

قضى الناخبون أياما طوالا في انتظار رئيس الحكومة المرتقب، شغلتهم بورصة التكهنات بشخصيات جميعها تفوق الرئيس نفسه جاذبية وكفاءة، كانت التكهنات السياسية تدور حول محمد البرادعي والاقتصادية تتساءل عن حازم الببلاوي، أمّا مرسي مضطرب الصلاحيات فلم يكن واضحًا مدى تحكمه في القرار الحائر بين مكتب الإرشاد والمجلس العسكري، وفي صباح يوم 24 من يوليو – عند إعلان الاسم المنتظر-  كان التساؤل الذي عمّ مصر من أٌقصاها إلى أقصاها هو “من هشام قنديل؟”.

سرعان ما تولت الصحافة – المندهشة- مهمة الإجابة على السؤال، ومع انكشاف السيرة الذاتية لرئيس الوزراء المكلف وانتشاره صورته الفوتوغرافية، بدا الأمر للناس كأن ماكينة خرافية تم حشوها بالنظام القديم وبالإخوان المسلمين معًا، فأنتجت رئيس الحكومة الجديد، الذي عبرت عنه العبارة الرائجة “حزب وطني ملتحي”.

سرعان ما تأكد ذلك الانطباع عند ظهور مقاطع فيديو تنتمي لفترات سابقة، ظهر فيها قنديل رافضًا بضراوة للاعتصامات “الفئوية”، ومقدما الخطاب المتضارب – المميز لنظام مبارك – حول قضية مياه النيل، في حوار واحد يؤكد قنديل أن مصر لا تعاني أزمة مياه، وبعد دقيقة واحدة يشرح بالأرقام حقيقة دخول البلاد مرحلة الفقر المائي.

سيرة قنديل وخطابه جاءا كأنما استكمالا للنهج المباركي نفسه، المنطلق من حتمية توسّل استثمارات من دون إزعاجات “فئوية”، مع طرح الفقر كمشكلة قدرية تقع ضمن مسؤولية المواطن نفسه، الذي لا يعمل كما ينبغي بل حتى لا ينظف شوارعه بنفسه،  وإلى ذلك يضيف مرسي ورئيس وزراءه مسحة إيمانية طفيفة وبلاغية محلاة بلحية مشذبة، وخطاب مليء بالجداول الزمنية التي “تحتاج إلى كفاءات” بعيدة عن صراعات السياسة، أو باختصار “تكنوقراط”، تماما كان كان مبارك يفعل على مدار ثلاثين عامًا.

لحية قنديل الإسلامية، وتاريخه الوظيفي المباركي، جعلا منه عابرا لثنائية الفلول / الإسلاميين، وبوصفه “فلول إسلامي” سيستطيع التعاون جيدا مع الطرفين، لكنه أيضا سيكسب عداوة خصومهما معًا.

تابعونا على تويتر @micteg

‎#micteg ‎#egypt ‎#morsi ‎#mb #مرسي #إخوان