لا تعلق السيدة أم علاء صاحبة كافتيريا “النجوم” آمال كبيرة على الدولة في تحسين وضعها المالي. عدد الزبائن في مقهاها الواقع جنوبي الاسماعيلية على الضفة الغربية لقناة السويس في تناقص مستمر، في حين يعجز المسؤولون حسب قولها عن التفكير بمشروعات تجارية أو سياحية تنعش المنطقة وتزيد من طلبات الشاي، ولو كأسا واحدا.

وتضيف أم علاء “إن المصريين أنفسهم يمنعون من التواجد على الشاطئ، عند عبور سفن حربية مثلا.. كذلك الصيادون يمنعون من مزاولة مهنتهم”.

لا تعلق السيدة أم علاء صاحبة كافتيريا “النجوم” آمال كبيرة على الدولة في تحسين وضعها المالي. عدد الزبائن في مقهاها الواقع جنوبي الاسماعيلية على الضفة الغربية لقناة السويس في تناقص مستمر، في حين يعجز المسؤولون حسب قولها عن التفكير بمشروعات تجارية أو سياحية تنعش المنطقة وتزيد من طلبات الشاي، ولو كأسا واحدا.

وتضيف أم علاء “إن المصريين أنفسهم يمنعون من التواجد على الشاطئ، عند عبور سفن حربية مثلا.. كذلك الصيادون يمنعون من مزاولة مهنتهم”.

كحال هذه السيدة، يفتقد الكثير من أهالي منطقة قناة السويس إلى المشروعات الاقتصادية الحيوية، ويصنفون مدنهم وقراهم كمهمّشة على صعيد التنمية رغم ارتفاع الموارد التي تدرها القناة على الاقتصاد الوطني، والتي ناهزت 5 مليار دولار في العام الماضي بحسب مصادر رسمية.

فعلى خلاف تجارب دول أخرى نجحت في تحويل ممراتها المائية إلى قاطرة للتنمية، اكتفت مصر بتحصيل الرسوم من السفن المارة عبر قناة السويس وإرسالها إلى خزينة الدولة المركزية.

ويقارن الخبراء قناة السويس بمثال سنغافورة التي استطاعت خلال عشر سنوات فقط أن ترفع مستوى دخل المواطن فيها من 800 إلى 62 ألف دولار سنوياً ليصبح أعلى دخل في الدول غير النفطية.

في حين أن متوسط دخل المواطن الأمريكي الآن لا يتعدى 45  ألف دولار في السنة، والتركي 20 ألف دولار، أما فى مصر فلم يتجاوز 1200 دولار كما ذكرته عدة تقارير ابزرها “جلوبل فايننس”.

 

 

لماذا سنغافورة؟

 

سنغافورة التي لا تزيد مساحتها على تُسع مساحة سيناء هي عبارة عن جزيرة رئيسية وحولها بعض الجزر الصغيرة جدا.  ظلت منسية ومهملة زمنا طويلا لانعدام الموارد إلى أن فطنت إدارة البلاد إلى الإمكانيات والثروات والميزات التي يتيحها لها موقعها الجغرافي كجزيرة يبلغ طول سواحلها 180 كم، أي ما يقارب طول الضفة الشرقية لقناة السويس، أو ساحل سيناء على البحر المتوسط.

ويلخّص الدكتور محمود عمارة استاذ التنمية الاقتصادية التجربة السنغافورية موضحا أن مشروع النهضة في سنغافورة كان تحويل الشواطئ الممتدة على طول 180 كلم إلى ميناء عالمي أو محطة للسفن  تقدم كل الخدمات البحرية، من الشحن، والتموين، وإصلاح السفن، وتحميلها، وتنزيل البضائع، وإعادة نقلها بالبر والسكك الحديدية.

وبعد النجاح فى جذب معظم السفن العابرة والسمعة الممتازة التي حققتها فى تقديم الخدمات، استطاعت سنغافورة الحصول على 21  مليار دولار سنويا كعائد للخدمات فقط.

“في حين ان مصر التي تمتلك قناة السويس بأهميتها التي تفوق موقع سنغافورة لا تقدم أي خدمات نهائياً، واكتفت فقط بالرسوم (خمس مليار دولار سنويا) رغم وجود الأوناش والمعدات والخبراء والموقع الجغرافي الممتاز” وفقا للدكتور عمارة.

 

حلم غير مستحيل

 

وبحسب مختصين، لا يعود سبب تأخر تنمية منطقة القناة إلى غياب خطط الاستثمار، إذ إن هناك مشروع متكامل قام به خبراء مصريون يمكن أن يرفع عائدات ممر قناة السويس إلى 12 مليار دولار سنوياً من قطاع الخدمات فقط. ومن خلال المشروع نفسه يمكن أن تصل العائدات إلى نحو 100 مليار دولار سنويا إذا تم توسيع الاستثمارات في منطقة القناة.

تفاصيل هذا المشروع كما يقول المهندس وائل قدور مدير التخطيط الاسبق بهيئة قناة السابق وعضو لجنة تقدير الرسوم حاليا تشمل تحويل ضفتي الممر المائي لمنطقتين لتجارة الترانزيت والصناعات البحرية.

تشتمل الخطة أيضا على توسيع وتعميق القناة بما يمثل إضافة مساحة مائية لها تعادل مساحتها الحالية بما يمكنها من مضاعفة حجم السفن المارة وبالتالي زيادة عائد الرسوم. ومن المخطط أيضا وفقا للمشروع إنشاء وادٍ للتكنولوجيا من خلاله ستكوّن منطقة للصناعات المتقدمة تصنع المواد الخام  وتصدرها.
وبحسب المهندس قدور، فإن المشروع، ولتحقيق التكامل، يتضمن إنشاء ظهير زراعي خلف مناطق التنمية، بما يسمح باستيعاب ثلاثة ملايين نسمة كسكان دائمين، بالإضافة إلى ثلاثة ملايين آخرين كإقامة مؤقتة يعمل أصحابها في الشركات الصناعية الأجنبية التي تقوم بالتصدير الخارج.

