وادي العمرو، الكرامة، أم شيحان، البرث، صلاح الدين، الجورة، هي أسماء قرى كان من الأسهل علي أهاليها تلبية الصورة الذهنية عنهم كقري بدوية لاتجد ما تفعله إلا أعمال التهريب، لكن 2000 بئر للمياه الجوفية تم حفرها عبر عام تؤكد أن بدو سيناء لو أتيح لهم الخيار لاختاروا تنمية مجتمعهم بأنفسهم. ففي أعماق بين 70 إلي 100 متر تم أكتشاف مخزون من المياه الجوفية قادر علي تحويل المنطقة إلي مزارع خضراء.

وادي العمرو، الكرامة، أم شيحان، البرث، صلاح الدين، الجورة، هي أسماء قرى كان من الأسهل علي أهاليها تلبية الصورة الذهنية عنهم كقري بدوية لاتجد ما تفعله إلا أعمال التهريب، لكن 2000 بئر للمياه الجوفية تم حفرها عبر عام تؤكد أن بدو سيناء لو أتيح لهم الخيار لاختاروا تنمية مجتمعهم بأنفسهم. ففي أعماق بين 70 إلي 100 متر تم أكتشاف مخزون من المياه الجوفية قادر علي تحويل المنطقة إلي مزارع خضراء.

انسحاب حكومي تام

وتبدأ القصة، كما يرويها لنا أحد مزارعي المنطقة وهو ينقلنا علي دراجته البخارية من مدينة العريش، قائلا:” لاحظنا فور قيام الثورة توقف الشركات الحكومية والخاصة كـ”داسكو” و”ريجوا” عن أعمال الحفر في آبار ليست بعيدة عن أراضي القرى الست، كانوا قد عملوا لثلاث سنوات وحفروا خمسة آبار بعمق 1200 متر، وذلك بتكلفة 25 مليون جنيه بغية الوصول إلي الخزان الأعمق للمنطقة، لكن الشركتان أنسحبتا فجأة من الموقع وقاموا بلحام مداخل الآبار وأختفوا نهائيا منذ الثورة”.

علي طريق المزرعة، حيث أكبر تجمع لمزارع ومعاصر الزيتون، تمتد المساحات الصحراوية للقري الست، تتناثر قطع الأراضي التي تم تجهيزها منذ سنوات إنتظارا لآبار الشركات التي هجرت مواقعها، قطع لا تتعدي “قراريط” صغيرة. وفي قرية صلاح الدين تتوقف سيارة نقل كبيرة تحمل ماكينة حفر، تستعد لحفر بئر سطحي، يقول دليلنا في الرحلة: “هناك ماكينتان للحفر يجري أستأجارهما من مدينة رفح القريبة، مقابل 30 ألف جنيه تكلفة لحفر البئر الواحد، وهي تكلفة كبيرة علي قري فقيرة، لذا يشترك أكثر من مزارع في حفر البئر.”

 التنقيب بوسائل بدائية: مسالة حظ

 في مدخل قرية البرث يقابلنا سالم الترباني مستكملا حديث مرشدنا قائلا: لفت إنتباهنا منذ فترة حضور شركات حفر الآبار، وكنا علي أستعداد لشراء المياه منها رغم أنها مستخرجة من أراضينا، مهدنا الأرض وأنتظرنا، ومع خروج الشركات التي تستطيع الحفر علي أعماق كبيرة، لم يعد أمامنا إلا الإعتماد علي أنفسنا. المخزون السطحي موجود علي عمق قريب، لكن الحفر والإكتشاف يتم بالصدفة، فقد تحفر لتجد آبار لمياه حلوة تصلح للشرب والزراعة، وقد تحفر لتجد مياه مالحة بنسبة أقل من 7% وتصلح لزراعة الزيتون فقط، أو ترتفع النسبة فتكون المياه مالحة ملوحة البحر فلا تستغل. أما المخزون الأساسي والمضمون فيحتاج فعلا إلي ماكينات حفر عملاقة تصل لعمق 1000 متر.”

قرب منفذ العوجة الحدودي أقتربنا من المواقع التي تم إغلاقها، وعلي رأس أحد البساتين الجافة قابلنا المزارع الشاب “ابراهيم السويركي” الذي دلنا إلي موقع بئر شركة ريجوا. قامت الشركة بلِحام فتحة البئر وانسحبت، كسر الأهالي الفتحة فأكتشفوا المياه: “بقايا بئر الشركة دفع الأمل في صدورنا، حفرنا لنجد مياها حلوة علي عمق 100 متر فقط، لازلنا نواجه مشكلة مع تلك الآبار فماكينات رفع المياه تحتاج إلي جهد كهربي عالٍ، لذا نقوم بالمناوبة في عملية رفع المياه، لأن الأحمال الكهربية في المنطقة لا تتحمل عمل ماكينتان في نفس الوقت”.

حلم التنمية الذاتية

الشريط الحدودي مع إسرائيل هو المنطقة الأكثر توترا في علاقة أهالي سيناء بالدولة، ومنع البدو من امتلاك أراضيهم والتصرف فيها بحرية أحد أهم مظاهر ذلك التوتر. لا شك أن مبادرات حفر الآبار دخلت بالعلاقة بين الطرفين والمعقدة تاريخيا حيزا جديدا، لكن مما لا شك فيه أيضا أن المبادرات الشعبية تفتقر إلى الموارد اللازمة لتنمية مستدامة على نطاق واسع.

يقول حسين العطيفي، مدير مصلحة الري في شمال سيناء، والذي أبدى إعجابه بالتجربة: “زائر تلك المناطق يصيبه الفرح لازدياد الرقع الخضراء في العام الأخير، فإكتشافات الخزان الجوفي جزء من تنمية سيناء المعطلة، ولدينا في مصلحة الري قطاع متخصص في أبحاث المياه الجوفية نحاول به مساعدة المزارعين، إلا أن زيادة حجم الاكتشافات تحتاج إلي تقنيات وأستثمارات أكبر”.

بالفعل ثمة اهتمام ملحوظ بتنمية شبه الجزيرة وضعته حكومات مابعد الثورة ضمن أولوياتها – وعود بمنح الأهالي حق الامتلاك، بضخ المزيد من الاستثمارات، بحديث الموانئ، إلخ، إلا أنها لاتزال كلها مجرد حبر على ورق، ربما إلى حين غستقرار الأوضاع السياسية والمنية.

 نقلة نوعية في علاقة متوترة

 في جلسة بدوية بأحد بيوت الشعر بقرية أم شيحان، جلسنا نستمع إلي أبو عبدالله المزارع الذي يقارب السبعين وهو يشرح مشاكل الزراعة قائلا:

“منذ 60 عاما أزرع البطيخ للإستخدام الشخصي أنا وجملي، ثم أقوم بتجفيف البذور وبيعها، فالمطر الموسمي شحيح، والناتج الزراعي لا يكفي أصلا إستهلاكنا العائلي،” يتدخل أبنه عبد الله الترباني قائلا: “النظام السابق باعنا لتجار التجزئة، يمنحوننا السلع الأساسية بأسعار مرتفعة، نحن هنا نحاول أن نفتح ثغرة في هذه العلاقة المشوهة، فتكاتفنا معا سيكفينا من إهمال الحكومة لنا، قم معي (نقترب من بئرِه الجديد)، انظر إلي بئري الجديد (مشيرا إلي ماسورة بقطر 40 سم تمتد لعمق 70 متر)، لقد أسميته بئر الزهور، تذوق المياه العذبة، هذا هو الخير الحقيقي.”

تابعونا على تويتر @micteg

#micteg #welldone