وتقدر تكلفة المشروع بعشرة مليارات دولار، بجانب خمسة مليارات أخرى لإقامة البنية الأساسية، ويعتمد تمويله العملاق على الاستثمارات العربية بالإضافة إلى قروض بنكية محلية، بينما يتم استكمال الباقي من البنود الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة، وفقا للمهندس قدور الذي ساهم في تخطيط المشروع.

 

مشروع  للجميع

 

خطة المشروع الطموح التي تهدف بالمحصلة لتنمية خمس محافظات يضمها اقليم قناة السويس تم طرحها عام 1997،  لكن كل ما تحقق منها حتى اليوم هو إنشاء ميناءين ووادي التكنولوجيا، يقول عنها المهندس قدور بأنها “مجرد خطوات عشوائية دون وجود مخطط”.

والأسوأ من ذلك بحسب قدور، هو “الفساد الطاغي” من جانب بعض رجال الاعمال الذين قاموا بـ “تسقيع” الاراضي، أي شراءها وتركها خالية حتى يرتفع سعرها، وإعادة بيعها مرة اخرى لما فى ذلك من مكاسب اكثر من الصناعة نفسها. ويشير إلى أن ذلك تم “بالاتفاق طبعا مع بعض ممثلي الحكومة”.

ولم ينس قدور أن يؤكد على أن المشروع أكبر من أن تتولى تنفيذه جهة واحدة أو حزب ما، لأنه “مشروع قومي يتطلب تضافر كل الجهود لتحقيقه”. وسبق لهذا المهندس أن رفض مساندة بعض المرشحين لرئاسة الجمهورية للمشروع، رغم  حصول أكثر من واحد منهم على نسخة ورقية لادماجها في برنامجه الانتخابي.

تضافر الجهود لتحقيق المشروع يؤكد عليه ايضا محمد حجاج ناشط نقابي في إحدى شركات قناة السويس، الذي أوضح ان القيادة الحالية للهيئة بعد الثورة لم تتفاعل بالشكل الكافي لتحقيق أي زيادة في الايرادات.

ويصف حجاج حال الإدارة “بالجمود الفكري”، وبأنها اكتفت فقط بدور “الكمسارى” الذي يحصل الرسوم، ما جعلها غير قادرة على طرح او تنفيذ اى افكار تسويقية وتشغيلية على حد تعبيره.

ويلفت إلى أن عدة شركات للهيئة جرى تجريفها من خبراتها وتحويلها للخسارة رغم انها كانت “مطمع” لكل رجال الاعمال. ويضيف “لولا وقوفي وزملائي ضد هذه السياسة، ولولا أحداث الثورة، لكان تم بيع تلك الشركات”.

 

القوانين تعوق تقدم القناة

 

“الهيئة لا تكتفي بدور محصل الرسوم  بإرداتها”، يقول  عبد التواب حجاج مستشار رئيس هيئة قناة السويس. ويتابع ان ادارة الهيئة ترحب بأي مشروعات فى مداخل القناة دون ان يكون ذلك على جانبي المجرى الملاحي لوجود احواض الترسيب التي يتم استخدامها فى حال توسيع وتطهير القناة.

ولدى حجاج جملة من الملاحظات على مشروع تطوير المنطقة، “فمصير  مشروع تموين السفن المارة محكوم عليه بالفشل لعدم وجود المادة الخام فى مصر واستيرادها لن يصاحبه أي عائد، أما عن قيام  الهيئة بتصنيع واصلاح السفن فيحتاج لاستثمارات عالية جدا لاتملكها ادارة الهيئة  والتي هي مؤسسة تابعة للدولة تتحصل على ميزانيتها من الحكومة”. مؤكدا ان الهيئة تفعل ما بوسعها لجلب السفن وعلى المستثمرين ورجال الاعمال توفير المشروعات.

 

أبعاد سياسية وأمنية

 

الخلاف حول أهمية المشروع كما يؤكده خبراء مختصون وصعوبة تنفيذه كما تقول إدارة القناة، له أبعاد أخرى بحسب الخبير البيولوجى عبدالله فودة.

ويؤكد هذا الخبير أن كل المقومات موجودة لتحقيق مشروع قدور ورفاقه خاصة لتوافر القوى العاملة من المصريين والمساحات الصحراوية الكبيرة التي تحف جانبي القناة خاصة في الجزء الجنوبي منها.

كما أن مصادر الطاقة متوفرة طبقا للخبير، “فالغاز الطبيعي الذي كنا نصدره لإسرائيل بثمن بخس يجب استغلاله، والبترول موجود في سيناء وفي البحر المتوسط أمام بورسعيد، كما من الممكن إنشاء العديد من المزارع الشمسية في الصحراء الشرقية وصحراء سيناء، وكذلك يمكن انتاج طاقة الرياح في منطقة الزعفرانة التي تعد من أفضل مناطق العالم الملائمة لتوفيرها”.

لكن فودة يلفت إلى “أبعاد سياسية” تلعب دورا في هذا الموضوع، لان تنمية قناة السويس بضفتيها ستكون “خط حماية ودفاع استراتجي لمصر وهذه ما لا يرضي اسرائيل” بحسب قوله، وذلك في إشارة إلى احتمال أن تصبح القناة هدفا سهلا في حالة اندلاع أي صراع مسلح تدخل مصر طرفا فيه.